أسرار أسلحة "داعش" الكيميائية

أسرار أسلحة
الأحد ١٢ مارس ٢٠١٧ - ٠٤:٢٣ بتوقيت غرينتش

فى مستشفى بشرقى مدينة الموصل.. يرقد اثنا عشر مواطنًا عراقيا لمعالجة حروق أصابتهم من الدرجة الأولى والثانية.. كان المواطن الموصلى ناظم حامد، 45 عاما، يرافق أسرته المكونة من ستة أشخاص أصابهم جميعًا اختناق وقروح إثر رأس كيماوى سقط فوق منزلهم. وقالت الأجهزة الأمنية إنه غاز الخردل.

العالم ـ العالم الإسلامي

التقارير القادمة من هناك تؤكد أن هذا الرأس سقط من قبل تنظيم «داعش» الإرهابى الذى يستميت فى الدفاع عن الموصل معقله فى العراق، فى حين تقارير أخرى كشفت عنها الحكومة العراقية، نهاية يناير الماضي، تفيد بامتلاك «داعش» لمعامل تحضير غازات سامة. وقالت الحكومة العراقية، آنذاك، إنها عثرت على معمل تابع لتنظيم «داعش» لتصنيع غاز الخردل، المحرم دوليًا، فى الجزء الشرقى من الموصل، ما يؤكد أن التنظيم يقوم على تصنيع الغاز بنفسه وليس فقط الحصول عليه من الخارج، كما أكدت ذلك المتحدثة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، فى يناير الماضي، عندما تحدثت عن استخدام «داعش» والفصائل المنضوية تحته للسلاح الكيماوي كغاز الخردل وغاز السارين. هل يمتلك «داعش» أسلحة كيماوية؟.. سؤال يظل حائرا دون إجابة واضحة.. لكن حاولت البوابة التوصل إلى الحقيقة..

أحد عناصر التنظيم يعترف
الدواعش استخدموا الأسلحة المحظورة مرتين ضد قوات النظام السوري (الحكومة السورية)
«من أين يحصل «داعش» على سلاحه الكيماوي؟».. التقت «البوابة» مع أحد عناصر التنظيم، وكنيته «أبوعبيدة»، عبر تطبيق التليجرام، فى محاولة للتعرف على أسرار التنظيم الخاصة بالسلاح الكيماوي.
كشف «أبوعبيدة» عن أن «داعش» تمكن خلال الشهور الماضية من الحصول على مواد الخردل والكارولين من جامعة الموصل، بعدما تمكن من السيطرة عليها خلال عام ٢٠١٥، لافتًا إلى أن التنظيم لديه مجموعة من علماء جامعات العراق على رأسهم «الموصل وبغداد» وأبرزهم أبوهاجر العراقي، وهو أحد الأساتذة بجامعة الموصل، والتحق بعد ذلك بالتنظيم وأصبح مسئول قسم تطوير الأسلحة.
وأضاف «أبوعبيدة»»، أن المواد التى حصل عليها التنظيم تم نقلها إلى القيادة العامة داخل الموصل، لضمان عدم تفجيرها خلال الضربات التى يشنها التحالف الدولي، رافضًا الإدلاء بأى معلومات عن الأماكن بالمخازن بالتحديد، كما لفت إلى أن التنظيم هدد بشن ضربات بالأسلحة الكيماوية حال استمرار التضييق الذى يشنه التحالف الدولي.

هجوم كيماوي في سوريا
وأما عن الجانب السوري، وخلال محاولات البحث تواصلنا مع أحد عناصر التنظيم عبر المنتديات الجهادية، التقت «البوابة» بأحد عناصر التنظيم ويُدعى «أبوأحمد»، والذى اعترف فيها أن «داعش» استخدم الأسلحة الكيماوية مرتين خلال هجمات ضد قوات النظام السوري (الحكومة السورية)، بقوله: «أرسل الإخوة سيارة مفخخة بمواد كيماوية عند نقطة تفتيش للجيش بالقرب من قرية الحمرا فى محافظة حماة».
تحدث «أبوأحمد»، عن هجوم آخر لـ «داعش» بالأسلحة الكيماوية قائلا: «استخدمنا أيضًا سيارة مفخخة مليئة بمواد كيماوية ضد قوات النظام (الحكومة السورية) بالقرب من مطار منّغ العسكري»، وهو المطار الذى يقع بالقرب من شمال حلب بحوالى ٢٠ ميلًا.
وفى نهاية أغسطس ٢٠١٥، وعبر إحدى المنتديات الجهادية اعترف الجهادى الهولندي، التركى «صالح يلماز»، وهو جندى سابق فى الجيش الهولندي، وانضم بعد ذلك إلى التنظيم، وحسبما نشرت قناة «أخبار الآن»، سُئل «يلماز» من قبل أحد القراء «لماذا يتهمون الدولة الإسلامية فى الآونة الأخيرة باستخدام الأسلحة الكيماوية فى محافظة حلب؟». رد «يلماز» كاتبًا: «فى اعتقادك، من أين حصلت الدولة الإسلامية على الأسلحة الكيماوية؟..من أعدائنا، وبالتالى نحن نستخدم الأسلحة الخاصة بهم ضدهم».

غنائم وتهريب
نعود مرة أخرى إلى الجانب العراقي، حيث قال «أبوحذيفة الموصلي» أحد عناصر التنظيم، إنه أصبح بإمكان التنظيم تحويل العالم أجمع إلى قتلى، فى إشارة منه إلى كمية الأسلحة الكيماوية والثقيلة التى يمتلكها التنظيم، كما رفض إعلان أسماء هذه الأسلحة أو أشكالها، ولكنه اكتفى بالإشارة إلى قرب إعلان التنظيم عبر إحدى الإصدارات التى يبثها خلال الأيام القادمة.
وعلى سؤال من أين أتى التنظيم بهذه الأسلحة؟ يقول: حصل التنظيم على هذه المواد الخطرة إما عن طرق التهريب المعتادة لأى سلعة من خلال الموانئ التى تنتشر ويتم وضعها فى داخل الشحنة، ثم يتم تسليمها إلى الولايات التابعة للتنظيم، أو عن طريق «الغنائم» التى يحصلون عليها من الأماكن التى يسيطرون عليها فى سوريا والعراق. نافيًا أن يكون لدى أى ولاية من الولايات خارج الموصل وحلب استحواذها على هذه المواد الكيماوية.

ليبيا المحطة القادمة
وكان مصدر آخر من عناصر «داعش» تطرق إلى الوضع فى ليبيا، مشيرًا إلى أنها الأقرب لأن تحتوى على معامل سلاح كيماوى لـ «داعش» لعدم إحكام الأمن سيطرته على الأراضي، بخلاف سيناء التى يتبدل الوضع فيها بين شهر وآخر بين الجيش المصرى والإرهابيين. وقال قاسم العراقي، الباحث فى شئون الحركات الاسلامية،: إن «داعش» يمتلك بعض المواد الكيماوية وكميات من غاز الخردل، حصل عليها من طريقين، الأول: كانت فى الجامعات العلمية فى المناطق التى احتلها خاصة فى جامعة الموصل والأنبار، والثاني: من ترسانة الجيش السورى ومعسكراته التى سقطت بيد «داعش» ٢٠١٣ - ٢٠١٤ فى دير الزور وتدمر». وأرجع «العراقي» سهولة تنقل هذه الأسلحة إلى داخل البلاد بقوله: «كانت الحدود العراقية السورية مفتوحة حينها» مؤكدًا أن «مصدر هذه المواد فقط العراق وسوريا ولم يحصل عليها من أماكن أخرى». كما رجح أن يفشل التنظيم فى استخدام هذه المواد، قائلا: «ليس لديه الإمكانيات والخبرات لإنتاج قنابل من هذا النوع، والأمر الآخر خطورة التعامل بها من قبل الإرهابيين أنفسهم».

الدكتورة نورهان الشيخ، أستاذة

العلوم السياسية بجامعة القاهرة

انحسار نفوذ التنظيم
سياسيًا، قالت الدكتورة نورهان الشيخ، أستاذة العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن لجوء «داعش» إلى السلاح الكيماوى فى الموصل ليست المرة الأولى، مشيرة إلى استخدامه فى وقت سابق فى سوريا عندما وجهت المؤسسات الدولية إدانة للنظام السورى على استخدام الغازات السامة ضد المدنيين وقدمت روسيا آنذاك ما يدل على استخدام هذه الغازات من قبل «داعش»، غير أن الواقعة ظلت مرتبطة بالنظام (الحكومة السورية). ولفتت إلى إنه لهذا السبب فإن «داعش» تعمد توجيه ضرباتها الكيماوية ضد المدنيين وليس الجنود العراقيين من باب إلصاق التهمة بالجيش العراقى وليس التنظيم، ومن ثم يقلب الرأى العام العراقى والدولى على الجيش ومحاولات استرداده للمدينة الموجودة فى يد «داعش» من ٢٠١٤، مشددة على أن استخدام «الخردل» فى الموصل يؤكد براءة النظام السورى(الحكومة السورية) من استخدام الكيماوى ضد المدنيين.
وأوضحت أن اللجوء إلى الكيماوى فى هذا الوقت من قبل «داعش» سببه انحسار مناطق نفوذ التنظيم وشعوره باستفحال خسائره ما يعنى أن «التنظيم» بات يتبنى منطق هد المعبد على من فيه»، محذرة من توسع التنظيم فى استخداماته للغازات السامة فى الجزء المتبقى من معارك الموصل.
وبالرغم من امتلاك التنظيم لمعامل تصنيع غازات إلا أن «الشيخ» أكدت على حصوله على تكنولوجيا التصنيع والنقل من دول أخرى من مصلحتها تحويل الحرب فى العراق إلى الحرب الكيماوية، لاسيما توفير الدخل المادى لـ «داعش» الذى يساعده على التصعيد فى هذه الحرب. وشددت على أن نقل السلاح الكيميائى من مكان لآخر فى غاية الخطورة ومن ثم رجحت أن تكون معامل التصنيع فى مناطق قريبة من المناطق التى تم استهدافها.
من جانبه قال خالد عكاشة، مدير المركز الوطنى للدراسات الأمنية، إن إمكانية نقل تنظيم داعش الإرهابي، للمواد الكيماوية بين الولايات صعبة للغاية فى ظل الهجمات التى يتعرض لها من قبل التحالف الدولي، والتى من المتوقع أن تطلق خلال مرور إحدى الشحنات، مشيرًا إلى أن الحل فى نقل هذه الغازات هو النقل الجوى الذى يمكن من خلاله تجنب الغارات الجوية ودرجات الحرارة والاحتكاك. ولفت إلى أن هذا لن يحدث إلا بتمويل خارجى من دول إقليمية ودولية ترى فى «داعش» تحقيق جزء من أهدافها. وتطرق إلى رد فعل الدول الغربية على استخدام «داعش» لغاز الخردل، معتبرًا إنه حتى الآن لم تحدث أى إدانات، معربًا عن استغرابه من هذا الصمت الدولى الذى اعتبره تواطؤا.

القاتل السريع
تتلخص أسس تحويل أى غاز إلى سلاح فى الحروب فى توفر المواد الأولية لتحضيره فى البلاد، وسهولة الاستخدام، وسهولة نقله من المعامل إلى الميدان. كما يتطلب الأمر ألا يتأثر الغاز بالمعادن بحيث لا يفسد حال تخزينه فى قنابل معدنية. ويشترط أن تكون كثافته أكبر من كثافة الهواء ليبقى على الأرض أطول فترة ممكنة، كما يجب أن يكون عديم اللون والرائحة حتى يصعب اكتشافه، على ألا يتأثر بارتفاع درجات الحرارة حتى يكون فعالا عند انفجار القنابل المملوءة به.
وفيما يخص تصنيعهما فيتم تحضير غاز الخردل أوكما يعرف ب ـ«المستطردة» بتكاليف قليلة، إذ يتم سحب ذرة ماء من الكحول الإيثيلى بواسطة حمض الكبريتيك فيكون الناتج غاز الإيثيلين الذى يضاف إلى كلوريد الكبريت فيصبح «خردل». وعقب التخزين يتم الاحتفاظ به فى أوعية زجاجية تحكم الإغلاق لحين الاستخدام. ويمكن إذابة الغاز الناتج فى الزيوت النباتية والشحوم الحيوانية والكحول والنفط والأثير، فيما يتم إضافة مواد أخرى عند تعبئته فى القنابل لتسهيل تبخره. «الخردل» مرتبط استخدامه بدرجات الحرارة، فيكون قليل الفاعلية فى الشتاء، وربما يكون هذا السبب الذى منع «داعش» من استخدام هذا الغاز منذ بداية معركة تحرير الموصل قبل أربعة أشهر، إذ إنه استخدمه للمرة الأولى فى الموصل قبل أيام فقط. ويمكث الغاز فى الأرض من ساعتين إلى ثلاثة ساعات فى الجوالممطر، فيما يبقى فترة يومين إلى ثلاثة أيام عندما تكون هذه الأرض معرضة للضوء والشمس ومدة ١٠- ٢٠ يوما إذا لم يتعرض للضوء أوالشمس.
وتحدث الإصابة عند التعرض للغاز إما فى حالته السائلة أوالغازية، ويتوقف مستوى الإصابة على الكمية التى يتعرض لها الشخص. ففى الحالة السائلة مثلًا تكفى أربعة إلى خمسة جرامات من الغاز إلى إحداث حروق شديدة فى الجلد وموت المتعرض للسائل بسبب التسمم فى الدم، وفى الكميات الأقل من ذلك فإنّها تؤدى إلى حروق من الدرجة الثانية والثالثة، لاسيما احتمالية العيش بإعاقة مدى الحياة.
أما فى الحالة الغازية فإن كمية تتراوح بين المائة والمائتين مللى جرام لكل متر مكعب من الهواء يمكن أن تسبب الشلل والإعاقة والحروق الجلدية، أمّا إذا تجاوزت الكمية الألف وخمسمائة مللى جرام، فإنها تكون مميتة.
ولا يعرف لـ«الخردل» لون معين، إذ يعتبر عديم اللون لذا فوجوده فى الجو لا يمكن التعرف عليه إلا عبر تشابه رائحته مع رائحة الثوم الخفيفة، وتحتاج أعراض الخردل للظهور عدة ساعات من التعرض للغاز، إذ تبدأ فى شكل إحساس بالوخز، يتبعه احتقان بالجلد إلى أن تؤدى لوفاة المتعرض للغاز فى يومها.
وبخصوص ما إذ كان «داعش» يقوم على نقله من ولاية إلى أخرى، كشف مصدر «داعشي» تواصلنا معه عبر تطبيق «تيلجرام» عن أن التنظيم لديه فى سوريا والعراق معامل لتصنيعه ومن ثم لم يكن فى حاجة إلى نقل الغازات بينهما من قبل، مشيرًا إلى أن التنظيم لجأ إلى ذلك مؤخرًا بالتزامن مع معركة تحرير الموصل ما دفعه لنقل كميائييه و٤٠٪ من مخزون سلاحه الكيميائى فى العراق إلى سوريا للحفاظ عليه.
ولفت إلى أن ظروف النقل تتمثل فى وضع الغاز فى خزانات زجاجية ثم أخرى بلاستيكية توضع فى صناديق خشبية يتم إحكامها على شاحنات كبيرة تسير فى بطء وبعيدة عن الطرق الصحراوية تجنبًا لارتفاع درجات الحرارة، مشيرًا إلى أن النقل كان يحدث ليلًا أيضًا لتفادى طيران قوات التحالف الدولى.
وأضاف إلى أن التنظيم كان يقوم أيضًا بتعبئة الغاز فى قنابل محكمة الإغلاق يتم نقلها داخل صناديق، معتبرًا أن الطريقة الأخيرة أسهل من الأولى. واستبعد أن يكون «داعش» قد تمكن من نقل هذا السلاح إلى أفرعه فى ليبيا أو التابعين له فى «بيت المقدس» بسيناء، إذ لا يمكن تحريك شاحنات من العراق إلى سيناء أو ليبيا، مشيرًا إلى أن التنظيم يقيم فى كل ولاية من ولاياته معامل تعمل على توفير السلاح الكيماوى لها.
وفيما يخص عدد الكيميائيين داخل التنظيم فقدره بـ ٢٠٠٠ عالم وهو رقم ضخم بالنسبة لتنظيم مثل «داعش»، بالرغم من إقراره بتقلص هذه العدد بعد ما غادر علماء أوروبيون كثيرون صفوف التنظيم أو مات جزء منهم فى المعارك.
يشار إلى أن البرلمان الأوروبي، أصدر تقريرا فى ٢٠١٥، أكد فيه على تجنيد تنظيم «داعش» لأفضل خبراء الكيمياء والفيزياء وعلوم الكمبيوتر، وفى هذا هرب اثنان راديكاليان كانا يعملان فى منشأتين نوويتين فى بلجيكا إلى سوريا للانضمام إلى صفوف «داعش»، وهو ما دفع بلجيكا للإعراب عن خوفها من نقلهما لمعلومات عن هاتين المنشأتين، متوقعة استهدافهما من قبل «داعش».

المصدر: البوابة نيوز

104-10