العطر الذي يفوق الذهب سعراً

العطر الذي يفوق الذهب سعراً
الجمعة ٠٧ أبريل ٢٠١٧ - ٠٩:٥٣ بتوقيت غرينتش

ينتج "خشب العود" عن إصابة الأشجار المعروفة بنفس الاسم بعطب يقود إلى أن يضرب العفن أخشابها!

عندما مررت بجوار متجر "وينغ لي جوس ستيكس آند ساندلوود كمباني" في حي "ياو ما تي" في هونغ كونغ، باغتتني الرائحة العطرة التي هبت من الواجهة الضيقة للمتجر بفضل آلافٍ من أعواد العطور والبخور الموجودة بالداخل. أما جدران المكان، الذي يحتوي بين جنباته ذاك النشاط التجاري العائلي ذا الطابع التقليدي، فكانت مزدانة بصفوفٍ من عبوات الطيب والعطر ذات اللونين الذهبي المتألق والقرمزي. أما على مبعدة فكانت تقبع خزائن زجاجية أدُخِرت لكي تُوضع فيها السلعة الأكثر قيمة على الإطلاق في المتجر، ألا وهي خشب العود.

اللافت أن هونغ كونغ اكتسبت اسمها من الرائحة اللاذعة المُحْرِقة والشبيهة برائحة الثرى لهذا النوع من الأخشاب؛ إذ أن هذا الاسم يعني بـ"الكانتونية" - وهي أحد الفروع الرئيسية للغة الصينية - ميناء العطور أو الميناء العَطِرْ.

ويشكل هذا العبق تذكرةً مثيرة للمشاعر بماضي هذه المنطقة، التي كانت من قبل ميناء تجارياً مُستعمَراً قبل أن تصبح حالياً أحد المراكز المالية المهمة في العالم. فقد اضطلعت هونغ كونغ بدورٍ محوري في تجارة العطور قديماً إلى منطقة الشرق الأوسط وما ورائها.

وإذا عدنا لمتجر "وينغ لي" فسنلتقي فيه "يوين واه"، هذا الرجل البالغ من العمر 84 عاماً، والذي يعمل في مجال البخور والعطور منذ أكثر من 70 عاماً كاملة. ورغم تقاعده فلا يزال "واه" يتردد على متجره الواقع في شارع شنغهاي، والذي يديره حالياً نجله كيني بنجاحٍ، مَكَنَهُ من توسيع النشاط إلى البر الرئيسي في الصين، ليفتتح هناك فروعاً للمتجر في العاصمة بكين بالإضافة إلى مدينتيّ شنغهاي وهاربين.

وفي سياق استعادته للذكريات الخاصة بالفترة التي بدأ فيها نشاطه في هذا المضمار وهو لا يزال في الثالثة عشرة من عمره؛ قال لي "واه": "دائماً ما كان خشب العود خشباً باهظ الثمن. في الماضي كان يُستخدم في المجال الطبي إذ كان يُشكِل مُسكناً جيداً للغاية للآلام. الآن انتقل استخدامه إلى مجال العطور".

ويرتبط هذا النوع من الخشب الذي يحتوي على مادة صمغية عطرة، بأشجار تنتمي لجنس نباتات "خشب العود"، وهي نباتات كانت تُزرع تقليدياً حول القرى، نظراً لما كان يُعتقد من أن لها فوائد مرتبطة بفلسفةٍ صينية تحمل اسم "فانغ شواي"، تتعلق بالتناغم مع الفضاء المحيط بالإنسان وتدفق الطاقة عليه من خلال بيئته، وتصالحه مع نفسه ومع الطبيعة من حوله.

فـ"خشب العود" يتشكل عندما تُصاب تلك الأشجار بعطبٍ يسمح للعفن بأن يضرب أخشابها. وعندما تُحصد هذه الأشجار يتم فصل الأخشاب المعطوبة المصابة بالعفن والتي باتت داكنة اللون بشكل أكثر وتحتوي على المادة الصمغية العطرة، عن تلك السليمة التي تكون ذات لون شبيهٍ بلون الزبد، ولا تفوح منها أي روائح عطرية.