ترامب يطبق نظرية كيسنجر لهذا فاجأ الجميع بضربة سوريا..

ترامب يطبق نظرية كيسنجر لهذا فاجأ الجميع بضربة سوريا..
السبت ٠٨ أبريل ٢٠١٧ - ٠٥:٣١ بتوقيت غرينتش

"أومن بشدة بأنَّنا كنا، وما زلنا، نحتاج إلى قصف قواعده الجوية، وحرمانه من القدرة على استخدامها لقصف الأبرياء، وإلقاء غاز السارين عليهم".

العالم - الاميركيتان

كانت هذه الكلمات التي قالتها هيلاري كلينتون قبل أن يأمر خصمها اللدود، الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ببدء الهجوم على سوريا، وإطلاق 59 صاروخ توماهوك على قاعدة الشعيرات الجوية جنوب شرق حمص، وفقاً لما ذكر موقع ميدل إيست آي البريطاني.

التصعيد

وصفت إدارة ترامب الأمر بأنَّه ما كان إلا هجمةً واحدة، وأكدت أنَّها لا تخطط للتصعيد. لكنَّ التصعيد يبدو وشيكاً. فعلى الرغم من أنَّ روسيا قد تلقت من الولايات المتحدة تنبيهاً مسبقاً ببدء الهجمات، فقد ألغت روسيا اتفاقاً مع الولايات المتحدة يقضي بتجنب التصادم في المجال الجوي السوري.

يمكن استنتاج ما تهدف الحكومة الأميركية إلى تحقيقه من الهجوم على سوريا من الدور الثانوي لواحدٍ من أقوى الدبلوماسيين في التاريخ الأميركي: هنري كيسنجر. فقد كان مستشاراً رئيساً لترامب في التفاوض حول العلاقات بين الولايات المتحدة والصين وروسيا، وقد شغل في السابق منصب وزير الخارجية الأميركية، واتهمه الكاتب والصحفي الراحل كريستوفر هيتشنز ذات مرة بالتواطؤ في "جرائم حرب" ارتكبتها الولايات المتحدة في أميركا اللاتينية وجنوب شرق آسيا.

وقد كان كيسنجر في السابق يعمل كمستشار أمن قومي سري للرئيس السابق جورج بوش الابن، وفي عهد أوباما كان مشتركاً مباشرةً في سلسلة اتخاذ القرارات بمجلس الأمن القومي الأميركي. وكانت تستشيره هيلاري كلينتون أثناء الفترة التي شغلت فيها منصب وزيرة الخارجية.

ويظهر تأثيره في إدارة ترامب أيضاً من خلال مساعِدته السابقة، كاثلين ماكفارلاند، وهي حالياً نائبة مستشار الأمن القومي لدى ترامب، وقد عملت سابقاً مع كيسنجر في فترته بمجلس الأمن القومي في السبعينيات.

استخدام الفوضى كاستراتيجية؟

وتلائم الهجمات المفاجئة على سوريا فلسفة "الأفعال غير المتوقعة"، أو نظرية الرجل المجنون، التي دافع عنها كيسنجر طويلاً بصفتها سمة مميزة لرجال الدولة العظماء المتميزين. ويقضي منهج كيسنجر بأن تتجاهل الإدارات الأميركية الحذر الذي ينصح به الخبراء، ويختار بدلاً منه "إعادة تعريف الأهداف باستمرار والقدرة على تأمل الفوضى".

وبالتصرف بنمطٍ غير محدد، بل و"غير منطقي"، يستطيع القادة الأميركيون التفوق ببراعة على خصومهم ومنافسيهم، وأن يضعوهم باستمرار في موقف ضعف، يخشون فيه تقلُّب القوة الأميركية الخطِر.

وهذا ما مكَّن وزير خارجية ترامب، ريكس تيلرسون، من الانتقال من الادعاء بأنَّه "يُجرَى تنفيذ خطوات" خلع بشار الأسد من السلطة، إلى تأكيده الحالي على أنَّ الولايات المتحدة لا تخطط لإجراءاتٍ أخرى.

وقال تيلرسون: "لن أحاول مطلقاً استقراء حدوث تغيير في سياستنا أو في موقفنا، في ما يتعلق بأنشطتنا العسكرية في سوريا اليوم".

المُحصلة النهائية تبدو كالتالي: كانت هذه ضربة وحيدة، هدفها إرسال رسالة واضحة إلى منافسي الولايات المتحدة، فحواها أنَّ الولايات المتحدة قادرة ومستعدة لنشر القوة العسكرية بلا خوف من التبعات. وأنَّ الالتزامات السابقة تجاه نظام الأسد لا تضمن موقفها المستقبلي.

التأجيج

الهدف الأعمق هو إفساح المجال لإدارة ترامب كي تسعى لتحقيق طموحاتها الاستراتيجية في سوريا. ويمكن اكتشاف هذه الطموحات من خلال أفكار مستشاريها الأساسيين.

فقبل أن يستقيل مايكل فلين، مستشار الأمن القومي السابق لدى ترامب، في خزي بسبب اتهامه بالكذب بخصوص تواصله مع السفير الروسي، كان فلين قد انتهى لتوّه من المشاركة في تأليف كتاب "The Field of Fight" مع مايكل ليدين، مستشار الدفاع الذي ينتمي إلى مجموعة "المحافظين الجدد" (مجموعة سياسية أميركية يمينية، تؤمن بقوة أميركا وهيمنتها على العالم).

وتكمن أهمية هذا الأمر في أنَّ ليدين كان متورطاً تورطاً مباشراً في تزوير المستندات التي زعمت وجود برنامج نووي عراقي، مُحاولاً تلفيق تهديد لتبرير غزو العراق عام 2003، وقد أطلق ليدين حملات تطالب بالتدخل العسكري في سوريا وإيران وغيرهما، وصاغ رؤية للسياسة الخارجية أثرت بعمق في إدارة جورج بوش الابن.

ويمكن تلخيص رؤية ليدين للمنطقة في تصديقه على سياسة "تأجيج" الشرق الأوسط عام 2002، حين كتب، داعماً غزو العراق: "لا يسعنا سوى أن نأمل في أن نحوِّل المنطقة إلى مرجل مستعر في أسرع وقت. لو كانت ثمة منطقة تستحق بقوة أن تُحوَّل إلى مرجل مستعر، فهي الشرق الأوسط اليوم".

وتتسق تلك الرؤية مع تفضيل إدارة ترامب للفوضى، والتراجع عن قراراتها، وتغيُّر الأولويات باستمرار. وفي الواقع، يمكن أن يُعزى الكثير من ذلك إلى الحيرة الحقيقية والعجز الساحق. ولا ينبغي أن نقلل من شأن هذا.

لكن، في الوقت ذاته، نحن أمام إدارة تتخذ قراراتها بناءً على أيديولوجيات متنافسة، ترى إحداها بسذاجة أنَّ تصعيد الفوضى في دول مثل سوريا يُعدُّ فرصةً استراتيجية.

لن يُخلع الأسد

لكن على الرغم من ذلك يبدو أنَّ الغرض الاستراتيجي من الهجمات ليس بالأساس بدء خلع الأسد. وقد رحّب معارضون سوريون بالهجمات، بعضهم قاتل في صفوف القاعدة، ويعارض بعضهم بشدة "داعش" والقاعدة، ومع ذلك يرغب الكثير منهم في استبدال دولتهم الإسلامية الخاصة بنظام الأسد.

لكنهم أيضاً يشيرون، وهم على صواب في ذلك، إلى أنَّ مجرد قصف قاعدة جوية واحدة سيحقق القليل؛ نظراً إلى أنَّ الأسد يشن ضربات جوية في سوريا من 26 قاعدة جوية على الأقل.

ويمكن أن نأخذ فكرة عمَّا هو على المحك حقاً من المباحثات التي أُجريت بين إدارتي نتنياهو وترامب في الأسابيع القليلة التي سبقت الهجمات. فبالنسبة لـ"إسرائيل"، "الخط الأحمر" الحقيقي في سوريا ليس استخدام الأسلحة الكيماوية، وإنما إمكانية تعدِّي حزب الله، من خلال النظام السوري، على الحدود السورية الإسرائيلية في هضبة الجولان، أو الحدود السورية الأردنية.

وأخبرت مصادر على صلة بالمباحثات صحيفة "هآرتس" بأنَّ نتنياهو يريد بناء "مناطق عازلة" على الجانب السوري من الحدود. وتستلزم الخطة أيضاً أن تنتقل ملكية هضبة الجولان السورية، بحكم الأمر الواقع، من سوريا إلى "إسرائيل".

وقد صادف أنَّ الفرع الإسرائيلي من شركة "جيني للبترول والغاز" الأميركية تُنقب حالياً عن البترول في هضبة الجولان بتصريحٍ من حكومة نتنياهو. ومن بين أعضاء إدارة شركة "جيني"، وحاملي أسهمها، روبرت مردوخ، الذي يملك علاقات وثيقة على نحوٍ مدهش بعائلة ترامب، وإمبراطورية عمله، وإدارته.

اللعب بالنار

هذه الرؤية لا تعُدُّ خلع بشار الحل الصحيح، بل تسعى فقط إلى تحجيم نفوذه في منطقة صغيرة تتركز في دمشق، ثم قطع مجال الدعم الروسي والإيراني لنظامه. وفي الوقت ذاته، يريد نظام ترامب استخدام الهجمات على سوريا كخطوة أولى ضمن استراتيجية لدَقِّ إسفين بين روسيا وإيران.

وبإهداء شبه جزيرة القرم إلى روسيا، تريد حكومة ترامب أن تقنع روسيا من ناحيةٍ أخرى بأن تتراجع عن تحالفها مع إيران في سوريا، لتمنح الولايات المتحدة مساحة نفوذ أكبر، تفرض من خلالها تسوية دبلوماسية تلائم أهدافها الجيوسياسية المشكوك فيها في المنطقة.

لكنَّ النتيجة النهائية لذلك هي الحفاظ على حالة عدم الاستقرار في سوريا، حالة لا ينتصر فيها فصيل دون غيره. فالولايات المتحدة تتساهل مع الأسد، لكنَّها في الوقت نفسه تُهدد بتغيير النظام، وتستهدف نظامه انتقائياً، دون اتخاذ أي إجراءات من شأنها الإطاحة به. وهي أيضاً تسمح للحلفاء الخليجيين بالاستمرار في دعم المعارضين السوريين الذين يختارونهم، من الجماعات العلمانية إلى الميليشيات الإسلاموية، التي يرتبط بعضها بـ"داعش" والقاعدة. وهي أيضاً تشن ضربات جوية ضد تنظيم "داعش".

تصرفات الولايات المتحدة حتى اليوم لن تهزم "داعش" ولا بشار، لكنها ستُطيل الحرب أثناء محاولة احتوائها. وهو منهج مُقدَّر له أن يهزم نفسه.

المشكلة أنَّ تكنيك كيسنجر هذا، المتمثل في "اللعب بالنار" من أجل الحصول على ما تريد، لا يعمل بنجاح. وبدلاً من ذلك، يميل إلى جعل الأشياء تخرج عن السيطرة. 

المصدر : هافينغتون بوست

109-3