أسوار الدم حدود بين العربي والعربي ...

الثلاثاء ١٥ سبتمبر ٢٠٠٩ - ١٠:٥٨ بتوقيت غرينتش

قد يجد اللبنانيون شيئا من العزاء إذا ما التفتوا فعرفوا أو تعرفوا إلى أوضاع «أشقائهم» فى أقطار عربية أخرى، يعانون هناك مثلما يعانون هم فى حالتهم الراهنة من افتقاد الحكم المؤهل والقادر على حماية وحدتهم الوطنية، ومن ثم دولتهم.

إن معظم الدول العربية تعانى أزمة حكم أو أزمة نظام تجعلها على شفير الحرب الأهلية، وتضعفها تجاه أعداء شعبها فى الخارج (إسرائيل) ومشروع الهيمنة الأمريكية، أو تجاه قوى التطرف فى الداخل سواء ارتدت مسرح الأصوليات أو السلفيات.

بنظرة واحدة إلى خريطة ما كان يسميه الحالمون «الوطن العربى» يتبين أن هذه المساحات الشاسعة من الأقوام والأحلام والقدرات والخيبات قد باتت أرخبيلا تفصل بين جزره المتباعدة بحور من دماء أبنائها، مما يقطع بين الحاضر والمستقبل بأسوار من شهداء الغفلة والغلط والغرض وغياب الوعى وإغماء العقل.

أسوار من الدماء تفصل أبناء الوطن الواحد بعضهم عن البعض الآخر، وتفصلهم مجتمعين عن «أهلهم» فى «الدولة» المجاورة التى كانت شقيقة فصارت عدوا مبينا،من السودان إلى اليمن وصولا إلى العراق تتفسخ الأنظمة وتتهاوى تاركة لشعوبها الخيار الوحيد: الحرب الأهلية، بينما تتوغل الدول الأجنبية فى ثنايا الجروح التى ستغدو فىما بعد مستوطنات طائفية أو مذهبية يفصل بين الواحدة والأخرى سور من الجماجم، وترفرف فوق سرايات الحكم فيها أعلام الأجنبى الذى جاءها بالسلامة على حساب الوطن، وهو فى الأغلب الأعم الأمريكى ومعه بطبيعة الحال، ومن دون حاجة إلى دعوة الإسرائيلى.

فى السودان يمكن توظيف اختلاف الأعراق ثم الأديان، وصولا إلى القبيلة، بحيث يتحول انهيار الوحدة الوطنية داخله إلى اشتباك مرشح للامتداد إلى مجموعة كبرى من الدول الأفريقية.

العنصر الوحيد المسكوت عنه هو النفط ومعه الثروات المعدنية، والأخطر النيل باعتباره شريان الحياة لعدد من الأقطار الأفريقية، أهمها ــ بعد السودان ــ مصر( هبة النيل).

وليس أسهل من تنظيم اشتباك مفتوح بين دول المنابع ودول المجرى ودولة المصب: الماء أغلى من النفط، وقد يكون أغلى من الدماء.

ففى معظم الأقطار الأفريقية لم تقم الدولة إلا حديثا.. وهى قد استولدت مشوهة، تحمل بذور انحلالها فى المسوغات التى اعتمدت لإقامتها من خارج منطق الجغرافيا وسياق التاريخ الطبيعى لهذه الأرض.

إن أمن إسرائيل مسور ومحمى بدول العالم كافة: أعلام قوات الطوارئ الدولية ترفرف فوق جنودها المستقدمين من أنحاء شتى تحت راية الأمم المتحدة الزرقاء، كما العلم الإسرائيلى (يا للمصادفة).

الحرب على إسرائيل كأنها الحرب على العالم أجمع، لم تعد إسرائيل بحاجة للخروج إلى الحرب إلا حيث المقاومة شعبية. تم تدجين الدول. لكن إرادة المقاومة لا تزال فاعلة. ولأن إرادة المقاومة فى لبنان أقوى من الدولة فقد تعذر إحداث شرخ حقيقى بين الدولة الضعيفة والمقاومة القوية فى لبنان.

النظام معنى بأمنه. وإسرائيل، ولأسباب تخصها، مستعدة لأن تحمى أمن الأنظمة طالما أنها لا تريد ولا تقدر ولا تنوى أن تقاتلها.

إن هذه الأنظمة تتحول، فى مثل هذه الحالة، إلى حرس حدود لإسرائيل، فى ظل أسوار من الدماء ترتفع لتفصل بين أبناء الشعب الواحد فى الدولة الواحدة.
يصبح الخيار محددا بين نظام بوليسى يلغى المواطنة (والوطن) بالقمع المنهجى، ليحمى الدولة، وبين الحرب الأهلية اللاغية للوطن والدولة والمواطن معا.
وهذا ليس خيارا بالطبع: إنما وجهان لعملة واحدة.

ثمة أنظمة ألغت دولها وشعوبها.
ها هو العقيد معمر القذافى يحكم ليبيا منذ أربعين سنة متصلة.

وها هو يتربع الآن على عرش ملك ملوك أفريقيا التى ما إن تعرفت أقطارها إلى «الدولة» التى اصطنعت على عجل، حتى تملصت منها القبائل التى تم توزيع الواحدة منها بين دول عدة بعد تهيئة المسرح لصراع مفتوح فىما بينها يعيدها إلى ما قبل عهد الرق والاستعباد.

وماذا لو أن هذه الممالك الأفريقية تقتتل قبائلها التى لم تعرف الدولة فى حروب بين الأهل كما بين الجيران على المراعى التى «يكمن» النفط تحتها، فتسيل دماء الأفارقة غزيرة لكى يعود المحتل فيأخذ النفط الذى سيغدو بلا صاحب، ويعيد إذلالها بثرواتها «الوطنية» بينما الملوك جميعا فى شغل شاغل عن مصير هذه القبائل التى صيرت شعوبا ثم صيرت دولا بقوة المصالح الأجنبية. ما أرخص الاستثمار وما أغلى الكلفة!.

ولقد دخل القذافى فى حروب مع دول الجوار جميعا، مصر، السودان، تشاد، وتونس، كما دخل فى مواجهات سياسية حادة وصلت فى بعض الحالات إلى السلاح، فأغار عليه الطيران الحربى الأمريكى وقصف مركز قيادته موقعا فيها الضحايا. وخاض حربا اقتصادية هائلة مع أوروبا بعنوان إيطاليا فكسبها وأخضعها لمطالبه، مفترضا أنه ثأر لأجداده الذين أذلهم الاستعمار الإيطالى بالقتل والتشريد ومعسكرات الاعتقال، وسوق أبطال انتفاضاتهم إلى المشانق.

كان النفط حمايته، وهو قد أفاد منه فى صراعه مع الخارج، كما فى اختصار الداخل فى شخصه وبعض ذريته من بعده.. والداخل دواخل، خ