المنطقة بين زيارتين

المنطقة بين زيارتين
الخميس ١٦ فبراير ٢٠١٧ - ٠٨:٢٢ بتوقيت غرينتش

شهدت منطقتنا زيارتين مهمتين متزامنتين الاولى للرئيس التركي رجب طيب اردوغان الى البحرين والسعودية وقطر والثانية للرئيس الايرني حسن روحاني الى سلطنة عمان والكويت، وبالرغم من الرئيسين التركي والايراني زارا منطقة واحدة، الا ان اهداف الزيارتين متناقضتان بشكل كبير.

التناقض بين اهداف الزيارتين بان وبشكل واضح من خلال تناقض لغة الخطاب التي استخدمها كلا من الرئيسين اردوغان وروحاني، فالرئيس التركي بدأ وانهى زيارته هو يعزف على الوتر الذي يطرب له مضيفوه، وهو وتر "الطائفية" و"القومية الفارسية وخطرها على المنطقة” و "التمدد الايراني" و "التمدد الفارسي" و "التمدد الشيعي" و "تدخل ايران في العراق وسوريا الذي يهدد بتقسيم البلدين".

عزف اردوغان على هذا الوتر بهذه الشدة، لم يأت من فراغ، فالمعروف عن اردوغان انه يغير سياسته ازاء قضية واحد وفقا للعوامل الاقليمية والدولية، فلا ينطلق الرجل من اي مبدأ، لذلك بعد اقتاربه من الموقفين الروسي والايراني من الازمة السورية مضطرا، نراه بدأ يميل مرة اخرى الى الموقف الامريكي ومحوره في المنطقة مع وصول الرئيس الامريكي الجديد دونالد ترامب الى البيت الابيض، الذي اعلن عن نيته فرض منطقة حظر طيران في شمال سوريا، وسعيه لاعادة الحياة الى "المحور السني" المعتدل الى جانب "اسرائيل" لمواجهة ايران، فتلقف اردوغان الرسالة اسرع من الجميع، وعاد يكرر ذات الخطاب الطائفي القديم.

لا حاجة لنا بالرد على مزاعم اردوغان حول دور ايران في المنطقة، فهذه المزاعم جاءت كمحاولة لانعاش الوضع السياسي والاقتصادي المهزوز لبلاده عبر مغازلة الخليجيين، فالوقائع على الارض هي التي تفند هذه المزاعم، فتركيا هي التي ارسلت جيشها الى سوريا واحتلت العديد من البلدات والقرى السورية ومازالت وليس ايران، تركيا هي التي ارسلت جيشها الى العراق وعسكر في بعشيقة رغم الرفض الشعبي والحكومي في العراق وليس ايران، تركيا هي التي يحلم قادتها ليل نهار بإعادة "امجاد" الدولة العثمانية وليس ايران، تركيا هي التي تعلن جهارا نهارا عن اطماعها في الموصل وحلب وليس ايران، تركيا التي كانت من اوائل واكبر الدول المتورطة في الحرب المفروضة على سوريا عبر تجنيدها وارسالها وتمويلها مئات الالاف من التكفيريين القادمين من مختلف انحاء العالم الى سوريا وليس ايران، تركيا التي اصبحت ملجأ للمجرمين والارهابيين الفارين من العدالة من العراق وسوريا وليس ايران، تركيا كانت ومازالت من الدول التي رعت الارهابيين في سوريا باعتراف نائب الرئيس الامريكي السابق جو بايدن وليس ايران، اما ايران فلم تتدخل لا في العراق ولا في سوريا بالقوة والعنجهية كتركيا، فهي ارسلت مستشارين عسكريين الى العراق وسوريا بطلب من الحكوتين العراقية والسورية، فاذا كان اردوغان لا يعترف بالحكومتين الشرعيتين في العراق وسوريا لاسباب طائفية فهذا شأنه، ولم يُسجل للمسؤولين الايرانيين خطابا طائفياَ او قوميا ازاء ما يجري في العراق وسوريا، كما هو مالوف في خطاب اردوغان و قادة حزبه.

في مقابل زيارة اردوغان، كانت هناك زيارة الرئيس روحاني، التي تناقلت وكالات الانباء العالمية تفاصيلها ومنها تصريحاته، ومن هذه التصريحات اشارته خلال لقائه بالسطان قابوس بن سعيد سلطان عمان، الى ظاهرة "ايرانوفوبيا" التي يتم الترويج لها، وقال انها مخطط محاك في خارج المنطقة من قبل اعداء الاسلام والعرب، مؤكدا ان ايران دعت ولاتزال الي حل المشاكل والخلافات عبر الحوار، وان القدرات العسكرية الايرانية تجسد قوة دفاعية ومساندة لأمن المنطقة.

وخلال لقائه بامیر الكویت الشیخ صباح الاحمد الجابر الصباح، قال الرئيس روحاني ان المشاكل الكبیرة فی المنطقة مثل الارهاب تشكل خطرا عالمیا وشاملا، وان السبیل الوحید لمواجهته والقضاء علیه، هو وقوف جمیع دول المنطقة والجوار الي جانب بعضها بعضا فی مواجهة الارهاب، ولابد من التنسیق والتضامن بین دول المنطقة وتجنب الخلافات، بصفتهم اخوة فی الدین، فجمیع الخلافات القائمة فی المنطقة بالامكان تسویتها عبر الحوار، فهو السبیل الوحید لحل المشاكل وسوء الفهم بین دول المنطقة.

هذه كانت بعض جوانب من اللغة التي تحدث بها الرئيس التركي والرئيس الايراني خلال زيارتهما للمنطقة، واذا ما دعمنا هذه اللغة بالمواقف العسكرية وحجم التدخل ودور البلدين في الازمتين السورية والعراقية، عندها سيتكشف للمتابع الحيادي، اي الرئيسين جاء للمنطقة بهدف تعكير اجوائها ومن ثم الاصطياد في المياه العكرة من اجل انقاذ اقتصاده وركوب "موجة ترامب"، عسى ولعل يحقق احلامه التي تحولت الى كوابيس في سوريا والعراق.

ما يؤكد ان زيارة اردوغان جاءت اتساقا مع "المرحلة الترامبية" التي يظن اردوغان وبعض زعماء الدول الخليجية انها مرحلتهم، تم استخدام السلاح الطائفي وبشكل بشع وملفت بالتزامن مع زيارة اردوغان وروحاني للمنطقة، فقد تناهى الى مسامعنا صوت نشاز من اصوات الطائفية الكريهة، وهو صوت المدعو طارق السويدان، الذي كتب على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي، فيسبوك، يقول: "إيران تسببت في إذكاء الطائفية وأخذت تنشر التشيع المنحرف وتمارس الطائفية بأسلوب خبيث في كل المنطقة.. هي أساس الشر في العراق ولولا دعمها الخبيث لسقط نظام الطاغية بشار.. وهي وراء الانقلاب الخبيث في اليمن وهي وراء إذكاء الطائفية في الخليج (الفارسي) وغير ذلك الكثير.. آن الأوان لقطع يد إيران الخبيثة في المنطقة قبل أن تتسبب في تدمير الأمة".
هذا الخطاب الذي يقطر خبثا وغلا وحقدا لا يمكن حتى وصفه بالطائفي، فقد تجاوز الطائفية الى الصهيونية، فهو خطاب صهيوني بامتياز جاء لخدمة المشروع "الترامبي" الذي تطوع البعض لخدمته بالمجان، من امثال هذا السويدان التي يوصف ب"الداعية"، وهو حقا "داعية" ولكن داعية للفتنة وللخراب وللشر، فاين هذه الاصوات العار، من الخطر الصهيوني الذي ابتلع اغلب ارض فلسطين وهود القدس واقبر حلم البعض بدولة فلسطينية الى جانب دولة "اسرائيل" بعد ان رفض ترامب "حل الدولتين" واطلق يد نتنياهو ليبني على ما تبقى من ارض فلسطين المستوطنات الصهيونية، بينما امثال هذا العار المدعو السويدان يجند المرضى النفسيين من التكفيريين والحاقدين للانضمام الى المحور الترامبي الجديد الذي يضم بعض الانبطاحيين العرب الى جانب العدو الصهيوني ضد ايران، ويكفي هذا الاصطفاف دليلا على صوابية موقف ايران ومحور المقاومة ازاء ما يجري في سوريا والعراق واليمن والبحرين والمنطقة برمتها.

* شفقنا

205