عبد الوهاب لا يحمل صفة التابعين حتى يؤخذ بدعوته كما لو كانت شريعة مُنزّلة

عبد الوهاب لا يحمل صفة التابعين حتى يؤخذ بدعوته كما لو كانت شريعة مُنزّلة
الإثنين ١٣ فبراير ٢٠١٧ - ٠٧:٣٨ بتوقيت غرينتش

تداول روّاد مواقع التواصل الاجتماعي في العربية السعودية، مقطع فيديو قيل أنه لمُمارسات دينية “صوفية”. وقد ظهر في الفيديو مجموعة من الأشخاص، يُمارسون طقوساً غريبة في الحرم المكي، وعلى إثر ذلك عبّر السعوديون عن استيائهم من انتشار طقوس دخيلة على ما عرفوه، ودرسوه لعبادات يجب مُمارستها في مكة المكرمة.

العالم - العالم الاسلامي
نُشطاء سعوديون، ذهبوا إلى أبعد من ذلك، حيث شبّهوا تلك الطقوس التي وصفوها بالصوفية، بالطقوس المجوسية “الشيعية” ( زورا )، واعتبروا أنها لا تختلف عنها، فهي مجرد حركات بهلوانية، وطقوس شركية، وخرافات لا تمت للدين الإسلامي، والمذهب السني بصلة.

وفي موقع التدوينات القصيرة “تويتر”، كان الاستياء حاضراً، ودشّن المُغرّدون وسماً “هاشتاق” تحت عنوان “الصوفية تنشر بِدعها في الحجاز″، حيث حذّروا من عودة من يطوفون حول القبور، ويريدون إحياء بِدعهم، كإقامة القباب على القبور، والتبرّك بالصالحين، وهي أمور كان قد حاربها محمد بن عبدالوهاب (1703م- 1791م)، مُؤسس وعرّاب “الوهابية”، التي يعتبرها أتباعه اليوم، حركة إصلاحية دينية جدّدت الدين الإسلامي، وقضت على مظاهر الشرك، والكُفر الذي كان انتشر على الجزيرة العربية، وأعاد المسلمين إلى مسار التوحيد الصحيح، والذي لا تشوبه شائبة، على حد قولهم.

في مُقابل هذا، يرى المُنتقدون للوهابية أو الوهابيين، أن ذلك الفكر، ما هو إلا فكر إسلامي إقصائي مُتطرّف لم ينتشر باللين والمُعاملة الحسنة، ولا يقوم على الأسس الصحيحة للإسلام، والتي تدعو إلى تقبّل الآخرين والتعايش معهم، فحتى الكفار يقول المُنتقدون للوهابية، تُرك لهم حرية الخيار، حين قال لهم نبي الإسلام محمد الكريم، “لكم دينكم، ولي دين”، ولم يُقم عليهم حدود الله، في حال مُخالفتهم له، وهو صاحب الرسالة السماوية التي كلّفها به رب العالمين.

“الوهابية” وفق مُنتقديها، تفرض على أتباعها وغيرهم، الالتزام بالمعايير التي وضعها الشيخ محمد بن عبدالوهاب، وحتى لو كان بصفته مجدداً للدعوة، وطارداً لبدعها، فهو يظل بشري، لا يحمل حتى صفة التابعين من الصالحين، حتى يُؤخذ بدعوته، كما لو كانت  شريعة مُنزّلة من عند الله.

السلطات السعودية، مُمثّلة بمؤسستها الدينية، زرعت منذ عشرات السنين في عقول مُواطنيها، وفي مناهجها التعليمية فكرة أقرب إلى فكرة “الشعب المختار”، فطيفٌ عريض في بلاد الحرمين يُؤمن ودون أدنى شك، أن عقيدته القائمة على التوحيد، وشعائر “الوهابية” التي تُقصي الجميع على اختلاف مذاهبهم وأديانهم، هي الطريق الأمثل والمُعبّد للجنة، وغيرها يحتاج إلى إقامة الحد، بحُجّة الخروج عن النهج القويم.

ومع مرور السنوات يقول مختصون في الشأن المحلي، اضطرت السلطات السعودية مُجبرة على التخفيف من حدّة أفكار مناهجها المُتطرّفة، وأعادت إنتاج كتب التوحيد، والفقه، والتفسير، والحديث، بطريقة تختلف كمّاً ونوعاً.

“رأي اليوم” إطّلعت على المناهج الدينية التي تُدرّس هذه الأيام في المملكة، ورصدت هذا الفارق الكبير بين مضمونها الحالي، ومضمون تلك الكتب التي كانت تُدرّس قبل حوالي الخمس والعشر سنوات، فالكافر من أهل الكتاب وجب له التعامل الحسن، وحسن المُعاشرة، ولا يحق لأحد قتله كما كان في كتب العام 2004 مثلاً بدلالةٍ غير صريحة، وهذا يأتي بحسب ما يشير مختصون ضمن مساهمة السعودية في محاربة الإرهاب، الذي ساهمت في صناعته، وتصديره اليوم إلى العالم.

وبالرغم من كل هذه الاستدارة الكليّة التي قامت بها العربية السعودية، وإعلانها عن خطوات تدريجية للانتقال إلى ما يسمى “عصر الانفتاح”، لا تزال وفق مُطّلعين عقلية السعودي على حالها، فهناك أجيال بحالها نشأت على عدم تقبّل الآخر، والاستياء، والانفعال كلما رأت ما يُخالف تعاليم عقيدتها التي تربّت عليها، وما يدل على ذلك، أنها لا تزال تراوح مكانها في إطار جدليات عقيمة، تنحصر في إمكانية تبادل التهاني مع “أهل الكتاب”، ورد السلام عليهم في الطريق، فكيف سيكون الحال مع أمور أكثر تشابكاً وتعقيداً، يتساءل مُطّلعون.

يُشار إلى أن “الصوفية” عُرفت بالزهد، وأطلقت على العباد الزاهدين بالدنيا في صدر الإسلام، لكن وبحسب التعريفات التي تعود للوهابية وغيرها من المذاهب التي تطرّفت في تعاليمها، فهي عبارة عن مجرد انحرافات تم دمجها بالبدع الشركية، كالغلو في الصالحين، وتقديس شخصيات دينية بعينها، والتبرّك بقبورها، وقد انتشرت الصوفية في العصر المملوكي، والفاطمي، والعثماني، وهناك خلاف فقهي حول صحّة مُمارساتها، فالبعض يرى فيها زُهداً لا غُبار عليه، والبعض الآخر يرى في بِدعها شِركاً صريحاً، وعليه يُكفّر أتباعها وفق ذلك.

خالد الجيوسي / راي اليوم

109-4