معركة البادية السورية: التقدّم أسرع من القدرة على الهضم!

معركة البادية السورية: التقدّم أسرع من القدرة على الهضم!
الإثنين ٢٩ مايو ٢٠١٧ - ٠٦:٣٠ بتوقيت غرينتش

"تقدم سريع ومتوازي على مساحات واسعة، استطلاع جوي دقيق، تحميل ومتابعة ومراقبة لكل اتصالات "داعش" وخططه وطرق تنقله، كل ذلك أعطى الجيش السوري وحلفاءه مساحات مناورة وأفضلية في التحكم بمسرح العمليات وإدارته، مع إفقاد "داعش" لأهم ميزة في طرق إدارة معاركه التي لطالما اعتمدها، والتي تقوم على الضرب بقوة وبكثافة، والزج بأعداد بشرية ووسائط نارية متنوعة لإضعاف نقاط يختارها في أي جبهة، ليحقّق من خلالها خرقاً يخوّله التقدم والانقضاض والتوسع في مراكز مدن وتجمعات سكنية، تفعل فعلتها فتسبب حالات انهيار وهروب وخوف للمدنيين، يكون انعكاسه على القوات المدافعة سلبياً، الأمر الذي يفقد القوات التي تتعرض للهجوم قدرتها على الصبر والصمود والقتال".

العالم - مقالات

هذه هي الخطة التي يعتمدها الجيش السوري وحلفاؤه في إدارة المعركة الأهم على الجغرافيا السورية، معركة البادية التي تهدف كما بات معلوماً الوصول إلى الحدود العراقية، منعاً لسيناريو العزل الذي تسعى واشنطن وحلفها العربي الغربي لجعله أمراً واقعاً، غايته قطع التواصل بين أضلاع محور المقاومة الأربعة.

أما الهدف الأعظم والأسمى لهذه المعركة بالنسبة للجيش السوري، فهو منع تقسيم سوريا، وهو ما يتقاطع في المحصلة مع أهداف الحلفاء عبر إفشال محاولة قطع التواصل بين سوريا والعراق وضرب التواصل بين أركان محور المقاومة الأربعة.

إذاً، ماهي الصورة على الأرض، ماذا حققت القوات لمنع السيناريوهات السابقة؟

يتقدم الجيش السوري وحلفاؤه من أربع جبهات: الجبهة الشمالية في ريف حلب الشرقي، والجبهة الجنوبية من ريف السويداء الشرقي، وجبهة ريف القلمون الشرقي، مع الدفع بتعزيزات ضخمة الى تدمر.

هذه الجبهات بلغ مسرح عملياتها أكثر من 800 كم، وهي العملية العسكرية الأضخم التي تشهدها سوريا منذ بدء الحرب قبل أكثر من ست سنوات، وحررت القوات حتى يوم أمس ما يزيد على 13 ألف كيلو متر مربع من الأراضي.

مصدر عسكري كشف لآسيا أن قوات الجيش السوري وحلفاءه تتسابق حالياً في الجبهات الأربع لتحقيق مزيد من التقدم والسيطرة، إن كان في ريف حلب الشرقي، أو شمال جبال الشومرية، أو محيط آبار النفط والغاز في حيان والآراك، أو على طريق السخنة التي باتت مرشّحة وبقوة لتكون هدفاً أولياً لقوات الجيش والحلفاء، مع استمرار تقدم القوات من القلمون الشرقي وشرق السويداء باتجاه معبر التنف الحدودي.

المصدر أوضح أيضاً "أن العملية العسكرية التي تم الإعلان عنها، انطلاقاً من الجنوب السوري باتجاه الحدود السورية مع العراق، والتمدد السريع الذي رافق تصريحات بعض القادة المحسوبين على الأردن والولايات المتحدة، وخاصةً القوات العشائرية التي تم تدريبها وتأهليها لمسك الحدود السورية العراقية، وإيجاد جدار عزل تريده الولايات المتحدة، تبيّن وبشكل سريع أنها مهلهلة وضعيفة – رغم الدعم المقدم لها - وبالتالي لايمكنها تنفيذ هكذا خطة، لأنها تحتاج لأكثر من 100 ألف مقاتل، مع دعم كبير بالعتاد والسلاح وتكاليف مالية ضخمة، بسبب اتساع المساحة المطلوب السيطرة عليها، وظروف القتال في المناطق الصحراوية، ونوعية القوات وتجهيزاتها، وهذا يحتاج لتدخل أمريكي مباشر، أو سعودي - أردني وبقوات ضخمة، وهو ما لن يحدث بسبب حساسية الموقف الدولي والعربي، فأي احتكاك مباشر مابين قوات هذه الدول مع الجيش السوري وحلفائه، سيفجّر حرباً من الصعب السيطرة عليها، وهي أكبر من طاقة الأردن أو السعودية على تحملها.

على المقلب الآخر، تستمر العمليات العسكرية في الجانب العراقي، وسط انتصارات متسارعة للحشد الشعبي، رغم كل الضغوط التي تُمارَس عليه لوقف عملياته العسكرية باتجاه الحدود السورية، إلا أن قادة الحشد يصرّون على تطهير كامل المنطقة والدخول ربما إلى الأراضي السورية ومطاردة داعش، بتوافق وتنسيق كامل مع الحكومة السورية.

المصدر يعترف بأنه إذا ما استمرت العمليات العسكرية بهذه الوتيرة، من المتوقع حدوث انهيار كبير ل"داعش" في مناطق واسعة، قد تكون أكبر من قدرة الجيش على إيجاد نقاط ارتكاز فيها، مما سيضطره إلى تخفيف وتيرة العمليات لحين إيجاد قوات تثبيت، تستطيع حماية المناطق المطهرة والحفاظ عليها.

إذاً، تلال حاكمة، وطرق إمداد، ومراكز سيطرة وتحكم، وغرف عمليات وعزل وتطويق قوات "داعش"، وبسرعة تنفيذ وتحرك كبيرين، هي الخطة التي تم اعتمادها من قبل الجيش السوري وحلفائه، ما أفقد "داعش" قدرته على المناورة، ونقل القوات التي طالما تميز بها، أو عمليات الإلتفاف والخرق بطريقة التسلل المباغت، كل هذه المحاولات أو المناورات أُحبطت وبشكل مدروس وجعلت "داعش" ينهار في عشرات القرى والتجمعات السكنية، مما أعطى الأولوية للجيش والحلفاء في اختيار الأهداف بأريحية وتوسيع نطاق السيطرة بأكثر مما هو مخطط فعلياً على الأرض.

على الجبهة الشمالية يسعى الأمريكي لتمكين "قوات سورية الديمقراطية" من الهيمنه على مناطق ومواقع استراتيجية أساسية من الشمال السوري تكون رقماً صعباً في أية مفاوضات قادمة تحرج الحكومة السورية، وتجلعها تفقد أهم مرتكزات الصمود الإقتصادي و(النفط والزراعة والمياه) من خلال السيطرة على السدود وآبار النفط والغاز وحتى على الأراضي الزراعية الخصبة ومنشآت الري الضخمة التي بنتها الدولة السورية خلال عشرات السنين، حيث يستفيد الأمريكيون من علاقاتهم ببعض الوسطاء مع "داعش" في تنسيق مباشر أحياناً وغير مباشر أحياناً أخرى، لتنسيق بعض التحركات العسكرية، أو الانسحابات في بعض الجبهات، كما حدث أول أمس من خلال الأرتال التي قامت القوات الروسية يتدميرها بعد رصد اتصالات ما بين الوحدات الكردية و"داعش" لتأمين انسحابهم من مدينة الرقة، وفسح المجال لهم لمعاودة الهجوم على تدمر، لكن الإنذار الروسي كان شديداً ومباشراً، بالقول والفعل.

وزارة الدفاع الروسية أعلنت أن سلاح الجو الروسي قتل أكثر من مئة وعشرين مسلحاً من داعش كانوا في طريقِهم من الرقة إلى تدمر، وذلك بعد فتح "قوات سوريا الديموقراطية" طريقاً آمناً لمسلحي التنظيم للخروج من الرقة، وفق اتفاق يبدو أن واشنطن دبّرته. وأكدت الوزارة أنها ستتصدى بحزم لأي محاولات من قبل المسلحين للتحرك نحو تدمر.

المعركة في أوجها، هي معركة كسر إرادات بين حلف أمريكا الذي يسعى بكل ما أوتي من قدرات وإمكانيات وخبث لكسبها، وحلف سورية وحلفائها الذي يمتلك هو الآخر مقدرات لا يُستهان بها، لكن الأهم هو أنه على يقين بأن هذه المعركة هي معركة وجودية بالنسبة له، بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى، معركة ستجيب مجرياتها القادمة على السؤال الذهبي: أكون أو لا أكون!

*علي حسّون - آسيا

114-2