لهذه الأسباب لا يمكن تقسيم سوريا.. حرب الطرق البرية

لهذه الأسباب لا يمكن تقسيم سوريا.. حرب الطرق البرية
الخميس ٢٥ مايو ٢٠١٧ - ١٢:٤١ بتوقيت غرينتش

صرفت الإدارات الأميركية السابقة مليارات الدولارات لتقسيم السودان ونجح التقسيم سياسياً، ولكن في دارفور سقط جغرافياً وإقتصادياً حيث فشلت واشنطن بربط جنوب السودان بالعالم الخارجي، وها هوجنوب السودان يعيش حرب أهلية طاحنة، وفي تركمنستان نجحت واشنطن بعزلها عن روسيا دون أن تتدخل روسيا ولكن حرب 15 عاماً في أفغانستان لم تنجح بتأمين طريق بري يربط تركمنستان بالعالم الخارجي ولازالت تركمنستان تثقل الكاهل الأميركي اقتصادياً ومصدر دخل لكل من روسيا وإيران الذين يقومون بشراء النفط منها، وكذلك آذربيجان والتي تتحدث الفارسية تمكنت واشنطن من وضع نظام عميل لها في هذا البلد وسلخه عن مصالحه مع روسيا وأرمينيا دون أن تحتج موسكو.. ولكن الفشل الأميركي في قره باخ ولاحقاً دخول القوات الروسية إلى جورجيا جعل من آذربيجان مصدر دخل لروسيا وايران ونقطة ضعف تثقل كاهل الإدارة الأميركية.

العالم ـ مقالات

حرب الطرق البرية
لوتمكنت داعش من السيطرة على دير الزور لقامت واشنطن بتغيير إسم داعش وبدأت عملية تقسيم سوريا وأصبحت دويلة داعش الوهابية ممر بري لتركيا وكردستان العراق إلى الأردن ومنه الخليج {الفارسي} وبالعكس، ولكن القيادة السورية وقبيل التدخل الروسي تدرك خطورة سقوط دير الزور فأرسلت نخبة القوات السورية لحماية المنطقة، في حين روسيا بعد تدخلها ساندت القوات السورية ليس فقط بالطيران الحربي بل بالمقاتلات الإستراتيجية بعيدة المدى وصواريخ كاليبر ووجهت لداعش ضربات ساحقة في رسالة مفادها أن روسيا بصدد القضاء على تنظيم داعش أياً كانت الكلفة، مما دفع تركيا إلى البدء بمراجعه الذات وخصوصاً أن عملية تطهير حلب وصعوبتها تمت بمساندة روسية عسكرية للقوات وإنسانية للمدنيين المحاصرين من داعش، على وقع تقدم الحشد الشعبي في العراق والجيش العراقي.

لا يمكن لتركيا أن تحيا بالبحر وحده
مع تحرير حلب ونشر قوات روسية في منطقة عفرين ومنع تركيا من الحصول على حلب ومنعها من ترحيل ومهاجمة عفرين وترحيل أهاليها زالت حصة تركية من الكعكة السورية وأصبح مصير كل من تركيا ومن خلفها البرزاني وحلفاء واشنطن بيد داعش التي تنهار والتي فشلت في خلق ممرات آمنة وفشلت في السيطرة على دير الزور، وما سبق ترك بيد واشنطن جزرة واحدة لأردوغان وهي حصة من نفط كردستان العراق، ومثل هذه الجزرة ليست مضمونة في ظل دعم أنقرة لحكومة برزاني وشنها حرب على الأكراد بذات الوقت، في حين أن أي حصة يمكن منحها لتركيا من نفط كردستان العراق لا تعادل الوجود التركي في الأسواق الأسيوية ولا تعادل الطرق البرية التي ستجازف تركيا بخسارتها في حال الإنعزال والموافقة على التقسيم وبالتالي في حال فشل داعش في تحقيق ما لم تستطيع القوات الأميركية تحقيقه أبان إحتلال العراق فإن خيار واشنطن الوحيد هو توسيع الحرب إلى حرب إقليمية غير مضمونة النتائج.

وتبقى المهزلة الأكبر هي ما يقوله قادة كردستان العراق والجيش الأميركي لقوات سوريا الديمقراطية عن إمكانية منح كردستان طريق إلى البحر المتوسط بعيداً عن سوريا وتركيا، متناسين وعود واشنطن لداعش وجبهة النصرة بالمضادات الجوية ومتجاهلين وعود واشنطن وحلفائها بإسقاط النظام السوري وغيره من الأحلام الأميركية التي تتحطم على الصخور السورية، ومتجاهلين الفشل الأميركي في ربط كردستان العراق بالخليج {الفارسي} والأهم متناسين أن واشنطن ليست اللاعب الوحيد في المنطقة ولا يمكن أن تستطيع تحقيق ما ترغب به، ومن شأن هذه المجازفة في المستقبل بعد القضاء على داعش أن تحول الشمال السوري والجنوب التركي إلى بركان ناري بسببه ستتكبد الشركات الأميركية خسائر فادحة في نفط كردستان.

خيارات في الجبهات السورية الثلاث
- جنوباً تمكنت واشنطن من قتل وتهجير آلاف السوريين في درعا والقنيطرة عبر عصاباتها المسلحة وتحويل مناطقها الآمنة لساحات صراع ولكن لم تنجح في تغيير الواقع الديمغرافي الذي يسمح لها بالتقسيم علماً بأن التدخل العسكري الأميركي لا يمكن أن يؤدي إلى تأمين ممرات برية وفي حال كان التدخل العسكري لحماية الإحتلال الإسرائيلي فهو ضرب من الوهم يعرقل أي مشاريع محادثات سلام وبالتالي يعرقل وصول الشركات الأميركية إلى سواحل المتوسط لاستخراج الغاز وبل مجازفة بتوسيع الحرب السورية إلى حرب إقليمية طاحنة ومجازفة باستقرار الأردن الحامي الحقيقي لكيان الإحتلال الإسرائيلي.

- شرقاً لا يمكنها القضاء على داعش دون روسيا وسوريا في حين قيام سوريا ببدء مطاردة داعش يضع واشنطن في ورطة ومحاولة الدخول من الأردن ومن الطبقة سيجعل القوات الأميركية وجهاً لوجه مع روسيا والجيش السوري وهذا السيناريو لا يختلف عن سيناريو شن عدوان مباشر على سوريا ونتيجته محسومة منذ العدوان على مطار الشعيرات.

- غرباً في إدلب لم يبق لواشنطن في جبهة إدلب أي خيارات سوى الإبقاء على المسلحين كأداه تخفيف عن داعش أو أداة ضغط على الحكومة السورية ومثلهم مثل مسلحي الغوطة الشرقية سيتم التجارة بهم عند أول نكبة أميركية في شرق سوريا.

وبالتالي وفي ظل الوضع الميداني القائم حالياً وصلت واشنطن إلى طريق مسدود لخياراتها وأملها الوحيد هو بتحويل المنطقة إلى بركان متفجر لايمكن للعالم تحمل تبعاته الإقتصادية والعسكرية، في حين أن مصير حلفائها في تركيا وشمال العراق وشمال سوريا مرتبط بوجود داعش.

وفي يوم وليلة تم تغيير اسم مقاتلي داعش في الطبقة إلى قوات سوريا الديمقراطية، فيما غادر الطبقة 70 داعشياً فقط، وبدأت قوات من تنظيم القاعدة بالزحف من الحدود الأردنية باتجاه البادية السورية وخلفها حشود عسكرية أميركية للترهيب.

ومن هنا يمكن طرح السؤال الأهم ماذا لوتغيير اسم داعش اواستبدل داعش بغير داعش بغض النظر عن الأسماء، وماذا لوتمكنت واشنطن من إحتلال طريق بري من الأردن إلى الرقة عبر أدواتها أياً كانت أسماء تلك الادوات (داعش، جبهة نصرة، هيئة تحرير الشام، جيش حر، جيش لحد)، وأياً كان الإسم فإن الجيش العربي السوري ومنذ سبع سنوات يقاتل أدوات واشنطن التي تسلحها واشنطن، وبمختلف تسمياتها وفق أولوياته الإستراتيجية، وحتى القوات التي أرسلتها مجددا واشنطن إلى البادية قام الطيران السوري بالترحيب بهم معلناً قواعد الإشتباك، وبالتالي تعود واشنطن للمربع الأول لا يمكنها حماية أدواتها الا عبر التدخل العسكري ضد الجيش العربي السوري، وبالتالي المواجهة مع روسيا.

ومن هنا يمكن طرح السؤال على أدوات واشنطن بدأً من داعش إلى أمراء النفط، لو أن واشنطن قادرة على الحرب ألم يكن ذلك أفضل قبل أن تكمل روسيا تحديث الدفاعات الجوية السورية؟؟ ألم يكن ذلك أفضل قبل التدخل الروسي في سوريا حين كانت سوريا بدون غطاء جوي جراء هجمات العصابات المسلحة على قواعد الدفاع الجوي؟؟ أم أنها تتفاوض لمكاسب صغيرة بما بقي لها من أوراق؟

لا يمكن لواشنطن إستبدال داعش الا بداعش
قامت واشنطن بتغيير إسم جبهة النصرة إلى هيئة تحرير الشام، ولكن لم تتمكن من إخفاء طابعها الإرهابي، لأن جوهر بقاء هذه التنظيمات على الوجود عدة عوامل، أهمها:

1- المقاتل الأجنبي وبحسب تقديرات الغرب عددهم يتجاوز 150 ألف في حال خروجهم من المعركة حسمت المعركة وبالتالي تغيير الأسماء لن يخفي المضمون كما حدث مع جبهة النصرة.

2- الأمر الأهم هو الإرهاب فهذه التنظيمات لا يمكن لها البقاء دون إرهاب، ومجرد الحديث عن تنظيمات غيرإرهابية فهذا يعني سقوط المعركة وعدم قدرة التنظيمات على رفد نفسها بالكوادر.

3- عامل المخدرات.. بغض النظر عن الذي يقدمه الإعلام لكن الجميع يدرك بأن هذه التنظيمات بدون المخدرت وحبوب الكبتاغون التي أثبتت فشلها في الجيش الأميركي ويتم استعمالها مع المرتزقة لا يمكن لها الاستمرار والقتال.

4- الإيدولوجيا الوهابية التي تضخ في عقول هؤلاء المقاتلين هي سبب بقائهم وتغيير الإيدولوجيا يؤدي إلى تفكيك هذه التنظيمات، وخصوصاً أن هذه التنظيمات جل ضحاياها من المسلمين.

وبالتالي عملية السيطرة على البادية السورية لربط الأردن بالرقة للسيطرة على طريق بري يمنح واشنطن أملاً في التقسيم عبر داعش مستحيل لأن وجود داعش يعني إستمرار الحرب، وبديل لداعش سيكون داعش، إلا إذا أرادت واشنطن جر الأكراد المرتبطين مع واشنطن إلى البادية وإشعال حروب قومية للتخلص من السكان العرب في الجزيرة السورية من الحسكة والرقة إلى دير الزور وصولاً للحدود العراقية، علماً بأن نقطة ضعف واشنطن أن تعتقد نفسها وحيدة في الساحة.

ماذا سيحدث لوتم إستبدال داعش بأكراد موالين لواشنطن
من شأن مثل هذا الخيار تشتيت قوة التنظيمات المدعومة من واشنطن في حال تم نقل المقاتلين الأجانب إلى إدلب ومليء الفراغ بمقاتلين أكراد موالين لواشنطن علماً بأن مثل هذا الأمر مستحيل كون الأكراد هم الأكثر عداء للإدارة الأميركية وخصمهم اللدود تركيا هي عضو الناتو ومدعومة من واشنطن وتشن غاراتها على الأكراد بغطاء ودعم أميركي، وبالتالي تشتيت التنظيم سينعكس على واشنطن نفسها، ويحتاج إلى إجراء عمليات تطهير عرقي وهذا الكلام قد أكدته مراكز بحوث أميركية تحدثت عن الفسيفساء السورية وصعوبة التغيير الديمغرافي بدون عمليات تطهير عرقي وبالتالي يصبح وكأنه تم استبدال داعش بداعش من نوع آخر غير قادر على حسم المعركة وبل هو مجازفة غير محسوبة النتائج لما سيؤدي التطهير العرقي في جبهة ما على جبهات أخرى، وبالتالي كما كان داعش والنصرة أدوات واشنطن سبب للعمليات الروسية في سوريا فإن واشنطن بذلك تكون منحت موسكو سبباً آخر لتوسيع نشاطها العسكري في سوريا علماً بأن الادارة الأميركية ستكون في ذات الخانة غير قادرة على الاعتراف بعملائها وتأمين الغطاء القانوني لهم، كما يحدث مع تنظيم القاعدة بمسمياته.

لاخيار إلا الحرب
جميع خيارات واشنطن ونسبة للواقع الديمغرافي والتوزع العسكري أياً كانت نتائج معارك مرتزقتها تنتهي بخيار واحد: لا تقسيم دون عدوان أميركي مباشر، والعدوان الأميركي المباشر في ظل تطوير البنية التحتية للدفاع الجوي السوري وتعزيزها وفي ظل شطب الأساطيل الأميركية من المعركة، مع كل يوم يمر يزداد تعقيداً، علماً بأن واشنطن حتى الساعه لم تستطع التخلص من تداعيات العدوان على مطار الشعيرات الدولي، وبغض النظر عن أن واشنطن إعلانها الحرب على سوريا له معنى واحد وهو إعلان الحرب على روسيا، فإن دخولها في حرب في منطقة الشرق الأوسط ليست فقط غير مضمونة النتائج بل في ظل توتر الأوضاع في شبه الجزيرة الكورية سيتم اعتبار العدوان على سوريا مقدمة للعدوان على كوريا الديمقراطية وربما تقوم كوريا بتوجيه ضربات استباقية على القوات الأميركية في الخليج {الفارسي} واليابان وجنوب كوريا، ولن تنتظر واشنطن لتنتهي وتعد العدة للحرب عليها.

خيارات حلفاء واشنطن
في حين تعتقد واشنطن أن الضغط على روسيا في سوريا سيجعل موسكو تتراجع في أوكرانيا أو تدعم العدوان السعودي على اليمن أي انها تستثمر المرتزقة بجميع فئاتهم في أوراق خارج سوريا، في حين يصر الروس على أن الأميركي يجب أن يتوقف مطلقاً عن محاولات تغيير الأنظمة بالقوة، وروسيا في القضية الأوكرانية مرتاحة جداً وإذا أرادت واشنطن تغيير الوضع في أوكرانيا يجب التراجع عن نتائج الإنقلاب العسكري الذي حدث في أوكرانيا والكف عن دعم النازيين الجدد، وأن تتوقف عن محاولة تغيير النظام السوري بالقوة، وأن تفهم بأنه لا حلول عسكرية، وإلى أن تفهم واشنطن ذلك القضاء على أدوات واشنطن في سوريا مستمر أياً كانت أسمائهم إرهابيون معتدلون أو إرهابيون غير معتدلون، وكل من يرفض وقف إطلاق النار والقبول بالعملية السياسية في كل سوريا، في حين إصرار واشنطن على استثمار الإرهابيين في سوريا للضغط على موسكو في ملفات أخرى قد يدفع موسكو إلى التحرك على ساحات أخرى وبشكل مفاجيء في رد فعل عكسي.

* كفاح نصر ـ جهينة نيوز (بتصرف)

104-1