عباس يتطلع إلى "السلام" مع الاحتلال بمساندة ترامب!

عباس يتطلع إلى
الأربعاء ٠٣ مايو ٢٠١٧ - ٠٥:٤٣ بتوقيت غرينتش

فجأة، ومن دون مقدمات تفسر استذكار الموضوع الفلسطيني في هذه اللحظة السياسية الفاصلة بين عهدين أميركيين، بكل التطورات اللاحقة، عادت “القضية” إلى الواجهة، مجردة من قدسيتها، وكمسألة سياسية خاضعة للمزايدة والمناقصة، فلسطينياً وعربياً ودولياً ومن دون مقدمات، أعلن البيت الأبيض أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب استقبل رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس.

 العالم - فلسطين

وقال رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في مؤتمر صحفي مشترك نظيره الأمريكي دونالد ترامب في البيت الأبيض اليوم الأربعاء أن خيار الفلسطينيين الوحيد هو تحقيق "السلام" مع كيان الاحتلال على مبدأ الدولتين ضمن حدود عام 1967.

واضاف عباس : "جميع قضايا الوضع النهائي قابلة للحل بما يشمل اللاجئين والأسرى"، متابعا "أتطلع للعمل معكم للتوصل إلى تحقيق صفقة سلام تاريخية".

من جهته أعرب الرئيس الأمريكي عن التزامه بالعمل مع الفلسطينيين والإسرائيليين "لكي يعيش الجميع بسلام".

وكان عباس وصل واشنطن أمس في زيارة رسمية، يرافقه أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات والناطق الرسمي باسم الرئاسة نبيل أبو ردينة، وآخرون.

ماذا يمكن أن يعطي ترامب لهذا الضيف الطارئ عليه، والآتي من خارج جدول اللقاءات الروتينية للرئيس الأميركي؟ إن أي تحليل منطقي للمواقف والتطورات على الصعيد الأميركي في عهد الرئيس الجديد، غريب الأطوار، ينتهي إلى أن أهم ما يمكن أن ينتج عن هذه الزيارة هي الصورة التقليدية للرئيس الأميركي وهو يرحب بضيفه في المكتب البيضاوي.

فالولايات المتحدة الأميركية دولة عظمى، لا يقرر سياستها مزاج هذا الرئيس أو ذاك.. علماً بأن صلاحيات الرئيس محددة ومحدودة، وأي تصرف له أو قول من خارج هذه الحدود لا قيمة له عملياً.. فالقرار للمؤسسات في الإدارة، وفيها المخابرات بداية (وهي أجهزة شتى) والخارجية، وهناك الكونغرس بمجلسيه، حيث يتم النقاش وتحضير مناخ القرار.

ليس الرئيس الأميركي حاكماً مطلقاً فيقرر فيطاع.. ثم لماذا سيكون ترامب المضارب في البورصة والذي نشأ وترعرع في أوساط يسيطر عليها اللوبي الصهيوني وبيوت المال اليهودية، والذي شكل اليهود الصوت المرجح له في الانتخابات الرئاسية الأميركية.

لماذا سيكون هذا الرئيس الجاهل في التاريخ وفي السياسة الدولية متعاطفاً مع الشعب الفلسطيني وحقوقه في أرضه الوطنية، و”حاضنته” السياسية صهيونية أساساً، ومصالحه المالية مرتبطة باللوبي اليهودي.. ثم أن السياسة الأميركية لا يقررها شخص بمعزل عن عواطفه وآرائه. وإلا لكان باراك أوباما أجدر باتخاذ قرار جريء، من ترامب الجاهل بالتاريخ والمدين للنفوذ الصهيوني في أميركا ببعض الفضل في ترجيحه على منافسته هيلاري كلينتون.

بالمقابل، ماذا لدى الرئيس ـ الأسير محمود عباس ليقدمه من موقعه القيادي فلسطينياً للرئيس الأميركي ـ الذي لا بد يعرف أو يجد من يعرفه ـ إلى ما تعانيه حركة فتح من انقسامات وخلافات شلت قرار السلطة، التي لم تعد تجد المال الكافي لدفع رواتب موظفيها العسكريين والمدنيين.. والتي تعاني من عجز عن القرار، نتيجة الخلافات داخل السلطة، قبل الحديث عن “السلطة المنافسة” في غزة، والتي أكملت مؤخراً “الانفصال” عن السلطة المركزية في رام الله.

ثم أن الانتخابات المقرر اجراؤها لاختيار مجلس وطني جديد تنبثق عنه “حكومة جديدة” ترجأ كل ما حان موعدها مما يجعل “السلطة” مطعوناً في “شرعيتها”، ولو نظرياً.

فإذا ما افترضنا، جدلاً، أن الرئيس الأميركي متعاطف مع الشعب الفلسطيني أكثر من تعاطفه مع "إسرائيل"، وهذا محال، فما يملك ترامب ليعطيه لمحمود عباس غير الصورة في المكتب البيضاوي.. هذا إذا لم نقل أنه سيأخذ من هذا الضيف الفلسطيني الضعيف والآتي بطلب النجدة أكثر بكثير مما سيعطيه له.. مع الصورة التاريخية، التي لا تثمن ولا تغني من جوع، وإن نفعت في المباهاة بأنه لا يقل شأناً عن الملوك والرؤساء وأولياء العهود والأمراء العرب الذين زاروا الرئيس الأميركي فصافحهم وحادثهم والتقطت له معهم الصور التذكارية في المكتب البيضاوي في البيت الأبيض.

وهل من المنطق أن يطالب الرئيس الأميركي، كائناً من كان، بأن يكون متعاطفاً مع قضية الشعب الفلسطيني وحقوقه في أرضه، ودولة له فيها، ولو على بعضها، أكثر من الملوك والرؤساء العرب الذين لم يجرأوا في قمتهم الأخيرة على تبني مقررات قممهم السابقة، بل أنهم تحايلوا على تعديلها وتخفيف نصوصها بحيث “لا تستفز” الإسرائيليين، واستطراداً الرئيس الأميركي صاحب حق الامرة على كيان الإحتلال .

وهذه زيارات الرؤساء والملوك والأمراء العرب الذين سبقوا إلى الحج إلى البيت الأبيض شاهدة ناطقة.

في هذه الأثناء يستمر اضراب الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية للأسبوع الثالث على التوالي، وسط تعنت سلطات الاحتلال رفضها النظر في مطالب هؤلاء المعتقلين، وغالباً بلا محاكمة… في حين تواصلت حركة التضامن خارج المعتقلات معهم وقررت نخب من الشعب الفلسطيني أن تشارك رمزياً في دعم المضربين بأن تتوقف عن الطعام والشراب مكتفية بزجاجات من الماء والملح..

كذلك فقد انطلقت في مختلف أنحاء الضفة الغربية مسيرات تضامن ومساندة للمعتقلين المضربين عن الطعام والشراب في سجونهم، ومن المنتظر أن تتوسع هذه الحركة وأن تترك آثارها على التحركات السياسية، وبشكل خاص على الزيارة العتيدة لمحمود عباس إلى واشنطن.

المصدر: الشروق

106-3