التاريخ اليمني يهدد جغرافيا السعودية

الأحد ٢٧ سبتمبر ٢٠٠٩ - ٠٨:٣٥ بتوقيت غرينتش

هل حقاً يحرص آل سعود على استقرار ووحدة اليمن وهم يقدّمون دعماً لا محدود في المعارك الدائرة بين الجماعة الحوثية والجيش اليمني؟ ولماذا هذا الاستبسال السعودي في الدخول على خط المواجهات دونما حسابات للسريّة وكسر القاعدة المثيرة للسخرية (عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول)؟ هل تعيش العائلة المالكة في السعودية وضعاً حالكاً يدفع بها الى الانغماس في الشأن اليمني بطريقة سافرة، وكأن هناك مخاوف من زوال واقع بنته ودعمته لعقود طويلة؟.

كل تلك الاسئلة باتت اليوم مشروعة، فآل سعود يشعرون بأن اليمن الذي كان يوصي عبد العزيز أبنائه بأن يحظى باهتمام خاص، لأن خيرهم وشرهم منه، على موعد مع وقائع ميدانية تبعث على القلق..وليست الشرور الصادرة من اليمن بفعل يمني محض، بل هي نتيجة سياسات وممارسات سعودية مع أطراف يمنية في السلطة أنتجت ظواهر راديكالية داخلية وحتى عابرة للحدود..

يدرك اليمنيون تماماً بأن السياسات التي انتهجتها السعودية في اليمن هي المسؤولة المباشرة عن إجهاض مسيرته، وتهديد وحدته، وتصديع بنى استقراره. لم تضع معاهدة الطائف بعد حرب بين البلدين العام 1934 نهاية لتدخل سعودي في الشؤون الداخلية لليمن، فقد كان تفاوت الثراء بين البلدين محرّضاً لآل سعود على اعتبار اليمن حديقة خلفية يبدّلون ويعدّلون فيها ما يشاؤون. شاركت قواتهم في قمع انتفاضتي 1948 و1955، وبفعل دورها الفتنوي بعد حوادث سبتمبر 1962 سقط آلاف الضحايا في ما عرف بـ (حرب السبعين يوماً). وكانت العائلة المالكة تقرر من يبقى في السلطة ومن يخرج منها، بحسب القرب والبعد منها.

وحده اليمن الذي لديه حاكم ظل من العائلة المالكة في السعودية، ممثلاً في الأمير سلطان، العليل، والذي يدير من وراء كرسي الرئيس علي عبد الله صالح السياسات في الدولة اليمنية. ولأن السعودية تعرف درجة شهية حلفائها، فقد قبلت تحقيق رغبات الشهيّة طالما أن ذلك يجعلهم مجرد منفّذين لأوامر آل سعود.

ما يجري اليوم من تدخّل شبه سافر للسعودية في النزاع الداخلي في اليمن يأتي مدفوعاً برغبة الابقاء على مستوى النفوذ السعودي على حاله، كيما يسمح له بفرض شروطه في المعادلة السياسية اليمنية. كانت السعودية تؤمر فتطاع داخل الحكومة اليمنية، ولا تجد العائلة المالكة غضاضة في أن تطلب بعزل هذا المسؤول وتنصيب ذاك، وقد مارست ضغوطاً على الرئيس الحمدي لطرد الخبراء السوفيات واستبدالهم بأميركيين، وحين رفضت نظّمت سلسلة محاولات انقلابية بالتواطؤ مع شيوخ محليين..الأخطر في الأمر كله أنها تقرر متى تتوحّد اليمن ومتى تنقسم، ولطالما بذلت جهوداً لمنع الوحدة بين شطري اليمن، ولم تدعمها إلا لأن الوحدة ستأتي في صالحها، لأن الجنوب كان سيخرج من المعسكر الشرقي وسيقع في المعسكر الأميركي.

كانت تستفرد باليمن، لاعتقادها بأنه شبه مستعمرة سعودية، وتتم إدارته عبر المندوب السامي السعودي (الأمير سلطان)، ولذلك فإن ملف تدخلاتها العسكرية والسلمية السياسية والاجتماعية والاقتصادية ولضخامته الفارطة، أصبح يمنياً بامتياز، بمعنى التطابق بين الداخل والخارج في معادلة الحكم اليمني، فكل ما تقوم به السعودية من تدخلات صغرى وكبرى، تبدأ بدعم مرشحين للبرلمان اليمني، وتنتهي الى تغيير الرئيس الحاكم بانقلاب عسكري، ومروراً بالمصادمات الحدودية والنزاعات الاهلية والاغتيالات..

لا ترى في السيادة اليمنية حاجزاً أمام تدخلاتها، بل ترى في المجال الجوي والحدود البرية والبحرية مجرد مسارح مفتوحة أمامها للقيام بكل نشاطات تخدم مصالحها. لا نستغرب على الإطلاق ما قيل عن مشاركة طائرات حربية سعودية في معارك الجيش اليمني ضد الجماعات الحوثية، لأسباباب عديدة من بينها أنها ليست أول مرة تشارك السعودية بطائراتها الحربية في الشؤون الداخلية اليمنية، فقد قامت بذلك في الثمانينات والتسعينيات. ونقلت مصادر أوروبية أن الملك فهد أعطى أوامره الى طائرات حربية سعودية في الحرب بين شطري اليمن في التسعينيات، وبلغ الخبر للأميركيين فاتصلوا على الفور بالحكومة السعودية وطالبوها بإرجاع الطائرات أو سيتم اسقاطها بصواريخ أو طائرات أميركية.

الحرب اليمنية: ابحث عن السعودية
في دواخل اليمنيين كره شديد للسعودية، وعلى مستوى النظام بوجه خاص، ففي المجالس الخاصة يتحدّث المقرّبون من الرئيس علي صالح عن السعودية بطريقة ساخرة، وإن كانوا يتلفّتون حولهم، خشية أن يكون جهازاً للتنصّت قد وضع في مكان ما أو أن جهاز استشعار عن بعد قد التقط كلماتهم. في الشارع اليمني ليس هناك من يحمل مشاعر ود للعائلة المالكة، ويصف أحدهم السعودية بأنها (بطل لا يجيد الا قهر ذويه، فيما أمام العدو ذليلاً لا يستطيع أن يصنع شيئاً، بل يستسلم له) تأسيساً على المواقف السعودية من العدوان الاسرائيلي على غزة، وكذلك موقف قناة (العربية) التي يقول عنها (تحولت الى قناة للعدو الاسرائلي تبرر جرائمه وأفعاله..).

بالنسبة لليمني المسؤول والمستفيد، فإن قيمة السعودية بقيمة المال الذي