كفريا والفوعة والغرب "المفجوع" بحلب

كفريا والفوعة والغرب
السبت ١٧ ديسمبر ٢٠١٦ - ٠٨:٥٥ بتوقيت غرينتش

في مؤتمره الصحفي الذي عقده يوم الجمعة 16 كانون الاول / ديسمبر، بمناسبة نهاية العام الميلادي (2016)، دعا الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى نشر مراقبين “محايدين” للاشراف على عملية إجلاء “المدنيين المحاصرين” في حلب.

العالم - سوريا

دعوة الرئيس الامريكي لايجاد آلية لاجلاء “المحاصرين” في حلب، جاءت متزامنة مع اعلان السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة سامنثا باور الجمعة، من أن مجلس الأمن الدولي قد يصوت نهاية هذا الاسبوع، على مشروع قرار فرنسي يطلب نشر مراقبين دوليين للاشراف على عمليات الإجلاء من شرق حلب، بسبب طابعه الملح.

من جانبه، دعا الأمين العام للامم المتحدة بان كي مون، الجمعة ايضا، وفي آخر مؤتمر صحفي له في منصبه، إلى “استئناف عاجل” لعمليات الإجلاء من شرق حلب “في أمان تام”، مؤكدا على ان الامم المتحدة تحشد ما يمكنها من امكانات وموظفين وتطلب من الاطراف كافة اتخاذ الاجراءات الضرورية لتسهيل عملية الاجلاء.

ولما كان لابد من اضفاء مسحة تراجيدية على ما جرى في حلب، قال بان كي مون ان “حلب باتت مرادفا للجحيم”، وان “مجزرة سوريا تترك جرحا عميقا في الضمير العالمي”، الا ان ذلك لم يمنعه من القول، ان الالاف من الناس غادروا شرق حلب بينهم 194 مريضا او جريحا، نقلوا إلى مستشفيات إدلب ومنطقة حلب وتركيا.

جميل الا ينام الضمير الغربي، ويرى ما يحدث في سوريا من كوارث منذ 6 سنوات، وجميل ان نرى “أرق” هذا الضمير على “المحاصرين” في حلب، واستماتته في نقل جرحاهم،  حتى المسلحين منهم للعلاج في مستشفيات تركيا، رغم ان غالبية اهالي حلب، كانوا يميلون الى جانب الحكومة والنظام في سوريا، الا انهم وجدوا انفسهم في “اتون الثورة”، بعد عام ونصف العام من “انطلاقتها”، عندما شن الاف المسلحين، هجوما واسعا على المدينة، انطلاقا من مناطق قريبة من الحدود التركية، ولما لم تكن هناك حواضن لهؤلاء المسلحين ولا لافكارهم التكفيرية والمتطرفة بين اهالي حلب، هرب اغلب اهالي الشطر الشرقي من حلب بعد سيطرة المسلحين عليه، الى الشطر الغربي منها، والذي بقي تحت سيطرة الجيش السوري، والى مناطق اخرى خارج حلب.

كنا نتمنى ان يتسع الضمير الغربي، “المفجوع” بحلب، و “الصاحي” على وقع هزيمة المسلحين فيها، لاهالي بلدتي كفريا والفوعة الواقعتين في ريف ادلب الشمالي ايضا، والمحاصرتين بشكل كامل ومنذ اكثر من عامين، من قبل مسلحي القاعدة (جبهة فتح الشام) وباقي الجماعات التكفيرية الاخرى.

نحاول ان نستغل حالة الصحو التي يمر بها الضمير الغربي، كما بدا ذلك واضحا من مواقف المسؤولين الامريكيين والفرنسيين والبريطانيين والامم المتحدة، وهم يتحدثون بلغة “انسانية” ازاء “المحاصرين” في حلب، حيث تبرع الجميع باستنفار كل امكانيات بلدانهم، وامكانيات المنظمة الدولية، من اجل انقاذ مرضى وجرحى حلب، من المسلحين والمدنيين، ونخاطب هذا الضمير ونذكره بنحو 50 الف مواطن سوري، محاصرين في بلدتي كفريا والفوعة، تهددهم الجماعات التكفيرية المسلحة بالقتل والذبح والسبي، لا لجريمة اقترفوها، بل لكونهم مسلمين شيعة فقط.

مأساة بلدتي كفريا والفوعة، اللتين لا تبعدان سوى 10 كيلومترات شمال شرق مدينة “إدلب”، ويفصلهما عن بعضهما نحو ثلاثة كيلومترات، بدات قبل اكثر من اربع سنوات، عندما تعرضتا  لحصار من قبل الجماعات التكفيرية، الا ان طريقا يتيما كان يربط البلدتين بإدلب، وعبر هذا الطريق تمكن اهالي البلدتين من الحصول على المواد الغذائية والطبية، الا انه ومنذ نحو عامين، وتحديدا  في 29 آذار/ مارس عام 2015 ، قُطع هذا الطريق بعد سقوط محافظة ادلب بيد الجماعات المسلحة وفي مقدمتها القاعدة، ومنذ ذلك التاريخ فرض المسلحون حصارا تجويعا على اهالي البلدتين، متزامنا بقصف يكاد يكون يوميا، ادى الى مقتل وجرح الالاف من الاطفال والنساء والشيوخ .

لم يوفر التكفيريون اي هدف في كفريا والفوعة، فقد قصفوا المنازل والمدارس والمساجد والحقول والمزارع والمشافي، بالصواريخ والهاونات، واخرجوها من الخدمة، كما قاموا بقنص حتى المواشي، لحرمان اهالي البلدتين منها، وشنوا العديد من الهجمات على البلدتين، مستخدمين عشرات السيارات المفخخة والانتحاريين، الا ان اهالي البلدتين صدوا كل الهجمات، وصمدوا رغم الظروف الاستثنائية التي يعيشوها، لعلمهم انه ليس هناك من خيار امامهم الا القتال حتى النهاية.

مأساة كفريا والفوعة، هي مأساة انسانية كبرى، تقع على بعد 10 كيلومترات فقط من ادلب، وبالقرب من الحدود التركية، اي انها تقع امام مرآى ومسمع الغرب، ويكفي ان يلقي الضمير الغربي “المفجوع” بهزيمة التكفيريين في حلب، نظرة سريعة الى المأساة الانسانية التي تعيشها بلدتا كفريا والفوعة ومنذ اكثر من عامين، للوقوف على حجم الكارثة التي حلت بالبلدتين، هذا لو كان الضمير الغربي يعيش حقا حالة صحوة.

ماجد حاتمي / شفقنا

109-1