الفقراء المصريون يعانون كثيرا وأبناء الطبقة الوسطى يصبحون فقراء

الفقراء المصريون يعانون كثيرا وأبناء الطبقة الوسطى يصبحون فقراء
الثلاثاء ٠٨ أغسطس ٢٠١٧ - ٠٧:٥٢ بتوقيت غرينتش

قالت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية إن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يغامر بتقليص الدعم الحكومي على الغذاء والوقود ورفع الأسعار وزيادة معدلات التضخم، ويأمل أن تقود تلك الخطوات لانتعاش اقتصادي وتوفير مزيد من فرص العمل وجذب الاستثمارات الأجنبية قبل أن تُسحق شعبيته تماما بين المصريين.

 

وفي تحقيق مطول أكدت الصحيفة أن غالبية المصريين ورغم الظروف المعيشية الطاحنة باتوا يتخوفون من النزول للشوارع في احتجاجات عارمة، بعد التجربة التي خاضتها مصر في ثورة يناير 2011 وما تبعها من انهيار اقتصادي، على حد قول الصحيفة.

إلى نص المقال..

يقلص الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي دعم الغذاء والوقود، الذي عانى كثيرا من الإهدار والفساد، في رهان كبير على انتعاش اقتصادي لم يتجرأ أحد من سابقيه على الإقدام عليه.

 العلاج الاقتصادي بالصدمة، جنبا إلى جنب مع الانخفاض الحاد لقيمة العملة، يزعزع اكبر دولة عربية تعدادا للسكان. قفز سعر الوقود بـ 50% في يونيو، وتضاعف سر الغاز المنزلي، وارتفع معدل التضخم السنوي لـ 30%.

 يراهن السيسي في وقت تتأكل فيه المدخرات وتنكمش القوة الشرائية على أن تظهر الثمار المرجوة- توفير أماكن عمل جديدة، واستثمارات أجنبية ونمو- قبل أن يؤدي الألم الاقتصادي لانفجار اجتماعي في مصر، التي منحت الثورة التي شهدتها عام 2011 الإلهام لما سمي “الربيع العربي”.

 “الفقراء يعانون كثيرا، وأبناء الطبقة الوسطى يصبحون فقراء”، قال أسامة هيكل، نائب موالي للحكومة يتخوف من تأثير برنامج التقشف.

 يشبه طارق قابيل، وزير التجارة والصناعة الاصلاحات الاقتصادية بالمضادات الحيوية. “يجب تناول الجرعة كاملة”، قال في حديث، “لا يمكن تناول قرص واحد والتوقف”.

 تقليص الدعم أحد الشروط التي حددها صندوق النقد الدولي في اتفاق منح مصر قرض بقيمة 12 مليار دولار لمساعدتها في إحلال الاستقرار الاقتصادي بعد سنوات من انعدام الاستقرار.

 تصل كلفة دعم الوقود والغذاء إلى أكثر من 11 مليار دولار سنويا، أي 18% من ميزانية مصر الحالية، حتى بعد التقليصات الأخيرة. وتشكل أحد العوائق أمام النمو الاقتصادي، الذي تباطأ في السنوات التي تلت الثورة. فقوانين العمل لا تسمح تقريبا بفصل العمال، والمنظومة القضائية غير موثوقة، والبيروقراطية الحكومية تخنق أية مبادرة. بالإضافة إلى أن لدى الجيش اقتصاد مواز لا يتم الحديث عنه.

 صحيح أن تقليص الدعم يضع مصر على طريق حل التشوهات الاقتصادية، لكنه يسبب في نفس الوقت الألم ويخلق المخاطر، بحسب وزير الخارجية السابق نبيل فهمي، الذي يعمل اليوم أستاذا بالجامعة الأمريكية بالقاهرة. “ينطوي ذلك على تكلفة بالطبع”، يقول. “المشكلة الآن هي :”هل تكون الثمار أو العائد كبير بما يكفي؟ هل سيكون لدينا وقت كاف لرؤية هذه العوائد؟”.

 الاستثمار في البنى التحتية

تقوم الحكومة أيضا بالاستثمار في بنية الكهرباء والمواصلات، وتتبنى خططا لتسهيل افتتاح الشركات والمصانع، وحصول رجال الأعمال على الأراضي. وكذلك يزيد السيسي، وزير الدفاع السابق، الدور الضخم أساسا للجيش في الاقتصاد.

دول الشرق الأوسط، ومن بينها حتى الأنظمة الملكية الثرية كالكويت، تخطط أيضا لإصلاحات اقتصادية لخلق فرص عمل كافية لخدمة السكان الذين تتزايد أعدادهم.

على الجانب الآخر من البحر الأحمر، يحاول ولي العهد السعودي الجديد محمد بن سلمان، تطبيق برنامج طموح، وإن كان أقل ألما، لتقليل اعتماد المملكة على النفط. في أبريل ألغى تدابير تقشفية على خلفية الصراع على السلطة في القصر الملكي وتصاعد الاضطرابات العامة.

السيسي الذي يخوض انتخابات العام المقبل، قضى على غالبية المعارضة السياسية والمعارضة المنظمة لنظامهم منذ أن أطاح بأول رئيس منتخب في مصر، محمد مرسي من الإخوان المسلمين عام 2013.

الإعلام في مصر مكبوح الزمام، وجرى حجب مواقع انترنت مستقلة خلال الشهور الأخيرة. وثمة تشريع جديد يربك عمل منظمات غير حكومية ويخفي الحجم الحقيقي للغليان الشعبي. تقول الحكومة إن القيود ضرورية لمحاربة الإرهاب والتطرف، وهي المزاعم التي ترفضها منظمات حقوق المواطن.

الاستقرار الحالي مثل شخص يقف على حافة بركان على وشك الانفجار. “لا أحد يمكنه التنبؤ متى يحدث ذلك”، قال عبد المنعم أبو الفتوح، سياسي إسلامي معتدل، حصل على 17% من الأصوات في الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة المصرية عام 2012.

“إذا حدث ذلك فلن تكون ثورة لأبناء الطبقة الوسطى كما حدث في 2011”، قال أبو الفتوح “في الظروف الحالية، أكثر ما أخشاه أن تحدث فوضى. وإذا ما حدثت حالة من الفوضى في مصر فلن تشكل تهديدا على المصريين فحسب، وإنما على المنطقة بأسرها وعلى الغرب”.

5 أرغفة خبز

يقف ملايين المصريين يوميا على أبواب المخابز الحكومية لشراء خمسة أرغفة خبز بأقل من 2 سنت أمريكي، وهو جزء صغير من تكلفة الدقيق. ويشمل دعم الغذاء نحو 80% من الأسر المصرية. وتعوذ جذور الدعم للحصص الغذائية التي كانت توزع في الحرب العالمية الثانية.

 يسقي الفلاحون محاصيلهم بواسطة مضخات تعمل بالسولار الذي بات يباع أيضا بعد زيادة سعره بـ 77 سنت للجالون، أقل من ثلث سعره للمستهلك في الولايات المتحدة.

 على مدى سنوات طال الفساد هذه المنظومة من خلال البيع غير الشرعي للغذاء والوقود والغاز المدعم على يد موظفين حكوميين لمشترين في مصر والخارج، بحسب متحدثين حكوميين.

في 1977 حاول الرئيس أنور السادات وقتها التغلب على مشكلة الدعم عندما شرع في الانفتاح الاقتصادي والتخلي عن ذلك الموروث الاشتراكي- القومي لسابقه، جمال عبد الناصر. وأمر السادات في إطار اتفاق للحصول على قرض من صندوق النقد بتقليص دعم الخبز والسكر وزيت الطهي.

 أشعل البيان تظاهرات حاشدة وتسبب في شل الدولة. قتل العشرات، وسارع السادات لإلغاء القرار.

 تعلم خليفته حسني مبارك الدرس. في 30 عام من حكمه، لم يمس الدعم، حتى عندما تبنى إصلاحات كالخصخصة واتفاقات التجارة الحرة.

 نجمت ثورة يناير 2011 في جانب منها من الغضب حول الفساد وعلاقة الثروة بالسلطة التي واكبت تحرير الاقتصاد في عهد مبارك. تميل السياسات العامة للحنين إلى سياسات ناصر الاشتراكية.

 العديد من أصحاب الأعمال الكبار أودعوا السجون، وعادت اتفاقات الخصخصة للوراء، وانهارت السياحة- التي تمثل النصيب الأكبر من الاقتصاد- عندما توقف السياح عن زيارة مصر. مع تراجع الاحتياط الأجنبي، أضر العجز في الوقود والكهرباء كثيرا بالاقتصاد.

 بعد الفوز في انتخابات 2012، وافق الرئيس مرسي مبدئيا على تقليص الدعم وفرض ضرائب جديدة خلال المفاوضات مع صندوق النقد على قرض بقيمة 4.8 مليار دولار. لكن الاحتجاج الشعبي أجبره على التراجع، وأضر كثيرا بشعبيته التي عانت من ميل الحكومة للتعصب الديني. قدمت الدول الداعمة لمرسي، لاسيما قطر وتركيا لمصر مليارات الدولارات في صورة قروض.

 أطاح السيسي بمرسي في 2013 واتجه إلى مؤيديه في المنطقة- الإمارات والسعودية والكويت. ضخت دول الخليج الفارسي هذه، التي خشيت من العدوى بالربيع العربي وكانت متحمسة لكبح زمام نفوذ الإخوان المسلمين، ضخت عشرات المليارات من الدولارات للعمل على استقرار الاقتصاد المصري. لكن في العام الماضي، وعلى خلفية توترات بين القاهرة والرياض (بما في ذلك حول مسألة الجزر بالبحر الأحمر)، أُغلق هذا الصنبور أيضا.

 مع العجز المتضخم وتراجع الاحتياط الأجنبي، لم يكن لدى مصر خيار سوى بلع الدواء المر لصندوق النقد.

 عوم السيسي الجنيه المصري، الذي فقد على الفور نحو نصف قيمته أمام الدولار. بعدها وقعت حكومته على اتفاق تحصل بموجبه على 12 مليار دولار من الصندوق في نوفمبر، تضمن تعهدات بتقليص دعم الغذاء والوقود.

 “لديهم شجاعة، لكنها شجاعة تحت ضغط”، قال محسن خان، زميل أبحاث في المجلس الأطلسي والمدير السابق لصندوق النقد في الشرق الأوسط وأسيا الوسطى. وأضاف “كانت خياراتهم محدودة للغاية”.

 الهدف الحكومي إلغاء الدعم تماما في فترة بين 3 إلى 5 سنوات، بحسب قابيل وزير التجارة والصناعة، الذي قال “أفضل شيء  يمكن القيام به هو إلغاؤه تماما، لكن لا يمكن القيام بذلك اليوم لأنه من المستحيل إصلاح مشكلة عمرها 40 عاما في يوم واحد”.

 بدلا من توريد الطعام والوقود المدعم لغالبية المصريين، تعمل الحكومة على تقديم المساعدات النقدية للأفراد على أساس الاحتياجات، وبشكل أعم، ورفع الحد الأدنى للأجور والمعاشات.

 قال قابيل :”لا يفترض أن يكون الدعم ملاءة تغطي كل السكان، هناك أشخاص ليسوا بحاجة للدعم”. ترشيد المنظومة سوف يسمح بمزيد من الإنفاق على الصحة والتعليم والتنمية الصناعية.

 “الغلاء طال كل شيء”

لكن من الصعب التسويق لهذا الشعار لدى المصري العادي. في طابور أمام مخبز حكومي بحي المعادي بالقاهرة، اشتكى سيد محمد السيد، موظف حكومي على المعاش، ووافقه الآخرون.

يقول السيد إن زيادة معاشه الشهري الأخير بـ 100 جنيه (5.63 دولار) لم تجد نفعا أمام التضخم. “لا نعرف كم من الوقت يمكننا التحمل. كل شيء طاله الغلاء بشكل مخيف. وما الذي نحصل عليه كتعويض مقابل هذا الغلاء؟ لا شيء”.

في حي شبرا الفقير بالقاهرة، لا يقل غضب فاطمة حسان 35 عاما، أم لطفلين. يبلغ دخل أسرتها 4500 جنيه شهريا، ما كان يمنحها مستوى معيشة مريحا قبل عام. أما الآن يمكنها بصعوبة توفير الاحتياجات الأساسية كما تقول.

“في الماضي لم نضيق على أنفسنا في الطعام، والفسح والملابس”، تقول حسان. “في نهاية العام الماضي بدأنا في التخلي عن أشياء ضرورية. الآن لم يعد لدينا ما نتخلى عنه”.

وتقول إن الزيادة الأخيرة في أسعار غاز الطهي والزيت والسكر تهدد بتجويع الأسر. “لا نعرف ماذا نفعل. هل يريدون منا أن نبدأ في سرقة البنوك؟”.

نجيب ساويرس إمبراطور الإعلام وأحد أبرز رجال الأعمال في مصر يرى أن الدولة عندما توفر أموال تقليص الدعم، وتكون أسعار السلع الرئيسية قريبة من سعر السوق، يمكنها وقتها مساعدة الفقراء أكثر بشكل نقدي. وتابع “الناس بحاجة إلى من يشرح لهم أين الضوء في نهاية النفق، ليكونوا قادرين على تحمل المزيد من تدابير التقشف”.

الفوضى التي اجتاحت مصر والدول العربية الأخرى بعد الربيع العربي تجعل جهود السيسي للإصلاح أقل خطرا. الكثير من المصريين الذين رأوا الانهيار الاقتصادي وانهيار القانون والنظام بعد ثورتهم عام 2011، يخشون الآن- رغم التقشف الحاد- من الخروج للشوارع مجددا. أشعلت الجولة الأخيرة من تقليص الدعم في يونيو القليل من الاحتجاجات.

“يعاني الناس بشدة من الوضع الاقتصادي الرهيب وارتفاع غلاء المعيشة”، قال يونس مخيون، زعيم حزب النور السلفي، “لكنهم يرون أيضا ما يحدث في دول مجاورة- سوريا وليبيا والعراق- ويخشون من أن تسلك مصر نفس الطريق”.

 المصدر : وطن

112