تل آبيب تكتفي بإدارة الصراع وواشنطن تنكفئ الى دعوات

الإثنين ١٤ سبتمبر ٢٠٠٩ - ٠١:٢٠ بتوقيت غرينتش

كانت ذكرى مرور أربع سنوات على تطبيق خطة الانفصال الإسرائيلية عن قطاع غزة وبعض أجزاء من شمال الضفة الغربية خلال صيف 2005، والتي صادفت حديثاً، مناسبة كي يعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتانياهو، أن تفكيك مستوطنات إسرائيلية من جانب واحد هو خطأ مريع ولن يتكرّر، وكي يؤكد مرة أخرى تمسكه بـ «اتفاق» مع الطرف الفلسطيني يقوم على شرطين: الأول - اعتراف فلسطيني لا يُردّ ب"دولة إسرائيل" (اليهودية طبعاً)، الثاني- اعتماد تدابير أمنية يمكن ضمان استمراريتها وفرضها من خلال نزع حقيقي للسلاح في الأراضي التي تنسحب إسرائيل منها (تصريحاته خلال جلسة الحكومة الإسرائيلية في 9 آب (أغسطس) 2009.

غير أن اعتبار تفكيك مستوطنات غزة من جانب واحد هو الخطأ بعينه، ليس رأي رئيس الحكومة وحزب الليكود فقط، فبالتزامن مع تصريحات نتانياهو السالفة أعلن أحد أقطاب حزب العمل، بنيامين بن إليعازار، الوزير في الحكومة الحالية ووزير الحرب الأسبق، في سياق مقابلة إذاعية (أدلى بها في يوم 14 آب 2009)، أن الانفصال عن غزة من جانب واحد، والذي أيده حزبه، كان خطأ فادحاً ينبغي عدم تكراره، وذلك بسبب الفشل في إيجاد أنموذج يمكن أن يغري الآخرين عن طريق «تظاهر إسرائيل باستعدادها لأن تهدم مستوطنات بنتها بنفسها».

إن الجديد في هذه التصريحات هو تخطئة «الانسحابات الإسرائيلية الأحادية الجانب» لا إعلان دفنها، ذلك أن عملية الدفن هذه سبق أن حدثت عقب الحرب على لبنان في صيف 2006.

ومن المعروف أن تلك الحرب («حرب لبنان الثانية» بحسب اسمها الإسرائيلي)، والتي استمرت خلال الفترة من 12 تموز (يوليو) حتى 14 آب 2006، أدّت من جملة أشياء أخرى، إلى طـيّ صفحة «خطة الانطواء» (أو خطة التجـميع) وإلى القضاء على فكرة الانسحابات الأحادية الجانب من أسـاسها، «كونها لم تحقق الأمن لإسرائيل»!

وكانت «خطة الانطواء» تنص على الانسحاب من معظم أجزاء الضفة الغربية، وإخلاء المستوطنات الواقعة شرقي الجدار العازل (بموجب هذه الخطة كان من المفترض أن تقوم الحكومة الإسرائيلية، بصورة أحادية الجانب، بتجميع المستوطنين اليهود المنتشرين في المستوطنات القائمة في قلب الضفة الغربية ونقلهم الى المستوطنات القائمة داخل الكتل الاستيطانية المنتشرة في مناطق أقرب الى حدود ما قبل عام 1967، وفقاً لمسار الجدار العازل. وقد جرى الحديث على كتل معاليه أدوميم وأريئيل وغوش عتصيون.

وأشارت صحيفة «يديعوت أحرونوت» في حينه إلى أن هذا التجميع لن يشمل مستوطنة كريات أربع والبؤرة الاستيطانية في الخليل، على رغم كونهما خارج الجدار. وبناء على الخطة تواصل إسرائيل السيطرة على سبعة في المئة من أراضي الضفة الغربية. وقد أسقطها رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق، إيهود أولمرت، من جدول الأعمال بعد الحرب.

الانفصال في سياق «إدارة الصراع»
شكلت خطة الانفصال، في حينه، نقطة مهمة في سياق «سياسة إدارة الصراع»، وهي السياسة التي بدأتها إسرائيل في انتهاجها منذ اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية في خريف 2000، عقب فشل قمة «كامب ديفيد» وإعلان رئيس الحكومة الإسرائيلية في ذلك الوقت، إيهود باراك، أنه «لا يوجد شريك فلسطيني» في عملية التسوية.

ويمكن القول إن هذه العملية بدأت بالتزامن مع اتفاقات أوسلو في بداية التسعينات من القرن العشرين. وفيما كانت هذه العملية الأخيرة تستهدف عموماً التوصل إلى حل وسط بين الطرفين، بغض النظر عن تفصيلاته، فإن إدارة الصراع تُعتبر بمثابة خيار افتراضي، اضطراري، طالما أنه لا يمكن تسويته. وهي عملية تهدف بالأساس إلى «الحدّ من العنف» أو حتى وضع حدّ له، لضمان استئناف العملية السياسية.

وقد استندت «رؤية الانفصال من جانب واحد» إلى بضع فرضيات إسرائيلية أساسية أهمها:
> عدم إمكان المحافظة على الوضع القائم (الستاتيكو) الإقليمي والسياسي والعسكري سوى في مقابل ثمن باهظ للغاية.

> من دون فصل وفك ارتباط يمكن لـ «التهديد الديموغرافي» أن يشكل خطراً على إسرائيل كدولة يهودية، كما أن من شأن الانفصال أن يؤدي إلى الحد من العنف.

> من دون مبادرة إسرائيلية ستظهر مبادرات سياسية (بما في ذلك خريطة الطريق) يُحتمل أن تشكل خطراً على إسرائيل.

وفي مقالة حديثة نُشرت في الموقع الإلكتروني التابع لصحيفة «يديعوت أحرونوت» في 28 تموز (يوليو) 2009، كشف يوسي بيلين، الرئيس السابق لحزب «ميرتس» السابق وأحد مهندسي اتفاق أوسلو، أنه بادر في آذار (مارس) 2005 إلى عقد لقاء خاص مع الرئيس الأسبق للحكومة الإسرائيلية، أريئيل شارون، من أجل إقناعه بـ «الانسحاب من غزة بواسطة اتفاق» مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، الذي كان قد انتخب حديثاً لهذا المنصب. غير أن شارون «قال إنه لا يؤمن بالسلام مع العرب، وإنه لا يرى فارقاً جوهرياً بين فتح وحماس، لأنهما وجهان لعملة واحدة وغاية كل منهما هي القضاء على دولة إسرائيل، وإن أقصى ما يهدف إليه من وراء الانفصال عن غزة هو إيجاد حل للمشكلة الديموغرافية».

نتاني