روسيا- واشنطن.. تقاسم مصالح أم حرب باردة؟

روسيا- واشنطن.. تقاسم مصالح أم حرب باردة؟
الأحد ٢٦ مارس ٢٠١٧ - ٠٦:٤٧ بتوقيت غرينتش

منذ فوز الرئيس دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية الأميركية والارتياح الذي أبداه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، اتجھت الأنظار الى مستقبل العلاقة بين الولايات المتحدة وروسيا، والى مسار الاتفاقات والتفاھمات التي يمكن أن تؤدي الى الصفقة الكبرى بين البلدين بشأن أزمات المنطقة من أوروبا الى الشرق الأوسط.

لكن، مؤخراً، لُوحظ أن ملامح الصفقة الكبرى تراجعت بسبب انحسار الثقة، وبسبب الصحوة الى قواعد العلاقات الأميركية – الروسية، وواقع المصالح الاستراتيجية التي تتعدى شخصية الرجلين.
خبراء أميركيون يعتبرون أن موسكو تستغل ترامب لخدمة مصالحھا، ويخشون من فكرة أن ترامب لا يملك فهمًا دقيقًا للمضاعفات التي ستواجهها الولايات المتحدة جراء تحسين العلاقات مع روسيا. أما في روسيا، ھناك من يعتبر أن الھدف الأھم لموسكو ھو أن تتخبط الولايات المتحدة كيفما كان. فإذا كان ترامب ھو وسيلة التصدع والتفكك الأميركي، فإنه أھم استثمار وأھم حليف للكرملين وللمصالح القومية الروسية.
هنا يطرح سؤال: ما هي تداعيات العلاقات الروسية الاميركية على ايران وسوريا؟
مصادر دبلوماسية أوروبية ترى أن الرغبة الأميركية المستجدة في التعاون مع روسيا التي لم تتضح حدودھا بعد، والعزم الأميركي على تغيير التعاطي الأميركي السابق مع طھران، من شأنھما أن يدفعا إلى توسيع الهوة بين موسكو وطھران.
لذلك المشكلة الان أن إدارة ترامب لم تطرح أي شيء ملموس على موسكو التي تبدو "مستعجلة" في فتح حوار روسي - أميركي، بينما تريد واشنطن أن تأخذ وقتھا قبل أن تقدم أفكارا أو مشاريع تعاون في سوريا.

أما بالنسبة لإيران التي وقعت الاتفاق النووي مع مجموعة "5+1" منذ تموز عام 2015، لم تصدر عنھا مؤشرات تدل أنھا راغبة بنھج جديد في علاقاتھا الإقليمية، لأنھا تريد الاحتفاظ بالأوراق التي يمكن أن تواجه بها الإدارة الأميركية الجديدة.
مصادر دبلوماسية أميركية ترى أن عقيدة ترامب تفترق عن أسلافه بسبب خلفيته في إدارة الأعمال والصفقات، وتأكيده ضرورة مشاركة أميركا الاعباء التي تتكبدها، سواء تعلّق الأمر بموازنة الحلف الأطلسي أو إقامة مناطق آمنة في سوريا لمواجھة "داعش". ولدى الإدارة الجديدة توجهٌ لتحسين شراكة إقليمية في النواحي الأمنية والاستراتيجيات والتكاليف. بالإضافة إلى أن إدارة ترامب تسعى إلى تحالف إقليمي جيواستراتيجي يشمل دول الخليج ومصر والأردن، وفي مرحلة لاحقة "إسرائيل" بعد إبرام اتفاق سلام لتحقيق أھدافھا الإقليمية.
لذلك، فإن السعوديين يعوّلون كثيراً على ترامب استنادا الى المؤشرات الأولية المشجعة لسياسته في الشرق الأوسط، لجھة تصعيده ضد إيران وتصميمه على الحد من نفوذھا ودورھا وإعطاء الأولوية لـ"ملف اليمن"، والعودة الى الساحة السورية التي أخليت لروسيا، ورد الاعتبار لعملية السلام على المسار الفلسطيني والدفع باتجاه مفاوضات مباشرة وحل على أساس "الدولتين".
في واقع الحال نجد الكثير من الغموض ومجموعة من التساؤلات في السياسة الأميركية التي لھا انعكاساتھا المباشرة على مستقبل الحرب في سوريا والمنطقة.


على اساس ما سبق، ما حدود الصفقة بين واشنطن وموسكو؟
في الواقع، تصطدم الصفقة الكبرى بعقبات أساسية، فبوتين يريد ثلاثة أھداف أساسية:
1- عقد صفقة شاملة مع ترامب تكون نوعاً من "يالطا جديدة" من أجل تعزيز الدور الروسي إقليميا ودوليا وتقاسم النفوذ مع أميركا في ساحات عدة.
2- أن يتخذ ترامب قرارا برفع العقوبات الأميركية المفروضة على روسيا وإقناع الدول الأوروبية باتخاذ قرار مماثل، وأن يعترف ترامب ضمناً أو علناً بضم القرم الى الأراضي الروسية.
3- تحقيق ما فشل في إنجازه مع إدارة أوباما وھو بناء تحالف أميركي – روسي رسمي يمكن أن يتحوّل لاحقا تحالفا دوليا من أجل خوض حرب مشتركة ضد "داعش" والإرھاب ليس فقط في سوريا بل في الساحتين الإقليمية والدولية.
أما ترامب فيريد التقارب مع روسيا ليس من أجل تحقيق طموحات بوتين بل من أجل استغلال حاجة روسيا إليه بھدف تعزيز موقع أميركا وجعلھا أكثر قوة في الداخل وأكثر نفوذا في الساحة العالمية.
وبما ان روسيا تُعد إيران حليفًا ميدانيًا واستراتيجيًا لها في سوريا، فھذا يعيق أي تفاھمات روسية - أميركية استراتيجية.
إذا، على موسكو التفكير الجدي في ما ستفعل بعلاقتھا مع إيران والتفكير في الأمر من منطلق التحالفات الإقليمية ايضا، خاصة وان الدول الخليجية راغبة في علاقات طبيعية وودية مع موسكو.
من المبكر جداً استنتاج أن العلاقة بين ترامب وبوتين ستصل الى التصادم الذي يتم استدراجھما إليه أو عن مفاجأة الصفقة الكبرى التي يرغب فيھا الرجلان. الأمر ليس بتلك السھولة، فمن المتوقع أن يصطدم الرئيسان بسرعة، بعد بدء المفاوضات الرسمية الجدية بين البلدين، بالوقائع والحقائق والمصالح المتضاربة التي تتطلب منھما تقديم تنازلات مھمة متبادلة من أجل فتح صفحة تاريخية جديدة في العلاقات الأميركية – الروسية. وليس واضحا حتى الآن ما إذا كان الطرفان مستعدين فعلا لدفع ثمن العلاقة الجديدة... والعالم ينتظر.
*سركيس ابو زيد - العهد