الغاز الأميركي يُشعل قطر

الغاز الأميركي يُشعل قطر
الخميس ٠٨ يونيو ٢٠١٧ - ٠٤:٥٥ بتوقيت غرينتش

لو شاءت الولايات المتحدة الأميركية أن تُحدث تغييراً في دولة قطر، سياسياً أو عسكريا لفعلت. يكفي أن أهم القواعد العسكرية الأميركية في المنطقة هي قاعدة العديد الموجودة في قطر. ليست بحاجة واشنطن لأي ضغوط سعودية-خليجية -مصرية كي تُلزم الدوحة بتنفيذ أجندة سياسية محددة. الأميركيون قادرون على إلزام القطريين باتباع نهج سياسي يخدم واشنطن بمجرد الإشارة. لكن ماذا فعلت قطر كي ترفع الرياض شعار تأديب الدوحة وإخضاعها؟

العالم ـ مقالات وتحليلات

في السنوات الماضية خاض القطريون غمار قلب النُظم السياسية في دول عدة، وخصوصا في مصر وسوريا. لم تكن الدول الخليجية باستثناء سلطنة عمان بعيدة عن التوجه القطري، رغم التمايز في الأداء بين عواصم خليجية والدوحة التي بدت رأس حربة في خوض معركة إسقاط الأنظمة خدمة لحراك "الإخوان المسلمين". كان القطريون في العهد الماضي يخططون لتشكيل مساحة عربية ممسوكة. دفعوا الأموال الطائلة، وخاضوا مواجهات سياسية ودبلوماسية وإعلامية عنيفة أدت لمزيد من العنف في ساحات عربية. دعموا "جبهة النصرة" في سوريا وفتحوا مكاتب لحركات اسلامية متشدّدة في الدوحة، وظّفوا في مؤسساتهم رجال دين وفكر أمثال الشيخ القرضاوي وعزمي بشارة. وأصبحت الفتاوى السياسية والدينية تصدر من قطر. لم تطمئن الرياض للدور القطري. هما في الأساس لا ينسجمان تاريخياً مع بعضهما. يعتبر السعوديون أن القطريين يلعبون ادواراً أكبر من أحجامهم. لكن الدعم الأميركي كان يمنع الآخرين من المساس بقطر. فكانت الدوحة مع الكل، هي داعمة لحركة "حماس" ضد الإسرائيليين، وتقيم علاقات دبلوماسية وسياسية مع تل أبيب. هي تحمي قادة "حماس" في دارها، وفي نفس الوقت تستقبل أو يزور مسؤولون فيها تل أبيب. هي إلى جانب المقاومة اللبنانية في حروبها مع الإسرائيليين كما بان في حرب تموز، ولكنها كانت جسراً جوياً أميركياً لإيصال السلاح إلى تل أبيب. كانت تؤدي دوراً تفاوضياً دولياً لا يُبعدها عن إبقاء الخطوط مفتوحة مع الإسرائيليين، لكن حكّامها أول من زاروا الضاحية الجنوبية لبيروت تضامناً، وساهموا في إعمار قرى جنوبية دمرها العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006.
كان أميرها السابق حمد بن خليفة صديق الرئيس السوري بشار الأسد، يهوى دمشق التي باشر فيها قبل الأزمة بناء قصر يطل على دمشق من ناحية الغرب، لكنه كان أول من انقلب عليه الأسد ووظف قناة الجزيرة التي يملكها لإسقاط الرئيس السوري. هي سابقت السعوديين على لعب دور في لبنان إلى حد فرض اتفاق الدوحة عام 2008. لكن هذا الاتفاق لم يلغ اتفاق الطائف السعودي. حاولت أن ترث دوراً سعودياً في ساحات عربية عدة، وتسابق الرياض في دول افريقية وفي العلاقة مع الأوروبيين. هي حاولت أن تحتل الدوحة موقعاً شبيها بدبي الإماراتية. لكن ظروف وطبيعة القطريين وقلة أعدادهم واحتواء الدوحة لقوى إسلامية متشددة وعوامل أخرى منعت قطر من سباق الإمارات العربية. لم تستطع الدوحة أن تسرق دور ووهج سلطنة عُمان التي تمايزت بأدائها الصامت الفعّال، فلم تخض السلطنة حروباً سياسية ولا إعلامية وبقيت تؤسس لسلام الدول. لم تقدر الدوحة أن تكون فعّالة كما السعودية، ولا جاذبة كما الإمارات، ولا وسيطة موثوق بها وفاعلة كما سلطنة عُمان.

إذاً ما سر قطر؟ لماذا الحملات عليها لتطويعها؟
لا يقتصر الأمر على دور قطري منحاز للأنظمة الإسلامية من تركيا إلى إيران عبر دعم "الإخوان المسلمين". ولا حول تدخل قطري في سوريا وليبيا، ولا حول انحياز الدوحة لحركة "حماس". كل ذلك دأبت على ممارسته قطر منذ زمن بعيد. لم تُستفز الرياض من الدوحة يومها، على الأقل علنيا. لكن منذ أشهر انخرطت الدوحة بدور تفاوضي مفتوح مع الإيرانيين والأتراك حول سوريا، أدى إلى إبعاد "جبهة النصرة" عملياً إلى ادلب، وسحب المقاتلين من أرياف دمشق وحمص وصولاً إلى حلب. حجة القطريين أن المشهد السوري تغيّر، وأن جماعات السعودية يشاركون في مفاوضات آستانة وجنيف (جيش الإسلام). فسارعت قطر إلى حجز دور لها في مرحلة جديدة. عرفت الدوحة أن الانظمة هي نحو الترميم، وأن محوراً روسيا-تركيا-إيرانياً بات الأكثر فعالية في المشرق العربي. إطلعت قطر بدور حول العراق عندما رصدت قتال الأميركيين إلى جانب مجموعات {حليفة للجيش السوري} وصلت أخيراً إلى بعاج، وتخطط للوصول إلى معبر القائم بين سوريا والعراق، وأن القتال على أشده ضد "داعش". إطلع القطريون على مسار الميدان السوري الذي لم يُنتج تغييراً ضد دمشق بعد سنوات ست. لعبت الدوحة دورها المعهود في مسك العصا من منتصفها، لحماية مجموعات تحضنها منذ 2012. مدّت جسوراً مع روسيا وإيران بمساندة وتشاور وتنسيق مع تركيا لحفظ دور بعد إسقاط حليفها في مصر(نظام الإخوان).
كل ذلك استفز السعوديين. لكن الأسوأ بالنسبة إلى الرياض هي الحرب التي يُقال أن الدوحة تخوضها ضد ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. هناك من يروّج أن قطر تدعم ولي العهد محمد بن نايف في سباق الأميرين لوراثة العرش السعودي. هذا ما استفزّ الرياض التي بقيت تترقب ضوءاً أخضر أميركيا لاح بعد زيارة الرئيس دونالد ترامب. فلماذا وافقت واشنطن على "تأديب" قطر؟
لا يهم الأميركيون ما يقوم به القطريون أو ما يستفز السياسة السعودية، ولا يكترث ترامب أساساً لدور الدوحة ولا للسباق القطري-السعودي. لكن الرئيس الأميركي يريد جني الأموال المنقولة وغير المنقولة عبر ضرب مصالح قطرية دولية لصالح واشنطن، وليس من أجل الرياض.

كيف ذلك؟
إذا كان ترامب استحصل على مليارات سعودية، فهو قادر على الاستحصال من الدوحة على مليارات أيضاً، لكن التخطيط الأميركي هو أبعد من الحصول الآني على تلك المليارات. الغاز القطري ينافس الإنتاج الأميركي الذي يتصدر إلى جانب أستراليا دوليا. المخطط الآن هو الوصول إلى نسف "شركة قطر" وضرب إنتاجها لصالح غاز أميركي يتحكم بسوق واسعة بعدها. هنا يؤمِّن ترامب مساحة تحصيل مالي ضخم يفوق ما ناله من الرياض.
تلاقت مصالح السعوديين والمصريين والإماراتيين مع توجهات الأميركيين. كل فريق "يثأر" من قطر لأسبابه. ليبقى المسار ضبابيا: هل تعود الدوحة إلى الظل في الخليج الفارسي تحت قيادة سعودية كما هي البحرين؟ أم تأمين مصالح واشنطن يُعيد لقطر وهجها؟ فلننتظر.

المصدر: النشرة

104-4