القصف الأمريكي على سوريا .. عدوان مدفوع الثمن

القصف الأمريكي على سوريا .. عدوان مدفوع الثمن
السبت ٠٨ أبريل ٢٠١٧ - ٠٦:٣٠ بتوقيت غرينتش

قرار الرئيس الامريكي دونالد ترامب بالعدوان على سوريا اتُخذ منذ فترة، ولم يكن يفصله عن التنفيذ الا ذريعة، وهذه الذريعة وجدها ترامب في الهجوم الكيمياوي على خان شيخون في ادلب.

العالم - سوريا

كان واضحا من الضجة الاعلامية التي رافقت الهجوم الكيمياوي على خان شيخون، والتي كانت اشبه بمسرحية شاركت في تمثيلها امريكا فرنسا وبريطانيا و“اسرائيل” والسعودية وتركيا، ان هناك امرا ما سيقع، بعد ان اتهم ابطال المسرحية ومنذ اللحظة الاولى الجيش السوري بانه هو من نفذ الهجوم، دون اجراء اي تحقيق دولي محايد لمعرفة الجهة التي تقف وراء الهجوم.

انتظار نتائح تحقيقات لجنة دولية محايدة، كانت ضرورية جدا بعد تدمير سوريا لمخزونها من الاسلحة الكيميائية منذ عام 2013 وبشهادة منظمة حظر الاسلحة الكيمياوية، وبعد ان وجهت الحكومة السورية أكثر من 90 رسالة إلى الامم المتحدة خلال الفترة الماضية تضمنت معلومات موثقة عن حيازة المجموعات المسلحة مواد كيمياوية سامة وصلت إليها عبر الحكومة التركية بشكل خاص، وكذلك بعد استخدام السلاح الكيمياوي في سوريا اكثر من مرة.

انتقد ترامب قرار الرئيس الامريكي السابق باراك اوباما عام 2013 بشن هجوم على سوريا دون الرجوع الى الكونغرس بذريعة استخدام السلاح الكيمياوي، واعتبر ترامب ان من الجنون اتخاذ مثل هذا القرار دون الرجوع الى الكونغرس، الا ان ترامب لم يكتف اليوم باتخاذ هذا القرار “الجنوني” فحسب بل ونفذه ايضا، من دون الرجوع الى الكونغرس.

افضل وصف يمكن ان يطلق على قرار ترامب بقصف سوريا، هو الوصف الذي اختاره ترامب نفسه وهو “الجنوني”، لا بسبب عدم الرجوع الى الكونغرس، بل لان القرار اضّر كثيرا بامريكا، وكشف زيف مزاعمها بمحاربة الارهاب، كما كشف عن رعونة رئيسها، وهي رعونة اثارة حفيظة حتى زعيمة حزب الجبهة الوطنية الفرنسية مارين لوبن التي قالت انها تفاجأت بقصف سوريا لان ترامب قال وفي أكثر من مناسبة بأنّه لا ينوي أن تبقى الولايات المتحدة هي شرطي العالم، لكن ما قام به اليوم يثبت العكس.

المعروف ان الدفاعات الجوية في قاعدة الشعيرات التي قصفها ترامب، هي التي تصدت للطائرات “الاسرائيلية” التي قصفت اهدافا في المنطقة خلال معركة تحرير مناطق من تدمر من “داعش” ، الامر الذي يحمل اكثر من معنى، كما يعتبر مطار الشعيرات واحدا من أهم مطارات وسط سوريا ويقع على عاتقه الجهد العسكري الأكبر في الحرب على “داعش” وجبهة النصرة (القاعدة) في دير الزور وحمص وادلب وحماه، وهو ما يعتبر عملية ضخ جرعة من المعنويات في نفوس المسلحين المنهارة بعد هزائمهم المتلاحقة على يد جنود الجيش السوري وحلفائهم.

لما كان من الصعب تبرير القصف الامريكي على سوريا حتى من الناحية العسكرية، فهو لن يؤدي الى الاخلال في موازين القوى على الارض لصالح المسلحين كما تعتقد امريكا، كما لن يؤدي الى اسقاط الرئيس السوري بشار الاسد، ولن يضعف من اصرار الجيش السوري وحلفائه على مواصلة قتال المجموعات المسلحة، وسيضعف من وحدة التحالف الامريكي، بعد ان اعلنت روسيا انها بصدد تعزيز وتطوير الدفاعات الجوية السورية، وايقافها العمل باتفاقية السلامة الجوية مع أميركا لتفادي الحوادث وتوفير أمن الطيران خلال العمليات في سوريا، الامر سيعرض طائرات اعضاء التحالف للخطر، وقد يضطر بعضهم للانسحاب منه.

العدوان الامريكي على سوريا لم يكن فاشلا عسكريا فحسب، بل كان فاشلا سياسيا ايضا، فقد الحق القصف الامريكي ضررا بالغا، بالعلاقة بين امريكا وروسيا، الامر الذي سيدفع الاخيرة الى مضاعفة دعمها لسوريا والى التنسيق الكامل مع ايران، لالحاق الهزيمة بالجماعات المسلحة التي حاولت امريكا انقاذها من خلال قصف اكبر قاعدة عسكرية في وسط سوريا كانت تنطلق منها الطائرات لاستهداف الارهابيين من “داعش” والقاعدة.

لا منطقية قرار ترامب بقصف سوريا، يمكن فهمها على ضوء ما يلي:

–انه اجراء مدفوع الثمن، فكلفة العملية تحملته السعودية بالكامل خلال زيارة ولي ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان، الى واشنطن واستثماره في امريكا بـ200 مليار دولار.

–انه اجراء جاء بمثابة رسالة تم توجيهها الى ايران، كما اعلن رئيس الوزراء “الاسرائيلي” بنيامين نتنياهو، ولكن غاب عن ترامب ونتنياهو انه ليس هناك من يقرأ هذه الرسائل في ايران او يعيرها ادنى اهتمام، لذلك كانت ردة الفعل الايرانية على العدوان الامريكي على سوريا، من ان اقوى ردات الافعال، فقد اكدت طهران انها لن تقف صامتة، وان العدوان اكد صوابية موقفها من الازمة السورية، التي ترى فيها ايران، مؤامرة امريكية صهيونية عربية رجعية، الهدف منها ضرب محور المقاومة عبر استهداف سوريا.

يبدو ان سمسار العقارات ترامب وجد في القوة العسكرية الامريكية مجالا للاستثمار وجني الارباح بعد دخوله البيت الابيض، لاسيما مع وجود انظمة على استعداد ان تدفع المليارات لتحقيق اهداف لا ناقة لها فيها ولا جملا، فترامب اعطى اوامره بضرب سوريا في مقابل ان تدفع السعودية اتعاب الهجوم الذي سيُرضي “اسرئيل” واللوبي الصهيوني في امريكا ، كما لا نستبعد ان يكون الهجوم ايضا محاولة من ترامب لخلط الاوراق وارباك خصومه داخل امريكا، الذين يتهمونه وفريقه بالارتباط بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

ماجد حاتمي / شفقنا

109-1