المدنيون هم أكبر ضحايا "داعش" وأمريكا

المدنيون هم أكبر ضحايا
الثلاثاء ٣٠ مايو ٢٠١٧ - ٠٥:٥٠ بتوقيت غرينتش

يتشابه خطابا “داعش” وامريكا ازاء “المهمة” التي يعتقدان ان “الاقدار” اختارتهما للقيام بها، وهي الدفاع عن “الانسان” لإدخاله الى الجنة على الطريقة “الداعشية”، او دفعه للايمان بالديمقراطية الغربية على الطريقة الامريكية، بينما الذي حدث ويحدث هو ان هذا الانسان ذبح من الوريد الى الوريد بسكين “داعش”، وتمزقت اوصاله بقنابل وصواريخ امريكا.

العالم - مقالات

منذ دخول امريكا الى المنطقة عام 2003، وحتى قبل ذلك بوقت طويل، خاصة بعد زرع الغرب “اسرائيل” في قلب العالم الاسلامي، فقد الملايين من البشر ارواحهم وسلامتهم، كما شُرد اضاعفهم في بقاع الارض، بذريعة الدفاع عن حقوق الانسان ونشر الديمقراطية الغربية بين شعوب المنطقة، حتى وصلت الفوضى التي اختلقتها امريكا في منطقتنا الى الحد الذي اخذ شبح التقسيم يلوح في افق العديد من بلدانها.
في المقابل ظهرت جماعات مسلحة تحمل الفكر التكفيري كعقيدة، ساهمت امريكا في صناعة العديد منها بالتواطؤ مع قوى اقليمية، لاستخدامها ضد الاتحاد السوفيتي السابق، الا انها وبعد انتهاء مهمتها انقلبت على مُصنّعيها، ورفعت راية “الجهاد” ضد امريكا والدفاع عن المسلمين، الا ان المسلمين حصرا كانوا ضحايا هذه الجماعات، وفي مقدمة هذه الجماعات كانت القاعدة، التي خرجت “داعش” من رحمها، ففاقت جرائمها بحق المسلمين جرائم القاعدة وكل التنظيمات التكفيرية الاخرى، حيث بلغ ضحاياها في سوريا والعراق وباقي البلدان العربية والاسلامية، الملايين بين قتيل وجريح ومشرد.
الملفت ان مصادر التحالف الدولي ضد “داعش” والذي تقوده امريكا، اعترفت رسميا بان اكثر من 450 مدنيا قتلوا منذ بدء حملة القصف العام 2014 ضمنهم 105 قتلى في الموصل في 17 آذار/مارس الماضي، الا ان مجموعة الصحافيين “ايرورز″ ومقرها لندن التي تجمع الارقام التي يعلن عنها، اعتبرت عدد الضحايا 3681 على اقل تقدير.
قبل ايام بررت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية سقوط هذا العدد الكبير بين المدنيين، بالحرية التي مُنحت للقادة العسكريين الأمريكيين لاتخاذ قرارات بشأن الغارات الجوية، وذلك في الأيام الأخيرة من إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، وهو اتجاه تعزز هذا العام في ظل إدارة الرئيس دونالد ترامب.

بعد تجاوز عدد القتلى بين المدنيين ارقاما كبيرة وجه عدد من المسؤولين الأمنيين الأمريكيين السابقين رسالة إلى وزير الدفاع جيمس ماتيس في مارس/آذار الماضي، محذرين من أن الخسائر المدنية يمكن تأتي بنتائج عكسية لامريكا.
امام هذه الحقائق الدامغة التي لا يمكن انكارها، لم يجد وزير الدفاع الامريكي جيم ماتيس الا الاعتراف بهذه الجرائم عندما قال انه:”لا مفر من سقوط ضحايا مدنيين في الحرب على الجهاديين في سوريا والعراق وان امريكا تبذل كل ما في وسعها انسانيا لتفادي ذلك”!.
اعتراف ماتيس المتأخر جاء بعد ان قتلت امريكا 105 مدنيين على الاقل في غارة شنتها الطائرات الامريكية على مبنى في مدينة الموصل العراقية في السابع عشر من اذار مارس الماضي.
اما ضحايا “داعش” في اي بلد وطأته اقدامها، خاصة في العراق وسوريا، فهم مدنيون بالمطلق، ولا تحتاج “داعش” لذريعة لقتل المدنيين، فهذه الذرائع جاهزة كالشرك والكفر والارتداد ومخالفة اوامرها نواهيها والتعاون مع الطواغيت، والملفت ان “داعش” هي التي توثق جرائمها بحق المدنيين بالصوت والصورة، لذلك لسنا بحاجة للبحث والتحقيق في جرائم “داعش”، كما في جرائم امريكا التي كثيرا من تحاول واشنطن التستر عليها.
المدنيون الذين تدعي امريكا و”داعش” الدفاع عنهم في صراعهما “الاستعراضي” منذ سنوات، هم ضحية هذا الثنائي، الذي يسعى كل واحد منهما لاطالة امد الصراع بهدف تحقيق اجندتهما، وهي اجندة واحدة في الحقيقة، من خلال قتل عدد اكبر من المدنيين وزرع الفوضى بالبلدان العربية، بدليل رفضهما تدخل اي طرف اخر يسعى لوقف حمام الدم، وهو ما ظهر جليا من خلال قصف الطائرات الامريكية للقوات السورية التي تحاول الاقتراب من الحدود العراقية لمحاصرة “داعش” والقضاء عليها نهائيا، كما حدث في منطقة التنف الحدودية مع العراق، وهو ما جعل قوات الحشد الشعبي العراقية تسعى للوصول الى الحدود مع سوريا بهدف محاصرة “داعش” والتنسيق مع الجانب السوري، بعد ان استشعر الحشد خطورة النتائج الكارثية للعبة الامريكية “الداعشية” الجهنمية على مستقبل العراق وسوريا والمنطقة بشكل عام.

* شفقنا

208