السعودية وفلسطين.. خسارة النفوذ والمكانة

الأحد ٢٧ سبتمبر ٢٠٠٩ - ٠٨:٤٩ بتوقيت غرينتش

حين تفجرت الصراعات بين الفلسطينيين والقوات البريطانية المحتلّة للأراضي المقدّسة، كان الملك عبدالعزيز مؤسس الدولة السعودية في أطيب حال، وعلى علاقة وثيقة مع الإنجليز، وممثلهم في جدّة. وكان دائماً ما يشير الى حبّه لبريطانيا، والى ممثليها الذين يتقنون اللغة العربية وليسوا (يرطنون) كما كان المبعوثون الاميركيون يفعلون!
الملك عبدالعزيز لم تكن تعنيه قضية فلسطين كثيراً، لا من الزاوية الدينية، ولا من جهة أنها أرض مقدّسة محتلّة. نعم هو اهتم بها لأنه كان في صراع مع الهاشميين وخاصة أمير شرق الأردن عبدالله بن الحسين، وكان يرفض أن تتحرر فلسطين من المحتلين البريطانيين إن كان تحررها سيزيد من رصيد الأردن وأميرها (ملكها فيما بعد)، بل أن الوثائق البريطانية تشير الى أن عبدالعزيز حذّر البريطانيين من إنهاء احتلالهم لفلسطين!

بعض الباحثين رأى بأن سياسة السعودية تجاه فلسطين ومنذ العشرينيات الميلادية الماضية وحتى قيام الدولة الصهيونية، كان مدفوعاً بصراعه مع الهاشميين. لم يكن الملك يأبه بإسلامية القضيّة، وهو لم يقم بشيء في هذا السبيل، بل أنه منع الفلسطينيين حتى من توزيع منشورات فلسطينية وكتب على الحجاج، وأمر مستشاره يوسف ياسين بأن يـ (سنّعها) أي يحرقها. الإنجليز كانوا يقولون ـ حسب وثائقهم في الثلاثينيات ـ أن تلك كانت (منشورات شيوعية)! أي أنها تحوي قدراً من التحريض على حليف عبدالعزيز (انجلترا).. وتحوي الوثائق البريطانية السنوية قدراً كبيراً من التفاصيل في هذا الشأن لمن أراد الرجوع اليها، وكيف أنهم كانوا يراقبون الحجاج الفلسطينيين لمنعهم من تحصيل النصرة من إخوانهم المسلمين.

جنود سعوديون في حرب 1948م
لم يستخدم عبدالعزيز مكانته لدى الإنجليز للتخفيف من آلام الفلسطينيين تحت الإحتلال، حتى بعد تزايد المصادمات مع العصابات الصهيونية وتكاثر أعداد المهاجرين الى فلسطين، بناء على السياسة البريطانية في خلق وطن قومي لليهود. وإزاء هذا، كان طبيعياً أن يعرض حاييم وايزمن، على الملك عبدالعزيز ـ ومن خلال مستشاره جون فيلبي ـ أربعين مليون جنيه استرلينياً مقابل المساعدة في تحقيق الحلم الصهيوني. وكاد عبدالعزيز أن يقبل بالأمر فعلاً، خاصة وأنه كان في ضائقة مالية، لولا أن احد مستشاريه (فؤاد حمزة) نبّهه الى المخاطر الكامنة وراء موافقته والتي قد تستثير حتى رعيته.

القادة الفلسطينيون كانوا يرسلون الرسل الى عبدالعزيز طالبين الدعم والنصرة، وكانوا يشرحون له خطورة الوضع، وكيف أن أعداد اليهود في تزايد، وأن حكومة الإنتداب البريطانية تمهد الطريق في كل سياساتها لذلك. لكن ابن سعود (عبدالعزيز) كان يقابلهم بأذن صمّاء، وكان ينصحهم بعدم الصراع والإصطدام مع بريطانيا التي كان يصفها بالمحبّة للعرب. وذات مرّة أرسل ابنه سعود (الملك فيما بعد) وذلك قبل اندلاع الثورة الفلسطينية الكبرى (1936ـ1939) ليطوف على الفلسطينيين للإطلاع والنصح، وكذلك للإلتقاء بالإنجليز هناك والذين رحّبوا به، وطلبوا اليه أن ينصح المتشددين الفلسطينيين ـ حسب رأيهم ـ بالهدوء. يومها أقيم احتفال في (عنبتا) حضره الشاعر الفلسطيني الشهيد عبدالرحيم محمود، الذي وقف فقال:

يا ذا الأمير أمام عينك شاعرٌ
ضُمّت على الشكوى المريرة أضلُعُه
المسجد الأقصى أجئتَ تزوره
أم جئتَ من قبل الضياع تودّعُه؟
حرم تباع لكل أوكع آبقٍ
ولكلّ أفّاق شريد أربُعه
وغداً وما أدناه لا يبقى لنا
دمعٌ لنا يهمي وسنٌّ نقرعه

من الواضح أن فلسطين كانت تشكل عبئاً سياسياً على آل سعود منذ اليوم الأول وحتى الآن. هم لم يروا منها ـ حسب رأيهم ـ إلا مصدراً للمشاكل. فهي من جهة تجرّدهم من شرعيتهم إن لم ينصروها؛ وهي تستثير حتى رعيتهم الذين انطلقوا للمشاركة في حرب 1948م كمتطوعين خلاف رغبة الحكومة وقد كان عددهم يفوق عدد الجنود الذين أرسلهم ابن سعود! ليحاربوا بأسلحة من القرن الثامن عشر (إقرأ كتاب الهزيمة الكبرى لأحمد الشقيري، أول رئيس لمنظمة التحرير الفلسطينية).

وقضية فلسطين بالنسبة لآل سعود أصبحت مشكلة داخلية رغماً عنهم، حين انطلقت المظاهرات في مدن عديدة خاصة الشرقية تندد بالإنجليز والإحتلال والأمريكان وغيرهم، بل زاد الأمر ووصل الى حدّ الإضراب عن العمل في حقول النفط في الأربعينيات والخمسينيات الميلادية الماضية. وأيضاً، فإن آل سعود نظروا الى الفلسطينيين في تلك الفترة، والذين جاؤوا للعمل أو للتدريس، كمصدر خطر (لازالوا ينظرون اليهم كذلك) ولهذا تلقى هؤلاء الاعتقال والطرد، واتهموا بالتحريض على اصدقاء المملكة من امريكان وإنجليز!، وهو ما كشفت عنه الوثائق البريطانية أيضاً وبصورة واضحة (أرشيف وزارة الخارجية).

كلّما اشتدّت المشكلة الفلسطينية، انزعج آل سعود، وكأنهم هم من يعاني من المقاومة الفلسطينية للمحتل البريطاني أو الصهيوني. وحين اندلعت الثورة الفلسطينية الكبرى في الثلاثينيات الميلادية الماضية، لم يساهم ابن سعود إلا في قتلها، حين ضغط على الثوار بأن يتوقفوا عن ا