الانتخابات الامريكية وتداعياتها في الداخل والخارج

الانتخابات الامريكية وتداعياتها في الداخل والخارج
الثلاثاء ٠٨ نوفمبر ٢٠١٦ - ٠٩:٣٣ بتوقيت غرينتش

بعد ساعات قليلة من اليوم الثلاثاء 8 تشرين الثاني/نوفمبر تنطلق الانتخابات الامريكية الاكثر إثارة في تاريخ الولايات المتحدة لما لها من تداعيات في الداخل الامريكي والخارج.

انه يوم الفصل، وعلى الشعب الامريكي الاختيار بين شرين، بين الشوفيني والعنصري دونالد ترامب الذي اعلن بكل وضوح غير مسبوق معاداته للاقليات الملونة ومعاداته لكل ما هو مسلم بغض النظر اسلامي او اسلاموي، وهيلاري كلينتون المدعومة من دعاة الحرب وسياسة الانخراط المباشر في أزمات العالم خاصة منطقة الشرق الاوسط.
تعرضت المرشحة الديموقراطية لفضيحتان متتاليتان، واحدة تتعلق بزوجها الرئيس الاسبق بيل كلينتون والثانية تتعلق بمساعدتها. مع ان المدعي العام لم يثبت اي عمل جرمي إلا ان شعبية ترامب ارتفعت مقابل انخفاض شعبية كلينتون. "عدم كفاءة هيلاري كلينتون" بات الشعار الذي يرفعه اعداءها.
الفضيحتان ساهمتا بشكل واضح في تقدم دونالد ترامب بنقطة واحدة وفقا للواشنطن بوست قبل اسبوع من الانتخابات، بينما اشارت نيويورك تايمز الى تقدم كلينتون بثلاث نقاط. على العموم، وفقا لاحد المحللين، سقطت كلينتون عن حافة الجبل وقام ترامب من الموت.
الفضيحة الاولى: نشر مكتب التحقيقات الفيدرالية "اف بي آي" تحقيق قديم من 129 صفحة. جاء في التقرير ان بيل كلينتون اصدر في اليوم الاخير لولايته الثانية عفواً رئاسيا عن الهارب من العدالة "مارك ريتش Marc Rich" احد ممولي الحزب اليموقراطي. وصف الرئيس الاسبق "جيمي كارتر" العفو بأنه "عفو منفعي، عمل مخزي." توقيت إعادة نشر التقرير في الاسبوع الاخير من الحملات الانتخابية المسعورة مثير للجدل.
كان مارك ريتش يخضع للتحقيق بتهمة التهرب من الضرائب والقيام بتعاملات تجارية مشبوهة عندما هرب الى سويسرا عام 2002 حيث عاش لحين وفاته عام 2013 ودُفن في "اسرائيل" التي يحمل جنسيتها الى جانب الجنسية الامريكية وثلاث جنسيات اخرى.
على اثر نشر التقرير بدأ التشكيك بنزاهة مدير مكتب التحقيقات الفيدرالية "جيمس كومي" خاصة انه كان في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي قد تولى شخصيا بصفته المدعي العام في ملاحقة "مارك ريتش". كما انه تولى شخصيا التحقيق بالعفو الذي اصدره الرئيس بيل كلينتون.
الفضيحة الثانية تتعلق برسائل هيلاري كلينتون الالكترونية التي وُجدت في الكمبيوتر المحمول لمساعدتها الاولى وصديقتها الوفية المعروفة بلقب "هيلاري الصغيرة" و "اخت هيلاري الصغيرة"، والمرشحة لاحتلال مركز متقدم في البيت الابيض اذا فازت كلينتون. الطامة الكبرى، كيف وصلت الرسائل الى الكمبيوتر المشترك لها ولزوجها سيء الصيت.
تتفوق هيلاري على منافسها بالنفاق. ركزت في حملتها الانتخابية على "حقوق المرأة" وفي نفس الوقت استلمت هي و"مؤسسة كلينتون" المشبوهة دعم مالي كبير من المملكة العربية السعودية التي ترفض منح المرأة اي حقوق. السفير السعودي وصف ضرب اليمن كضرب الرجل لزوجته.
فضائح آل كلينتون لم تسحب البساط كلياً من تحت اقدام هيلاري كلينتون، لكن فرص ترامب باتت اقوى واحتمالات فوزه لم تعد مفاجأة. لكن السؤال المهم: ما هي تداعيات النتائج في الداخل والخارج؟
********************
في مقال سابق اشرت الى ان الانقسام الحاد يمكن ان تصل ارتداداته الى الشارع الامريكي خصوصا بعد التقارير التي قالت ان الميليشيات اليمينية التي خرجت من رحم كو كلوكس كلان ستنزل الى الشارع للجم الأقليات من التصويت لكلينتون. وعلى الارجح، سيكون المشهد اسوأ بكثير إذا فاز ترامب بمجموع "الاصوات الشعبية Popular Votes" وخسر الرئاسة في مجموع "الأصوات الانتخابيةElectoral Votes"، عندها حتما ستنتقل المواجهة الى الشارع الامريكي.
من الواضح ان ترامب لن يمشي على خطى المرشحين المهزومين في التقليد الامريكي المعروف، وهو، بعد اعلان النتائج يخرج المرشح المهزوم لالقاء خطاب حماسي امام مؤيديه يعلن فيه هزيمته ويشكرهم على تأييدهم ومن ثم ينتقل ليشكر عائلته الواقفة الى جانبه ويهنيء الفائز ويتمنى له التوفيق. على الارجح، سيخالف ترامب ذاك التقليد وقد المح الى ذلك في المناظرة الثانية.
ترامب سيشكك بالنتائج، وسيشكك بشرعية اصوات الملونين، وسيتحدث عن مؤامرة قادها الحزب الديموقراطي ومشى فيها رموز من الحزب الجمهوري، وسيعلن رفضها وبالتالي فإن احتمال انتقال المعركة الانتخابية الى الشارع وارد جداً، عندها سنشهد السيناريو التالي: يعلن اوباما حالة الطواريء وسيأمر بصفته القائد الاعلى للقوات المسلحة نزول الحرس الوطني الى الشوارع لوقف الاعتداءات المتبادلة. احتمالات "ربيع امريكي" ضعيف جداً، لكن فلننتظر وسنرى. الاتحاد السوفياتي بكل جبروته سقط في ليلة.
في السياسة الخارجية سنشهد نهاية لـ"عقيدة اوباما" في حال فازت هيلاري كلينتون. في حملتها الانتخابية اشارت الى العودة الى الإنخراط المباشر في أزمات المنطقة وتبني الخيار العسكري بدل "الحرب بالوكالة" او ما يسمى "القيادة من الخلف" التي تبناها اوباما. هذا من جهة كلينتون، اما من جهة ترامب، يبدو انه يتبنى سياسة "الإنعزال" من خلال رفع شعار "اميركا اولاً"، لكن ليس بالمطلق.
عندما تهدد كلينتون بتوجيه ضربات جوية للقوات السورية هي تعلن بالفم الملآن دعمها للإرهاب التكفيري. وعندما يقدم العرب المؤيدين للارهاب التكفيري الدعم المادي لكلينتون ولمؤسسة كلينتون المشبوهة ويعمل اعلامهم على شيطنة ترامب، اضافة الى انضمام "المحافظون الجدد" الى معسكر كلينتون، لا بد ان نستنتج خطورة انتخاب كلينتون، وقد اشارت تقارير عن بدء فريقها العمل على وضع خطط عسكرية استفزازية، ليس لمحور المقاومة فقط، بل لروسيا والصين. من جهته قال ترامب ان بوتين رجل قوي واعلن عن استعداده للتعاون مع قيصر الكرملين بوتين في الحرب على الارهاب التكفيري.
عندما تشير كلينتون الى انها ستحاصر الصين بالصواريخ وهجومها المتواصل على بوتين واستخدامه كسلعة انتخابية، يمكن تفسير هذه الخطابات الاستفزازية على استعداد كلينتون اشعال وسط اسيا الذي بات يشكل عمقاً استراتيجيا للصين ويعتبر "الخاصرة الرخوة" لجنوب روسيا. اجتماع اردوغان بعلماء وسط اسيا لم يكن ابدا بنوايا حسنة. كما ينبغي ان لا ننسى ان القوقاز منطقة قابلة للاشتعال.
عندما تعلن كلينتون نواياها بفرض منطقة "حظر جوي" شمال سوريا تعلن استعداداها للمواجهة المباشرة مع روسيا ومحور المقاومة.
********************
بعد فشل السعودية في كل رهاناتها، من الملف النووي الايراني الى اقناع اوباما التدخل المباشر في سوريا، الى استمرار الدعم الامريكي لها في حربها الهمجية على اليمن، الى اقناع الكيان الصهيوني بتوجيه ضربات جوية للمواقع النووية الايرانية، تكون كلينتون اخر امل لآل سعود. وفي حال فاز ترامب سيُصاب حكام السعودية بانهيار عصبي.

• رضا حرب – المركز الدولي للدراسات الامنية والجيوسياسية

208