ام المعارك: الحدود السورية – العراقية ومستقبل التوازنات في المنطقة

ام المعارك: الحدود السورية – العراقية ومستقبل التوازنات في المنطقة
الأحد ٠٢ يوليو ٢٠١٧ - ٠٥:٣١ بتوقيت غرينتش

تكتسب الحدود السورية - العراقية أھمية لكل الأطراف الدولية والإقليمية التي تتسابق للسيطرة على مناطقھا، نظرا لأھميتھا وأبعادھا الاستراتيجية. فما يحصل على الحدود السورية – العراقية، من البادية السورية إلى "البوكمال" مرورا بنقطة الاشتباك الحامية في التنف، سيقرر مستقبل التوازنات الاستراتيجية الحساسة في المنطقة كلھا.

العالم - مقالات وتحليلات

فالتعزيزات الأميركية المرسلة الى "معبر التنف" عند المثلث الحدودي السوري- العراقي – الأردني، وتزويد قاعدة عسكرية موجودة ھناك بنظام مدفعية متطور مخصصة للأھداف البعيدة المدى، وظھور قائد فيلق القدس في حرس الثورة الإيرانية اللواء قاسم سليماني عند نقطة الحدود السورية ـ العراقية (من جھة العراق)، وزيارة وفد عسكري سوري رفيع المستوى الى بغداد للتنسيق في شأن "أمن الحدود"، كلھا مؤشرات ومقدمات الى مواجھة عسكرية كبرى واستراتيجية اسمھا "معركة الحدود السورية – العراقية".

من جھتھا، تسعى الولايات المتحدة وحلفاؤھا للسيطرة وتعزيز قبضتھا على ھذه المنطقة الاستراتيجية. وتميل أيضا إلى السيطرة على المعبرين الحدوديين الواقعين بين سوريا والعراق وذلك من أجل التقدم نحو منطقة البوكمال وھزيمة تنظيم "داعش". السيطرة على المنطقة الشرقية لسوريا تحقق لواشنطن جملة أھداف استراتيجية، على رأسھا قطع خطوط التواصل البري لإيران عبر الحدود مع العراق حتى شاطئ المتوسط، وإكمال الطوق حول "إسرائيل" من جنوب لبنان إلى الجولان. كما أن المنطقة غنية بالنفط تعزز موقع الممسكين بھا في مواجھة الآخرين، اقتصاديا وعسكريا. وتريد أميركا أيضا السيطرة على طريق دمشق بغداد لملاقاة "قوات سوريا الديمقراطية" (الكردية) التي تدعمھا بأسلحة أميركية، وذلك استعدادا للانقضاض على تنظيم "داعش" في الرقة ودير الزور، ومن أجل تقليص قوة إيران وحلفائھا في ھذه المنطقة.

لكن، أھم ھدفين للإدارة الأميركية الجديدة ھما إيقاف أو الحد من تطور برنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية، وحصر الانفلات الإيراني في المنطقة، وتحديدا عبر منعھا من فتح ممر بري يصل حدود إيران الغربية بالبحر المتوسط عبر العراق وسوريا، مع التركيز على إنھاء وجود إيران وحلفائھا من المناطق المحاذية للجولان.

وسيبقى موضوع القضاء على تنظيم "داعش" على قمة أولويات الإدارة الأميركية الجديدة، والھدف لن يكون القضاء عليه فحسب، وإنما السيطرة على أراضيه ومنع إيران وحلفائھا من احتلالھا واستخدامھا في بناء الممر البري نحو الساحل السوري. تتوقف أوساط دبلوماسية متابعة لتطورات الملف السوري في المثلث الحدودي "السوري - العراقي – الأردني" عند ثلاث مسائل أساسية:

١-الازدواجية الروسية لجھة فتح خطوط اتصال وتعاون في الاتجاھين الأميركي والإيراني. وفي ھذا الإطار تندرج المحادثات الأميركية - الروسية - الأردنية التي بدأت في عمان منذ منتصف أيار الماضي وأسفرت عن الاتفاق على مذكرة تفاھم ثلاثية، فيھا مبادئ "المنطقة الآمنة" جنوب سوريا، وتحديدا في درعا وريفھا، في وقت لعبت موسكو دور الوسيط بين واشنطن من جھة وكل من طھران ودمشق لرسم خطوط التماس قرب حدود العراق، ما أسفر عن تفكيك قاعدة الزقف الأميركية شمال معسكر التنف.

٢-الأداء الأميركي الذي يعاني للمرة الأولى منذ وصول ترامب الى البيت الأبيض من ارتباك وعدم وضوح ينعكس على مصداقيته عند الحلفاء الذين بدأوا يشككون في مدى قدرته على تنفيذ ما يعلنه ويعد به، وخصوصا لجھة الطريقة التي يتصرف بھا الأميركيون في مواجھة التمدد الإيراني من العراق الى سوريا عبر الحدود.

وھذا يعني أن ترامب غير مسيطر على إدارته وھناك ازدواجية ومركزان للقرار في واشنطن: ترامب وفريقه من جھة و"الدولة العميقة" (الاستخبارات والأمن والدفاع) من جھة أخرى، وھذا يعني أن ترامب واقع تحت تأثير الدولة العميقة وليس إلا واجھة لحكم يديره فعلا ويقرر فيه الجنرالات.

الارتباك الأميركي في القرارات السياسية والعسكرية، ليس ناجما عن تخطيط مسبق، بل عن غيابه. والتحركات الاميركية تفتقر إلى خط ناظم يرسم استراتيجية واضحة ويحدد الأولويات وتداخلاتھا، والعلاقة بسائر الفرقاء على الأرض، لا سيما روسيا وإيران، سلبا أو إيجابا.

وبالتالي فإن الدينامية التي رفعت وتيرة ھذه الحرب كانت انطلاق السباق المحموم لوراثة تركة "داعش"، مع اقتراب ھزيمته في الموصل وبعدھا في الرقة. الأمر الذي أدى إلى فتح شھية جميع المتصارعين على تقاسم خريطة بلاد الشام في غياب أي تفاھم بين الكبار، وارتفاع حدة المواجهات التحذيرية بينهم. فهذه ليست المرة الأولى التي تخاطب فيھا موسكو واشنطن بلھجة تحذيرية، حصل ذلك قبل أشھر عندما ضربت الطائرات الأميركية مطار الشعيرات. وقبل أسابيع عندما وجھت الطائرات الأميركية ضربة ضد قوات سورية نظامية لوقف تقدمھا مع حلفائھا باتجاه معبر التنف الحدودي مع العراق.

ويحدث الآن بعد إسقاط الولايات المتحدة طائرة سورية قرب الرقة، إذ ردت موسكو بغضب على ھذه العملية واعتبرتھا تصعيدا خطيرا ودعما للإرھابيين الذين تزعم واشنطن أنھا تحاربھم. وحذرت موسكو من تبعات سلبية وأعلنت تعليق العمل بمذكرة سلامة التحليق في الأجواء السورية الموقعة مع واشنطن. في الواقع، لم يكن الإسقاط الأميركي للطائرة السورية التطور الأبرز.

فقد حجبه وتقدم عليه تطور آخر غير مسبوق وتمثل في إطلاق إيران صواريخ بالستية "أرض أرض" يبلغ مداھا 7000 كيلومتر على أھداف لتنظيم "داعش" في دير الزور، وھذه ھي المرة الأولى التي يطلق فيھا الحرس الثوري صواريخ بالستية متطورة من الأراضي الإيرانية الى جھات خارجية في سياق عملية عسكرية، والھدف المعلن لھذه الرسالة الصاروخية ھو الرد على ھجمات "داعش" في طھران والثأر لـ 18 إيرانيا سقطوا فيھا.

وهذا يعني أيضاً أنه من الأفضل أن يكون القتال ضد "داعش" خارج حدود إيران وليس داخلھا. الرسالة الإيرانية تطال أيضا المملكة السعودية لإشعارھا بأنھا واقعة في نطاق صواريخھا، مع العلم أن الاتھام الإيراني الأول بعد ھجمات طھران وجه الى السعودية، كما تطال بشكل غير مباشر "إسرائيل" التي اعتبرت نفسھا معنية بعرض القوة الإيراني الذي يرسل إشارة تحذير لھا، وكذلك الى دول الخليج (الفارسي) وأميركا.

وھذه الرسالة، التي تؤكد أن خطر إيران لا يكمن في سلاحھا النووي وإنما في سلاحھا الصاروخي الذي يُشكل نقطة تحول في المعادلات على مستوى المنطقة. على خلفية كل ھذا تبدو المساحة الممتدة من الحدود السورية - العراقية وجنوبا إلى الحدود الأردنية، ساحة لمواجھة استراتيجية لن تقرر مستقبل الوضع السوري فحسب، بل مستقبل التوازنات الإقليمية في ظل حدود الدور الإيراني، ورسم الأدوار والحصص الأميركية والروسية في المنطقة. وكلھا تطورات لا تبشر بقرب تسوية سياسية بقدر ما تضيف مزيدا من الزيت والتعقيدات إلى الحروب المستعرة والمستنقع المفتوح، وتوسع دائرة الترابط بين أزمات المشرق، من حدود العراق الشرقية إلى شاطئ المتوسط. وقد تكرس تقسيما غير معلن لبلاد الشام لا يقف عند حدودھا.

سركيس ابو زيد - العهد

2-4