الاتحاد الأوروبي مازال في دوامة الأزمة الاقتصادية

الأربعاء ٠٩ سبتمبر ٢٠٠٩ - ١٢:٠٢ بتوقيت غرينتش

شأنه في ذلك شأن الإمبراطورية الإسبانية في القرنين السادس عشر والسابع عشر، فإن الاتحاد الأوروبي عبارة عن مؤسسة متعددة الجنسيات تم بناؤها بشكل معقد، وتتوق إلى تماسك ذاتها مقابل مجموعة من المنافسين الأقوياء.

ومثل الإمبراطورية الإسبانية أيضاً، فإن الاتحاد الأوروبي هو مكان تشكل فيه الإجراءات الإدارية المعقدة المخفية إلى حد كبير عن أنظار العامة أهمية كبرى: تعتبر المجالس، والمشاورات، واللجان عصب الحياة فيه.

في بعض الأحيان على أية حال، فإن هوساً ما بالإجراءات ذاتها يتفوق على الاهتمام بالجوهر، الأمر الذي يزعج أصدقاء الاتحاد الأوروبي، وتبجح النقاد بأن الاتحاد الذي يضم 27 دولة يخاطر بالانجراف بعيداً عن الصلة، بدلاً من مواجهة التحديات الاقتصادية والأمنية التي تواجهه. وفي أحدث حالة مثل هذه، تتنازع بلجيكا وإسبانيا بشأن أي منهما يجب أن تمثل الاتحاد الأوروبي تالياً في الاتحاد من أجل البحر المتوسط، وهو مشروع أسسه العام الماضي نيكولاي ساركوزي، رئيس فرنسا، ويهدف إلى تعزيز العلاقات مع شمال إفريقيا والشرق الأوسط.

مساهمة مثل هذا النزاع في تشتيت انتباه صانعي السياسة في وقت ما زال فيه على الاتحاد الأوروبي أن يخرج من أكثر الأزمات الاقتصادية خطورة في تاريخه الذي يمتد إلى 52 عاماً، تكشف الكثير عن مدى نزعة الاتحاد إلى فقدان طريقه في الدغل البيروقراطي أو المستنقع السياسي.

ويقول جان بيساني - فيري، وأندريه سابير، من المؤسسة الفكرية، بروجيل ، في بروكسل، في تقرير حول الأولويات الاقتصادية للاتحاد الأوروبي بين الأعوام 2010 و 2015: هنالك الآن احتمال واضح بأن يأتي ذكر هذه الأزمة حين تفقد أوروبا مكانها إلى الأبد، على الصعيدين الاقتصادي والسياسي .

تعمل المخاطر عند مستويات مختلفة. والأمر الأكثر لفتاً للنظر هو أن الأزمة تسبب زيادة حادة في عجوزات الميزانيات الوطنية، وترفع متوسط الدين العام بنسبة 20 في المائة أو أكثر من الناتج المحلي الإجمالي. ويحدث هذا التدهور في وقت يوشك فيه التمويل العام في أوروبا على التعرض إلى ضغوط قاسية بسبب الضغوط على الرواتب التقاعدية ونفقات الرعاية الصحية بسبب التقدم في سن أعداد كبيرة من السكان.

كما أن الأزمة تثير التساؤلات حول نموذج النمو الاقتصادي الذي قام على أسواق المال المزدهرة، وسهولة الحصول على رأس المال، واللذين اعتمدت عليهما المجتمعات الأوروبية طوال الأعوام العشرين الماضية. وحيث من المحتمل أن يعمل التنظيم الأشد على تقييد عملية الابتكار المالي واتخاذ المخاطر، فإن الاتحاد الأوروبي يواجه تباطؤاً طويل الأجل في النمو الاقتصادي المحتمل، في الوقت الذي يسجل فيه المنافسون مثل البرازيل، والصين، والهند معدلات نمو عالية.

في الأجل الأقرب، يجب على الاتحاد الأوروبي أن يدافع عن سوقه الموحدة مقابل الإغراءات الوطنية، ويعيد إلى القطاع المالي عافيته، ويدعم الدول الأعضاء المنكشفة في وسط وشرق أوروبا، ويتأقلم مع الزيادة الحادة في معدل البطالة، وأن يؤمن اتفاقاً دولياً بشأن التغير المناخي في مؤتمر كوبنهاجن الذي سوف ينعقد في شهر كانون الأول (ديسمبر).

يوضح سابير الأمر قائلاً: إن التحديات قصيرة الأجل المرتبطة بالأزمة سوف تزيد من شدة التحديات طويلة الأجل التي كانت قائمة قبل الأزمة. وعلى الاتحاد الأوروبي أن يتخذ خيارات السياسة المناسبة، أو سوف يتم طرح السؤال التالي: ما أهمية أوروبا بالنسبة للمواطنين؟ وما أهمية أوروبا بالنسبة للعالم الأوسع نطاقاً؟ .

حين يعود الاتحاد الأوروبي إلى الانعقاد بعد إجازة شهر آب (أغسطس)، فإن مصداقيته سوف تصمد، أو تسقط، بحسب مدى نجاحه في مزج استجابات السياسة قصيرة الأجل مع الشعور بالرؤية الاستراتيجية في الأجل الأطول. ولن يكون التوصل إلى نقطة التوازن المناسبة أمراً سهلاً. وخلال الشهرين المقبلين، فإن جزءاً من تركيز الاتحاد الأوروبي سوف يكون بالضرورة على مسائل مثل التعيينات السياسية عالية المستوى، وإعادة ترتيب التجهيزات المؤسسية في الاتحاد التي يجب التعامل معها في نهاية المطاف، بطريقة أو بأخرى.

المسألة الأولى تهم خوزيه مانويل باروسو، رئيس المفوضية الأوروبية الذي يسعى إلى ولاية ثانية لمدة خمس سنوات. وبعد أن تلقى دعم كافة قادة دول الاتحاد الأوروبي البالغ عددها 27 دولة، وذلك في شهر حزيران (يونيو)، فإن باروسو، وهو رئيس وزراء برتغالي سابقاً، اكتشف أنه لا يستطيع الاعتماد على الأغلبية المطلقة التلقائية في البرلمان الأوروبي الذي يجب أن يوافق على اختيار القادة. ونجح معارضوه، ويشملون الاشتراكيين، وأنصار البيئة، وعدداً من ليبراليي الوسط، في تأجيل التصويت على المصادقة من شهر تموز (يوليو) إلى منتصف أيلول (سبتمبر).

رغم أنها خدعة سياسية تم تنفيذها على نحو رائع، إلا أنها لم تكن، للأسف، حادثة كشفت عن أن أوروبا في أفضل صورها. ولا يقف قادة الاتحاد الأوروبي خلف باروسو فقط، وإنما أيضاً انتصر حلفاؤه من يم