اليمن وحلب والنفاق الغربي

اليمن وحلب والنفاق الغربي
الخميس ١٨ أغسطس ٢٠١٦ - ٠٧:٥٦ بتوقيت غرينتش

لا يمكن الاحساس بالنفاق الدولي، وعلى رأسه النفاق الامريكي الغربي، ازاء القضايا الدولية، باستثناء القضية الفلسطينية، بهذا الوضوح الفاضح، كما هو الحال ازاء ما يحدث هذه الايام في اليمن وفي حلب السورية.

في اليمن وبعد وصول المفاوضات بين وفدي صنعاء والرياض الى طريق مسدود، واستئناف انعقاد جلسات البرلمان اليمني بعد توقف دام عامين، والذي اسقط الشرعية عن الرئيس الهارب عبدربه منصور هادي، تعامل التحالف العربي الذي تقوده السعودية بشكل انتقامي لا حدود له ضد الشعب اليمني، وذلك عندما قصفت طائرات التحالف المدارس والمستشفيات، ومنع التحالف وفد صنعاء من العودة الى اليمن، عبر التهديد باستهداف الطائرة العمانية التي ستقله الى صنعاء، في اهانة واضحة وصريحة للامم المتحدة التي رعت مفاوضات الكويت، وللكويت التي احتضنت المفاوضات، ولسلطنة عمان التي قامت بدور المنسق .

مساء السبت الماضي استشهد عشرة اطفال واصيب 28 اخرين بجروح في اليمن في غارات جوية شنها التحالف السعودي على مدرسة لتعليم القرآن في حيدان بشمال اليمن، وفي اليوم التالي استشهد 15 شخصا وأكثر من 20 جريحا في مجزرة ارتكبها التحالف السعودي بحق نزلاء وأطباء مستشفى عبس بمحافظة حجة غربي اليمن، الذي يعتبر المستشفى الوحيد الذي يقدم خدمات طبية في المنطقة الممتدة ما بين محافظة الحديدة ومديرية ميدي ويستقبل آلاف المرضى والجرحى بعد قصف معظم المراكز الصحية من قبل طيران التحالف السعودي وتؤكد المصادر الطبية إلى أن قصف المستشفى يسبب كارثة صحية للسكان في تلك المنطقة والمناطق المجاورة التي يقدم خدماته الطبية والاسعافية للمرضى والحالات الحرجة.

الامر الغريب والملفت هو ردة فعل السعودية ازاء بعض الاعتراضات الخجولة التي ظهرت هنا وهناك ازاء المجزرتين، والتي جاءت على لسان المتحدث باسم التحالف السعودي ضد اليمن احمد عسيري، الذي زعم كعادته، ان انصارالله يستخدمون المدارس والمستشفيات كثكنات عسكرية، داعيا العالم الى عدم التركيز "على التفاصيل التقنية.. فهذه حرب.. الأضرار الجانبية والأخطاء يمكن أن تحدث!!".

امام هذه الحرب المفروضة على الشعب اليمني منذ ما يقارب من العام ونصف العام والذي سقط فيها الالاف من الشهداء اليمنيين وجلهم من المدنيين، بينهم نحو عشرة الاف طفل، ونزوح اكثر من 2,8 مليون شخص، وتدمير بنية اليمن التحتية بالكامل، اضطرت الامم المتحدة ان تضع لساعات فقط التحالف السعودي على قائمة العار لقتله اطفال اليمن، الا ان الامين العام للامم المتحدة سحب التحالف من هذه القائمة بعد ان هددت السعودية بوقف دعمها المالي للمنظمة الدولية، وهو ما اعترف به بان كي مون شخصيا.

للاسف نرى العالم الغربي وفي مقدمته امريكا، لا يمر مرور الكرام من امام مأساة الشعب اليمني فحسب، بل يشد على يد المعتدي ويغطي على جرائمه ويمده باحدث الاسلحة، ويدخل معه في حلف ضد الشعب اليمني الاعزل، ففي يوم الثلاثاء الماضي طلبت وزارة الخارجية الأمريكية من الكونغرس إقرار صفقة أسلحة تبيع بموجبها القوات الأمريكية 153 دبابة متطورة إلى جانب مئات المدافع الرشاشة ومعدات عسكرية أخرى إلى السعودية بصفقة تصل قيمتها إلى 1.15 مليار دولار.

امام هذا الموقف الغربي ازاء ما يجري في اليمن والذي لا يمكن وصفه الا بالموقف المتواطىء مع المعتدي ضد المعتدى عليه، نرى هذا الغرب لا ينفك يصرخ الى حد البكاء على مصير الجماعات التكفيرية الارهابية وفي مقدمتها القاعدة (النصرة سابقا، فتح الشام لاحقا) في مدينة حلب، كلما اقترب الجيش السوري وحلفاؤه من تطهير المدينة من دنسهم ومن فظاعاتهم التي بيضت وجوه كل مجرمي التاريخ، وقد وصل هذا الصراخ الغربي الى عنان السماء عندما تمكن الجيش السوري وحلفاؤه من محاصرة التكفيريين في شرق حلب، حيث دخلت امريكا وفرنسا وبريطانيا على الخط وبشكل مباشر لانقاذ العصابات التكفيرية في حلب من مصيرها المحتوم.

واشنطن وكل عواصم الغرب، تكرر ومنذ ايام عبارة واحدة وهي "وقف القتال في حلب والعمل على تثبيت هدنة"، وحتى المنظمة الدولية، التي لا يمكن ان تحرر قرارتها ومواقفها من التاثير الاميركي الغربي، كررت هذه العبارة، فهذا نائب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، فرحان حق، حمل في تصريح له يوم امس الإثنين، الجبش السوري مسؤولية مواصلة القتال في حلب، واتهمه بشن غارات جوية استهدفت مستشفى للأطفال في أوريم ومستشفى ودعا الى هدنة، ملمحا الى ان اغلاق طريق الكاستيلو الذي يعتبر شريان حياة الجماعات التكفيرية والقاعدة في شرق حلب، بأنه تسبب بحدوث وضع مزر ل250 ألف شخص يعيشون في شرق حلب.

كنا نتمنى على فرحان ان يتجرأ ويدعو السعودية الى وقف القتال لمدة ساعة على الاقل يوميا، حرصا على حياة الملايين وليس الالاف من اليمنيين، وكنا نتمنى ان يضغط على التحالف السعودي لوقف قصف المدارس والمستشفيات اليمنية على الاقل، لو لم يكن بمقدوره فرض هدنة في اليمن كما يفرضها بدعم امريكي غربي واضح في حلب.
يبدو ان سبب تجاهل فرحان لمأساة الشعب اليمني، هو عدم وجود من يبكي على اطفال اليمن في الغرب المنافق، في مقابل ازدحام المشهد الحلبي بالبواكي على القاعدة والعصابات التكفيرية.

رغم كل هذا الظلم الذي يواجهه الشعب اليمني على اكثر من صعيد ومن اكثر من جهة، الا ان هذا الشعب الابي لا يحتاح الى من يبكي على اطفاله، فهو يعرف جيدا كيف ينتقم من الذين سرقوا الحياة منهم، فهذا الشعب يشهد له العدو قبل الصديق، بقوة بأس رجاله، فلم يكن نصيب كل تجرأ على الاعتداء على هذا الشعب الا الهزيمة، وتاريخه البعيد والقريب يشهد على ذلك.

* شفقنا