هل نكتشف يوما حقيقة الأحلام التي تراودنا أثناء النوم؟

هل نكتشف يوما حقيقة الأحلام التي تراودنا أثناء النوم؟
الأربعاء ١٧ أغسطس ٢٠١٦ - ٠١:١١ بتوقيت غرينتش

جمع الإنسان سجلات كثيرة عن الأحلام منذ سنوات، لكن ما الذي تقوله لنا هذه السجلات الخاصة بما نراه في منامنا عن عقل الكائن البشري؟ وهل يمكن للتكنولوجيا الحديثة المساعدة في كشف أحلامنا؟

كان يوم آخر من أيام الحرب العالمية الثانية على وشك الانتهاء، وكان لارس (ليس اسمه الحقيقي) البالغ 36 عاماً من قبيلة هوبي الأميركية الأصلية يستعد للنوم.

كان الناس من حوله بعيدين عن الدمار الذي تشهده أوروبا، لكنهم كانوا يستمعون إلى الأخبار كل ليلة من خلال المذياع، وعندما غط لارس في نوم عميق تلك الليلة، كانت أحلامه تبعث الحياة في تلك الأخبار.

فقد نام في فراشه يحلم بمدينة أوروبية ما، مدينة لم يزرها في حياته، بدت له كأنها باريس، وبينما كان يتجول رأى أن المكان تعرض لقصف مدمر، وهو كا حدث بعد ذلك بالفعل.

كانت صورة من باريس، لكن كما استمر الحلم، أدرك لارس بشكل غريب أنها تقع في واد قريب من مكان سكناه. في النهاية، تبخر الحلم، واستيقظ لارس، وبعد وقت ما، انتهت تلك الحرب.

مضى لارس منذ زمن بعيد لكننا نعرف ما حلم به في تلك الليلة. في الحقيقة بإمكاننا الإطلاع على آلاف الأحلام من جميع أنحاء العالم بفضل أرشيف سجل الكثير من الرؤى الليلية التي عاشها أفراد في قبيلة الهوب الأمريكية وغيرها من القبائل.

في هذه الأيام تتكون مجموعات جديدة مهتمة بتسجيل الأحلام، وتوجد عدة تطبيقات على الهواتف الذكية تقوم بذلك أيضا. لكن ما الذي يمكن أن تخبرنا به سجلات كهذه عن معنى الأحلام؟ ومن الذي قرر الشروع في جمع الأحلام أصلاً؟

اهتمامنا بالأحلام قديم على الأرجح قدم قدرتنا على تكوين الكلمات. لكن الجهد الكبير الرئيسي لتسجيل هذه الأحلام وجعلها في المتناول تم خلال وبعد الحرب العالمية الثانية.

والأرشيف المنسي على نطاق واسع كان من ابتكار عالم النفس الأميركي بيرت كابلان، وتم توثيق تركته حديثاً في كتاب يسمى "قاعدة بيانات الأحلام: السعي المفقود لدليل الإنسانية"، لمؤلفته ريبيكا ليموف من جامعة هارفارد.

وقد ساهم علماء الأنثروبولوجيا لسنوات طويلة في هذا المشروع عن طريق إجراء مقابلات مع أناس من مختلف الثقافات القبلية حول العالم.

ويُحتفظ بهذه المقابلات في سجلات أرشيفية توجد في عدة أماكن على شكل بطاقات "مايكروكاردز"، وهي بطاقات يطبع عليها نصوص متناهية الصغر بحيث تتسع البطاقة الواحدة لمئات الصفحات في بعض الحالات.

وتقوم أجهزة القراءة بتكبير الكلام وجعله مقروءاً، لكن التكنولوجيا المعاصرة تفوقت على هذه الطريقة. اليوم بإمكاننا استخدام إمكانيات التخزين الهائلة لقواعد البيانات الرقمية التي لا نحتاج فيها إلى تصغير النصوص ولكن فقط إلى تحميلها.

وقد تنقلت ريبيكا ليموف من مكتبة إلى أخرى لمدة ثماني سنوات لتطالع أجزاءً من قاعدة بيانات الأحلام. في بعض الأحيان لم تلمس يد إنسان هذه التسجيلات منذ عشرات السنين، وفي إحدى الحالات قام الموظفون في إحدى المكتبات بإلقائها في سلة المهملات.

لكن عندما وصلت ليموف إلى التسجيلات التي تبحث عنها استطاعت أن تستعيد أحلاماً لأنواع مختلفة من البشر.

سحب سوداء

أحد السجلات يصف هلوسة امرأة لبنانية كانت تعاني من التيفوئيد، وقد تخيلت هدية جميلة أخذها منها والدها مقابل جنيهات ذهب عثمانية.

وفي وقت لاحق أُخذت هذه الجنيهات ودُفعت بدون إذن للطبيب. ومما قالته المرأة للباحث الذي أجرى معها المقابلة: "عندما استيقظت ولم أجد جنيهاتي الذهبية، بدأت في الصراخ".

وكان هناك أيضاً سكان جزر جنوب المحيط الهادي الذين حلموا بشخص منهم، وهو رجل أصيب بالجنون بعد وصول سلاح البحرية الأميركي إلى المنطقة، وإمرأة من الأمريكيين الأصليين حلمت بالتحليق فوق سحب سوداء، حيث واجهت أحد أقاربها فوق تلك السحب.

فهل هناك تفسير لمثل تلك الأحلام مع غرابتها، ولماذا تراودنا دون تدخل منا في ذلك؟

كما نعرف جميعا، أحياناً نرى في المنام أحلاماً تبدو معقولة بالنسبة لنا، ويكون لدينا فكرة لا بأس بها لماذا رأينا تلك الأحلام أصلاً. لكن غالباً ما تحتوي تلك الأحلام على تفاصيل محيرة، أو تكون كلها غريبة.

وتعلق ليموف بقولها: "الأحلام لا تمضي بشكل مثالي، فهي مراوغة. ولا أعتقد أن التكنولوجيا ستنجح في تفسير ذلك".

بيد أن هناك من يعتقدون أن التكنولوجيا تستطيع تفسير معنى الأحلام. فتطبيقات مثل "دريمبورد"، و "شادو" توفر للمستخدمين القدرة على تسجيل وصف تفصيلي لأحلامهم. في المقابل يحاول مصممو هذه التطبيقات العثور على إشارات أو نماذج عامة يمكن أن تفيد في فهمنا لماهية الأحلام، وما يمكننا التعلم منها.

على كل حال، وكما يشير هنتر لي سويك، مصمم تطبيق شادو، ليس هذا بالأمر السهل. فتطبيق شادو غير المتوفر للجمهور بعد، يضم 10,000 عضو. وكانت هناك بعض النماذج التي تم رصدها في أحلام هؤلاء الأعضاء، لكن سويك يرغب في التأكيد على أنه وفريقه لا يستطيعون القطع بهذه النتائج.

ويقول سويك: "في العينة النموذجية التي لدينا، رأينا زيادة في الأحلام المتعلقة بالجنس، والعنف، في أوقات اكتمال القمر، وهذا أمر متوافق ومنسجم مع كل اكتمال لاستدارة القمر منذ أن أطلقنا هذا التطبيق."

ويضيف: "هذا ما رأيناه من خلال قاعدة المعلومات الصغيرة التي لدينا، ولذلك لا أستطيع الزعم بأن ذلك يحدث بالفعل".

لكن ربما يكون أي ربط في هذا الوقت أمراً مشوقاً، ويمكن لنا أن نفهم لماذا سيكون لدى البعض فضولاً كافياً للبحث في المستقبل.

ويجمع تطبيق سويك كلمات مفتاحية من وصف المستخدمين أنفسهم لأحلامهم، بحيث يمكن التعرف على أنماط الأحلام في عدد من البلدان، وحتى في العالم. فكم شخصاً حلم الليلة الماضية بالغول جودزيلا في اليابان؟

ويمكن لتطبيق شادو أن يعطيك فكرة تقريبية، كما يقول سويك. ويضيف: "كثير من الناس لديهم أحلام مرعبة وهذه هي الأحلام التي يتذكرونها. من ناحية أخرى، بعض الناس يرون أحلاماً واضحة جداً حيث يحلقون طائرين، ويقومون بأشياء كثيرة مشوقة."

ويتابع: "في أحلام النساء، توجد شخصيات أكثر، وتكون أحلامهن واضحة المعالم، إنه أمر مثير جداً للإنتباه".

تفسير الأحلام

ما توصل إليه سويك وفريقه يستدعي السؤال: هل يمكن أن نصبح أكثر مهارة في تفسير الأحلام؟

هي فكرة جاء بها مكنمارا، وهو عالم في مجال علم النفس العصبي في كلية الطب بجامعة بوسطن ويعمل مستشاراً لـ "مجلس الأحلام". ويهتم مكنمارا بفوائد تحديد الأنماط في الأحلام؛ مثل الشخصيات والأشياء المرتبطة بالحلم، ومن ثم استخدام ذلك لبناء "شيفرة للأحلام"، كما يقول.

ويقول مكنمارا: "إذا تمكنا من تكوين ما يكفي من عناصر الحلم هذه فربما نصل لمعرفة ما إذا كان الحلم يعني شيئاً أو لا".

وتعد طريقة تكوين قواعد معلومات أكثر متعلقة بالأحلام طريقة واعدة، كما يضيف. وفي الحقيقة، يبشر ذلك الأمر بأن انطلاقة كهذه، أو على الأقل بدايتها، يمكن أن تتحقق في المستقبل القريب.

لكن مكنمارا يريد أيضاً أن يكون واضحاً بشأن أن هذه الشيفرة لا توجد في الوقت الراهن، وهو واضح تماماً في نفي تلك المزاعم المتعلقة بالقدرة على تفسير الأحلام.

ويضيف شارحاً: "لا أقول أن الأحلام لا تعني شيئاً، ولكن أقول أننا لا نعرف بعد ما إذا كانت تعني شيئاً أم لا. العلم لا يدعم أي طريقة لتفسير الأحلام".

جزء من المشكلة فيما يتعلق بتحليل الأحلام هو أنه في الوقت الراهن ينبغي أن يعتمد الباحثون على الأوصاف التي يقدمها لهم الأشخاص الذين يشاهدون الأحلام، الأمر الذي يعني أنه لن يكون تحليلاً دقيقاً أو متكاملاً.

في الحقيقة، ليس من الصعب فهم أن بعض الناس ربما لا يستطيعون الحديث بصراحة عن أكثر أحلامهم إزعاجاً أو سعادة.

ومع ذلك، ربما لن ننتظر دائماً لمن يحلمون لكي يبوحوا بهلوساتهم. فقد وصف فريق من الباحثين اليابانيين من جامعة طوكيو كيف يمكن تدريب كمبيوتر تعليم الخوارزميات (المسائل الحسابية) على الربط بين أنماط معينة من أنشطة الدماغ بصور محددة.

هذا النظام المشروح باستفاضة في مجلة "ساينس" العلمية يمكنه أن "يخمن" بشكل صائب ما الذي كان يحلم به الناس بمجرد مراقبة ما يجري في أدمغتهم خلال الليل.

مع كل ذلك تبقى الأحلام هي أكبر أسرار الدماغ، ومن أغرب و أقل الظواهر استكشافاً بالنسبة لنا. ومع ذلك فآلاف الملايين من البشر يحلمون كل ليلة. ولم تلق فكرة حل شيفرة الأحلام استحساناً ربما لأنه يعتقد أن الأحلام في العادة ما هي إلا نافذة على مشاعرنا ورغباتنا العميقة.

بالنسبة لسويك على الأقل، رغبة الناس المتزايدة في مشاركة المعلومات الخاصة عن أنفسهم بشكل عام تبشر بالكثير في ميدان علم الأحلام.

ويقول معلقاً: "نأمل أن نقدم الطمأنة الكافية لمستخدمي التطبيق بحيث لا يترددوا في البوح بالمزيد. أي شيء نخفيه هو شيء نحتفظ به لأنفسنا. كلما كنا شفافين في وصف أحلامنا، كنا قادرين على تفسير الأحلام".

وعلى الرغم من أن هذا الاختراق لم يحدث خلال حياة بيرت كابلان، تشير ليموف إلى أن المساهمات الكثيرة في قاعدة المعلومات الأصلية الخاصة بالأحلام كانت دوماً مؤشر على أن الأجيال القادمة يمكنها الاستفادة منها بشكل أفضل.

وتضيف قائلة: "بعض الذين كانوا وراء هذا المشروع خلال الخمسينيات نظروا إليه ليس بوصفه غاية، بل وسيلة.. المواد التي تحتوي على أنماط يمكن بالفعل اكتشافها في قاعدة المعلومات تلك".

ربما يحدث ذلك يوماً ما، وإلى حين أن يحدث فعلاً، يمكننا فقط أن نحلم.

المصدر: بي بي سي

106-3

كلمات دليلية :