جيش سوريا ينقل المواجهة من الدفاع المتحرك الى الهجوم الاستراتيجي الشامل

جيش سوريا ينقل المواجهة من الدفاع المتحرك الى الهجوم الاستراتيجي الشامل
الأحد ١١ يونيو ٢٠١٧ - ٠٤:١٠ بتوقيت غرينتش

بوصول وحدات الجيش السوري الى خط الحدود السورية – العراقية، نكون بكل تأكيد امام بداية مرحلة مختلفة تمامًا بكل تفاصيلها ونتائجها القادمة، وخلال تقييم القادة العسكريين الروس للواقع الميداني في سوريا كان واضحًا الثقة الكبيرة في تصريحات القادة الذين اجمعوا على دخول الحرب في سوريا مرحلة بداية النهاية، ووصفوا ما يحصل بأنه مقدمة الإعلان النصر، وهو ما جاء ببيان القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة السورية ايضًا الذي اكد ان وصول الجيش السوري الى خط الحدود مع العراق هو تحول استراتيجي في مسار الحرب.

العالم - مقالات

وبناءً على التطورات الجديدة، اجد انه لا بد من استعراض سريع للمرحلة السابقة ما بعد انتصار حلب للتذكير ان اجماعًا حصل بيننا وبين الخبراء في الجهة المعادية ان من يربح معركة حلب سيربح الحرب ليس في سوريا فقط وانما في كل المنطقة، فمعركة حلب في بعدها الحقيقي كانت معركة كسر ارادات وكنا متأكدين من طبيعة المتغيرات الجيوسياسية التي ستليها. فعلى مستوى الجغرافيا ها هو الجيش السوري يستعيد ويحرر آلاف الكيليومترات المربعة ابتداءً من معركة ريف حلب الشرقي، حيث تم بناء خط جبهي بعمق كبير منع القوات التركية من التقدم نحو الجنوب باتجاه الرقّة، ونتج عنه اخراج التركي من قلب المعادلة بنسبة كبيرة وألزمه بالمشاركة في لقاءات آستانة حتى لا يتكرر الأمر نفسه معه في ادلب واريافها، وهو متغير سياسي كبير لا يمكن تجاهله بالرغم من محاولة الأتراك القيام بمناورات تملص وافلات لن تجدي نفعًا ما يعني انهم سيجدون انفسهم مضطرين اكثر للإستدارة نحو روسيا وايران وايضًا سوريا، خصوصًا ان اميركا باعدت كثيرًا بينها وبين تركيا من خلال التبني المطلق للقوات الكردية التي للأسف تنغمس اكثر كل يوم في المشروع الأميركي الذي يعيش مراحل صعبة بسبب الإنتصارات المتلاحقة في سوريا والعراق.

وإن كنا حتى اللحظة نتخوف من امكانية استخدام اميركا للجماعات الإرهابية في ضرب اتفاقية "مناطق خفض التصعيد" واعادة اشعال المواجهات في محيطها كتدبير يساعد من وجهة النظر الأميركية على اعاقة الجيش السوري في اكمال عمليات البادية وتشتيت الجهد القتالي للجيش، وهو امر وارد الى حد كبير بفارق ان اميركا تفاجأت البارحة بوصول الجيش السوري الى خط الحدود العراقية ولم تستطع فعل اي شيء حيال الأمر، حيث اشرنا سابقًا ان الجيش السوري وحلفاءه لم يكونوا بوارد الدخول في صدام مباشر مع القوات الأميركية على اتجاه التنف، وان عمليات التقدم النقطي للجيش السوري في هذا الإتجاه لم تكن في الحقيقة الا عمليات اشغال للقوات الأميركية لإجبارها على البقاء في حالة استنفار وتوتر، في حين ان الجيش السوري الذي بات قادرًا على القيام بمناورات في مختلف الإتجاهات نفذ عملية اندفاع خاطفة وسريعة بالسيطرة على جبل غراب ومن ثم الإندفاع لاحقًا الى خط الحدود دون ان تتمكن القوات الأميركية من فعل اي شيء.

الآن يمكننا القول ان التحول الكبير في وصول الجيش السوري ينتظر اكتمال السيطرة على خط الحدود السورية – العراقية بشكل كامل، حيث تتزامن العمليات على الجانبين السوري والعراقي وهو العامل الأهم في تحقيق نتائج سريعة وهامّة.
الأهم فيما حصل ان نتائجه المتوسطة والبعيدة المدى ستكون كارثية على الكيان الصهيوني، حيث ان تثبيت طريق الربط من طهران الى بيروت لأول مرة منذ قيام الجمهورية الإسلامية سينشئ خط الإمداد البري الإستراتيجي الذي سيغير من شكل ومضمون الصراع بكل ابعاده وحتى تفاصيله.

على المستوى الميداني، بات واضحًا ان "داعش" الموضوع في الطوق والذي يعاني من امكانية ربط قواته نتيجة فقدانه المتتابع لخطوط امداده وبنتيجة تعرض ارتاله للضربات الجوية الروسية المتلاحقة لن يستطيع الصمود كثيرًا، فهو على وشك الهزيمة الكاملة في الموصل وفي مدن المنطقة الشرقية السورية من خلال عمليات الإندفاع السريعة للجيش السوري وحلفائه والجيش العراقي والحشد الشعبي والتي ينتج عنها تقطيع اوصال مناطق سيطرته. ففي الصحراء والبادية ستتحول قواته الى مجموعات تائهة، حيث شكّلت سيطرة الجيش السوري على خط الحدود عائقًا بوجه التنظيم الإرهابي من امكانية انسحابه بمساعدة اميركية، وهو ما سيصبح معقدًا اكثر على التنظيم بعد تطوير الجيش العراقي عملياته في منطقة الأنبار.

وضع القوات الأميركية والقوات المدعومة منها في المنطقة ما بين خط سيطرة الجيش السوري شمال التنف وشمال شرق السويداء بات يشبه وضع الأتراك في مدينة الباب وجرابلس لجهة عدم قدرتهم على التحرك الا من خلال الحدود الأردنية، وهو ما يجعل هذه القوات عديمة الفائدة في الجانب الميداني الا اذا قامت اميركا بسحبها عبر الأردن وزجها في محاور القتال على اتجاه درعا واتجاهات اخرى في الجنوب السوري، في محاولة لإعاقة الجيش السوري ومنعه من تغيير خرائط السيطرة في الجنوب وهو امر وارد.
ميدانيًا ايضًا سنشهد في المرحلة القادمة استكمال افراغ الجيوب التي لا يزال "داعش" يسيطر عليها شرق مدينة السلمية وجنوب اثرية وجنوب مسكنة، تمهيدًا لرسم الخط الجبهي من جنوب مسكنة مرورًا بالسخنة وصولًا حتى نقاط تمركز الجيش الحالية في شمال شرق التنف، اضافة طبعًا الى التقدم من شمال التنف ومن تدمر باتجاه منطقة حميمية ومحيطها والتي انسحبت منها القوات الأميركية والبريطانية لعدم توفر شروط تثبيت وتمركز ملائمة.

إنّ رسم خط الجبهة القادم سيسبقه تقدم القوات من مسكنة بمحاذاة منطقة خناصر جنوب غرب ومن اثرية جنوب شرق باتجاه جبل الصوانات والسخنة التي ستكون هدفًا من اتجاه تدمر ايضًا، اضافة الى دفع القوات باتجاه ريف السلمية الشرقي لإنهاء تواجد "داعش" في جبل بلعاس وجبل شاعر وعقيربات كبرى معاقله في المنطقة.
مع الإنتهاء من معالجة الجيوب سنكون امام اتجاهي هجوم، احدهما من شمال التنف شمالًا بمحاذاة خط الحدود وصولًا الى البوكمال وهي نقطة التقاء الجيش السوري مع الحشد الشعبي العراقي عند معبر القائم من الجهة العراقية، والثاني من السخنة باتجاه دير الزور التي ستكون مع الميادين والبوكمال ساحة المعركة الأكبر من معارك البادية السورية.
خلال الأيام القادمة سنكون امام عمليات تثبيت نقاط السيطرة الجديدة وربطها ببعضها لتبدأ عمليات مختلفة تمامًا عمّا شهدناه خلال ست سنوات من الحرب على سوريا، وخلال ثلاث سنوات من الحرب على العراق.

عمر معربوني - "شام تايمز" عن "بيروت برس"

2-4