عندما ضاقت الجزائر والمغرب بـ50 سوريا

عندما ضاقت الجزائر والمغرب بـ50 سوريا
الثلاثاء ٠٢ مايو ٢٠١٧ - ٠٤:٣٨ بتوقيت غرينتش

بينما استقبلت ألمانيا منفردة 800 ألف لاجئ سوري، ضاقت الجزائر والمغرب مجتمعَين بـ 54 لاجئا تسببوا في أزمة دبلوماسية بين البلدين، وصلت إلى استدعاء السفراء. هذا العنوان العريض لقصة ـ مأساة ـ حقيقية انتهت، ولو إعلاميا ومؤقتا، لكنها تخفي الكثير.

العالم - سوريا

المسألة هنا بوجهين. الأول يخص العلاقة الثنائية بين الجزائر والمغرب، والتي تتأرجح منذ ربع قرن بين سيئة وأسوأ، ولا يبدو أنه بقي في الدنيا شيء يستطيع إصلاحها. والثاني يخص مقاربة الدول "الشقيقة"، وبينها الجزائر والمغرب، لسوريا ومأساة شعبها. وهي مقاربة بائسة، تتأرجح بدورها بين سيئة وأسوأ، من الخليج (الفارسي) إلى المحيط.

أولاً لأن حكومتي الجزائر والمغرب، فوق أنهما غير جاهزتين (من كل النواحي والأصعدة) لموضوع اللاجئين السوريين (وغير السوريين)، تترصد إحداهما للأخرى بشكل لا يمكن أن يؤدي إلا إلى أزمة ويزيد الوضع سوءا.

كان بإمكان البلدين استقبال تلك المجموعة من اللاجئين وإيوائهم وترتيب حياتهم إلى نوع من الكرامة والأمان. وهناك فعلا لاجئون سوريون بالمئات يعيشون في البلدين، لكن كلتا الدولتين رفضتا الـ54، لأن الواحدة منهما تسعى للإساءة إلى الأخرى أمام الرأي العام الدولي من خلالهم وبهم.

وما سهّل الأزمة وعجّل بها، تمسكُ اللاجئين ذاتهم بالسفر إلى أوروبا، لأنها أكثر ضمانا لمستقبلهم ومستقبل أولادهم، وعملهم على تحقيق ذلك من الجزائر أو المغرب بحكم الجغرافيا.

قضية الـ54 هي حلقة أخرى من مسلسل صامت مستمر ضحاياه لاجئون أفارقة يتقاذفهم البَلَدان على خط حدودهما. هناك حرب حقيقية في مناطق الحدود ومساحات التهريب المستباحة بين البلدين، وقودها شبان أفارقة يصلون من دول الساحل إلى الجزائر ومنها إلى شمال المغرب أملا في التسلل نحو أسبانيا.

وإذا كان الوصول إلى الجزائر صعبا ويستغرق جهدا خارقا وزمنا طويلا، فالوصول إلى المغرب أصعب وأكثر تعقيداً بحكم الحدود المغلقة بين البلدين والتأزم المستمر في علاقاتهما، والذي يجعل من أولئك المساكين وقوداً وذريعة.

إذاً، هي حرب صامتة ومفتوحة، المهاجرون إحدى أدواتها الجديدة والمختلفة. فعندما تطرد الجزائر دفعة من المهاجرين أو تسيء معاملتهم، يسارع المغرب إلى استقبالهم أو إعلان استعداده لإيوائهم، ليس حبا فيهم أو رأفة بهم، بل نكاية في الجزائر وبحثا عن إحراجها أمام المنظمات الدولية. والعكس صحيح.

واقع الحال أنه لا أحد أفضل من الآخر. لا الجزائر جنّة للاجئين والمضطَهدين، ولا المغرب أرض الأحلام. ولا يتوقف هذا الحكم على حكومتي البلدين، بل ينسحب على المجتمعين الجزائري والمغربي وتشابههما في مقاربتهما السلبية للاجئين، من حيث معاملتهم وقلة إكرامهم وحتى اللغة البغيضة والمصطلحات السلبية المستعملة في وصفهم. هذا الواقع غير المرحِّب يجعل من البلدين مجرد أرض عبور، للأفارقة والسوريين معا، لن يبقى فيها إلا المكرَهون ممن تقطعت بهم السبل.

الوجه الآخر لهذه الحالة المخزية، هو درس يجب أن نقف عنده جميعا ونتوارثه جيلا عن جيل. إنه يخص معاملتنا كـ"أشقاء" لـ"أشقاء" آخرين دمرت حرب طاحنة حياتهم وحطمت أحلامهم وقضت على مستقبلهم.

عندما احتاج السوريون إلى مَن يسندهم ويخفف عنهم، اختفت فجأة كل مفاهيم الأخوَّة والدين والجوار والعرق والقومية التي صمّت أذاننا، رسميا وشعبيا، طيلة حياتنا. وحلت محلها الأنانية والجحود التي كان من نتائجها أن عدد من استقبلتهم الدول العربية والمسلمة مجتمعة من سوريين، يقل عن عدد من استقبلتهم ولاية ألمانية واحدة. وكان من نتائجها أن ملايين اللاجئين السوريين في أوروبا سبَّبوا لدولها وحكوماتها صداعا أقل بكثير مما سبّبه الـ54 للجزائر والمغرب.

يجب هنا استثناء تجارب الأردن ولبنان وتركيا، لأن هذه الدول استقبلت اللاجئين السوريين مضطرة ومكرهة. لو خُيّرت الدول الثلاث بشأنهم، لرفضت استقبال أي أحد وطاردتهم في الحدود. ولو استطاعت لأقفلت في وجوههم الحدود وأقامت الأسلاك الشائكة المكهربة. أما عندما استقبلت منهم مَن استقبلت بحكم الأمر الواقع، ها هي تسيء معاملتهم وتضيّق عليهم في الداخل، وتتاجر بمآسيهم أمام الخارج، وفيها من يبتز الحكومات الأوروبية بهم.

وما ساهمت به الدول العربية، منفردة أو عن طريق الجامعة العربية، ماليا لصالح اللجوء السوري في الداخل والخارج، لا يساوي شيئا أمام دور ومساهمة الاتحاد الأوروبي الذي تناهز أرقامه التسعة مليارات يورو.

أصلا لا يُعرف عن جهة عربية معلومة تنظم الأعمال الخيرية الموجهة للسوريين، إلا من جمعيات يتيمة مبعثرة هنا وهناك، ترعاها الحكومات في نهاية المطاف. ذلك أن الحكومات تتحكم في "فعل الخير"، أولاً، ولأن ثقافة عمل الخير الجماعي في المجتمعات العربية والمسلمة قليلة، وإن وُجدت فهي عقيمة، ثانيا.

فقط يجب أن يتذكر السوريون أنهم ليسوا وحدهم. الأفغان لم ينتظروا شيئا من "أشقائهم" في الدين عندما احترقت بلادهم. والصوماليون كذلك. والجزائريون توجهوا إلى فرنسا وأوروبا في تسعينيات القرن الماضي.

إنها محنة تتجاوز السوريين وأعمق من الخلاف الجزائري المغربي.

توفيق رباحي (كاتب صحافي جزائري) - القدس العربي

103-4