ترامب المهووس بعقدة المؤامرة

ترامب المهووس بعقدة المؤامرة
الثلاثاء ١٤ مارس ٢٠١٧ - ٠٦:٥٥ بتوقيت غرينتش

كثيرا ما تبجحت النخب السياسية الامريكية بديمقراطيتها، وان النظام السياسي الامريكي قائم على المؤسسات التي تضع خططا خمسينية لا يملك رؤساء امريكا مهما كان لهم نفوذ وكاريزما، الا السير على ضوئها، مع مجال ضيق للحركة تفرضه الطبائع الشخصية، ومن اهم خصائص هذا النظام الحرية والشفافية والنزاهة.

العالم - مقالات

من الخصائص التي طالما اعتبرتها النخب السياسية والاعلام الامريكي من امتيازات النظام السياسي الامريكي، هو القرارات المدروسة والمحبوكة الصادرة عن هذا النظام السياسي والتي تصل نسبة الخطأ فيها الى ما يقارب الصفر، والفصل الجذري بين القوى الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية، وخاصة بين الأولى والثالثة، والتباهي بالاعلام وحريته التي لا يمكن لاي رئيس او قوة ان تضع له خطوطا حمراء، اما الفخر والاعتداد بقوة الاستخبارات الامريكية فحدث ولا حرج.

يبدو ان جميع ما كان تفتخر به النخب السياسية وحتى الامريكيين العاديين، بشأن خصائص نظامهم السياسي، ضربه زلزال بقوة 9 ريشتر في عهد الرئيس الامريكي الحالي دونالد ترامب، فهذا الزلزال لم يضرب “النظام السياسي ” فحسب بل كشف عن امراض مستعصية يعاني منها النظام ما كانت لتظهر لولا وصول ترامب المهووس بعقدة المؤامرة الى البيت الأبيض.

لا يمكن اعتبار ترامب ظاهرة غريبة عن النظام السياسي الامريكي، فالرجل هو ابن هذا النظام السياسي الامريكي، ويمثله بكل تفاصيله، ولكن ما جعل ترامب يختلف عن باقي رؤساء امريكا، هو انه غير كيس ويقول علنا ما يقوله من سبقوه سرا، بالإضافة الى ما فيه من تهور الى حد السفه.

المراقبون يشبهون تصرفات وتصريحات ، ترامب بمواقف وتصريحات بعض رؤساء دول العالم الثالث وخاصة تلك المستبدة منها والرجعية، فهو يريد ان يكون الحاكم المطلق دون حسيب او رقيب، واذا ما تجرأت جهة ما او شخص ما على توجيه مجرد انتقاد له فنراه تثور ثائرته ولا يتورع عن وصف هذه الجهة او هذا الشخص بأقذع الصفات، كما فعلها مع القضاء الامريكي على خلفية قراره العنصري بمنع مواطني 7 دول اسلامية من دخول امريكا، وكذلك مع سائل اعلام كبرى عندما قاطعها ورفض مشاركتها بتغطية مؤتمراته الصحفية، حتى وصل الأمر به الى وصفها بانها “عدوة الشعب”، لمجرد انها وجهت اليه بعض الانتقادات.

بعد هجماته على القضاء والاعلام ومنافسيه، وجه ترامب مدافعه الى اجهزة الدولة ذاتها من موظفين وخبراء، مشككا بولائهم له، متهما اياهم بانهم مرتبطين بالرئيس السابق باراك اوباما، ومثل هذه النغمة في الخطاب تبدو انها جديدة على النخب الأمريكية التي كانت تتباهى بالانتقال السلس للسلطة في امريكا.

المتحدث البيت الأبيض سبايسر قال :“أعتقد أنه بلا شك عندما يكون حزب واحد في السلطة لمدة 8 سنوات، يظل أشخاص منه في الحكومة ويواصلون تبني أجندة الإدارة السابقة .. وأعتقد أنها ليست مفاجأة انتشار أشخاص داخل الحكومة، خلال 8 سنوات من حكم الإدارة السابقة، ربما أصبحوا مقتنعين بتلك الأجندة ويريدون مواصلة تنفيذها”.
ما تجاهلة سبايسر هو ان فترة 8 سنوات ليست خاصة بالرئيس السابق باراك اوباما، فأغلب الرؤساء الذين سبقوه حكموا البيت الأبيض 8 سنوات ايضا، ولكن لم يثيروا هذه الضجة التي اثارها ترامب حول اوباما، وان كانوا غيروا كما يريد ترامب ان يغير ولكن بصمت.

ونفى سبايسر أن تكون وكالة الإستخبارات المركزية الأمريكية تعمل على تحديد هؤلاء الأشخاص لفصلهم من العمل، كما يفعل الرئيس التركي رجب طيب اردوغان مع معارضيه، واصفا هؤلاء الموظفين بانهم “الدولة العميقة”، كما يصف اردوغان معارضيه بأنهم “حكومة موازية”!!.
رفض سبايسر وصف هؤلاء الموظفين بانهم مجرد بيروقراطيين حكوميين وأشخاص معينين من قبل إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، معتبرا هذا الوصف بانه خبيث.
مواقف ترامب واعضاء ادارته استفزت حتى صقور الحزب الجمهوري الذي ينتمي اليه ترامب، فهي تعري امام العالم اجمع النظام الامريكي مما سيوجه ضربة قاسية الى صورة امريكا التي حاولت النخب الامريكية والاعلام الامريكي تسويقها الى العالم، فهذا توماس ماسي، عضو مجلس النواب الجمهوري عن ولاية كنتاكي اعلن بصريحة العبارة في حديث مع محطة سي إن إن، إنه لا يتفق “مع الكثير من الأشخاص في واشنطن وبعض أنصار الرئيس دونالد ترامب الذين يقولون إن هناك محاولة من إدارة أوباما لإضعاف إدارة ترامب”.

من جانبه، اعتبر روبرت باير، المحلل الأمني والعنصر السابق بوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، أن الترويج لمواجهة إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لما يسمى بـ”الدولة العميقة”، هي “نظرية مؤامرة” من مجموعة “اليمين البديل” وقال باير: ليس لدينا دولة عميقة في الولايات المتحدة”. وأضاف: “لدينا مسربون من الجمهوريين والديمقراطيين ولكنهم ليسوا منظمين ولم ينظم أي أحد ذلك”.

ترامب “المحاط بالمتآمرين ” “الذين يخططون لإسقاطه” انتقل من دائرة رجال اوباما الى اوباما نفسه، فقد اتهم ترامب سلفه الديمقراطي باراك اوباما بأنه امر بالتنصت عليه قبيل الإنتخابات الرئاسية، وهو ما نفاه المتحدث باسم اوباما جملة وتفصيلا، وكذلك فعل رئيس الاستخبارات الاميركية ابان ولاية اوباما جيمس كلابر”.

اتهام ترامب الجديد لاوباما استفز السناتور الجمهوري جون ماكين الذي تحدى ترامب تقديم دليل على الإتهام الذي وجهه الى اوباما بالتنصت عليه قبل الانتخابات الرئاسية التي جرت في 8 تشرين الثاني / نوفمبر، وقال في مقابلة مع شبكة “سي ان ان”: “أمام الرئيس خياران، إما التراجع وإما تقديم المعلومة التي يستحقها الشعب الأميركي .. ليس لدي اي سبب يدفعني لان أصدّق ان هذا صحيح ولكني اعتقد ايضا انه يمكن لرئيس الولايات المتحدة ان يوضّح هذه المسألة في دقيقة واحدة .. كل ما عليه (ترامب) ان يفعله هو ان يتناول الهاتف ويتصل بمدير السي آي ايه، وبمدير الاستخبارات الوطنية والقول (حسنا، ما الذي جرى) لأنهما حتما يعرفان ما اذا كان رئيس الولايات المتحدة السابق قد وضع برج ترامب تحت التنصت ام لا”.
اخيرا مهما حاول البعض وضع ترامب في خانة “الاستثناء” بين النخب الامريكية، الا انه يبقى ابن النظام الامريكي، الذي وصل عبر هذا النظام الى البيت الأبيض، وانه يمثل شرائح كبيرة من الشعب الامريكي التي منتحه اصواتها، وهي كانت منذ البداية تعرف كل شاردة و واردة عنه، فالرجل هو صدى لهذا النظام ليس الا، الا انه صار يصدر ضجيجا.


• شفقنا

208