ثورة غضب شعبي في المغرب يمكن أن تمتد إلى دول عربية أخرى

ثورة غضب شعبي في المغرب يمكن أن تمتد إلى دول عربية أخرى
الثلاثاء ٠١ نوفمبر ٢٠١٦ - ٠٩:٢٨ بتوقيت غرينتش

ما يجري في المملكة المغربية من مظاهرات احتجاجاً على "فرم" مواطن مغربي بسيط معدم في شاحنة للنفايات، بعد مصادرة الشرطة لتجارته البسيطة من الأسماك، هو ثورة غضب شعبية غير مسبوقة، تعيد التذكير بمثيلاتها التي اندلعت في اكثر من بلد عربي في عام 2011، ولهذا تستحق هذه "الثورة" الدراسة والتأمل واستخلاص العبر، لان احتمالات انتشارها، مثل مثيلتها التونسية، واردة، إن لم تكن مؤكدة.

مليون إنسان تظاهروا في أكثر من عشرين مدينة مغربية، وبلغ طول صفوف المشاركين في جنازة الشاب الذي جرى إطلاق صفة الشهيد عليه أكثر من كيلومتر، وجرى رفع العلم الأمازيغي إلى جانب علم جمهورية الريف، التي تزعمها الأمير عبد الكريم الخطابي الذي قاد المقاومة ضد الاستعمار الإسباني، مما يعكس رمزية تستحق التوقف عندها.
سحق مواطن بسيط مطحون في بلد ضاقت فيه فرص العيش الكريم بالنسبة إلى الفقراء، وارتفعت نسبة البطالة في صفوف الشباب، جريمة سياسية إلى جانب كونها عملاً جنائياً، تعكس مدى الاستهتار بأرواح المواطنين، وتغول أجهزة الأمن في قمعهم.
نحن في هذه الصحيفة "رأي اليوم" لا نجادل في الحجج القانونية التي استندت إليها السلطات الأمنية للنأي بنفسها عن اتهامات تورطها في عملية "الفرم" هذه، ومخالفة "الشهيد" للقوانين المرعية والمفروضة بمنع بيع نوعية معينة من الأسماك كانت في حوزته، وإنما نجادل في خطورة التقصير، وربما المتعمد، في حماية حياة هذا الشاب من قبل رجال الشرطة الذين كانوا مرابطين في المكان.
الشعب المغربي الذي خرج بالآلاف في المظاهرات كان أكثر انضباطاً ومسؤولية من الشرطة نفسها في حضارته وحفظه على الأمن، وتجنب أي صدامات دموية، واحترامه للقانون، وتجنب أي اعمال للشغب، رغم حالة الاحتقان والغضب السائدة في صفوفه من جراء بشاعة تلك الجريمة.
العاهل المغربي استطاع امتصاص غضب مماثل عند اندلاع احتجاجات شعبية محاكية لثورات الربيع العربي عام 2011، عندما أقدم على إصلاحات للنظام السياسي، وتعهد بمحاربة الفساد، وتنازل عن بعض صلاحياته الدستورية، ودعا إلى انتخابات برلمانية عامة اتسمت بالحرية والنزاهة، ولكن مهمته قد تكون أصعب في مواجهة الاحتجاجات الحالية، بسبب "رمزية" الجريمة وبشاعتها، وحالة الاحتقان المجتمعي السائدة، وتراجع الثقة في العملية السياسية الديمقراطية، وهو ما انعكس بوضوح في انخفاض نسبة المشاركة الشعبية في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، ومن الشباب خاصة.
إيفاد وزير الداخلية لتقديم التعزية إلى أسرة "الشهيد" محسن فكري باسم العاهل المغربي خطوة جيدة، تعكس الإحساس بالمسؤولية، ولكننا نعتقد أنها ليست كافية، ويجب أن تتلوها خطوات أخرى تعالج أسباب الاحتقان الذي مثلت جريمة "الفرم" البشعة المفجر "الأول" له.
ما يحتاجه المواطن المغربي، مثله مثل أي مواطن عربي آخر، هو العيش الكريم، والحرية، والعدالة لجميع المواطنين، والمساواة، ومحاربة للفساد والتفاوت الطبقي، وهي مطالب تعكس جوهر أي حكم رشيد ومبادئه ومسؤولياته.
ثورة غضب المغرب الإنسانية، ربما تهدأ بعد أيام معدودة، وربما تستمر، ولكن المؤكد انها تقرع الجرس، وتحذر حكومات عربية أخرى، من مرحلة قادمة من الانتفاضات الشعبية ضد الظلم والفساد، وتغول الأجهزة الأمنية، وغياب العدالة الاجتماعية.
المصدر: رأي اليوم
104-4