هل تقود التهديدات بين واشنطن وبيونغيانغ إلى حرب نووية؟

هل تقود التهديدات بين واشنطن وبيونغيانغ إلى حرب نووية؟
الخميس ١٠ أغسطس ٢٠١٧ - ٠٣:٢١ بتوقيت غرينتش

تتصاعد حدة التوتر بين الولايات المتحدة الأميركية وكوريا الشمالية بعد تهديد الرئيس الأميركي دونالد ترامب الثلاثاء لبيونغيانغ بأن أي تهديدات أخرى لبلاده "ستُقابل بنار وغضب لم يرهما العالم قط"، فيما ردت كوريا الشمالية الأربعاء بأنها تدرس خططاً لتنفيذ ضربة صاروخية على جزيرة غوام الأميركية الواقعة في المحيط الهادي.

العالم ـ مقالات وتحلیلات

وتأتي هذه التهديدات المتبادلة بعد ثلاثة أيام فقط من قرار مجلس الأمن الدولي فرض عقوبات جديدة على كوريا الشمالية رداً على تجربتين لصواريخ باليستية أجرتهما في يوليو تموز الماضي.
لا شك أن العقوبات الجديدة على كوريا الشمالية ستكون مؤلمة وستضر باقتصادها الضعيف وستزيد من سوء أوضاع شعبها الاجتماعية والمعيشية، إذ ستؤدي هذه العقوبات إلى تقليص صادراتها البالغة ثلاثة مليارات دولار إلى الثلث، من خلال منعها من تصدير الفحم، والحديد الخام، والرصاص، والرصاص الخام، والمأكولات البحرية. كما يحظر قرار مجلس الأمن على الدول زيادة أعداد الكوريين الشماليين العاملين في الخارج، أو أي مشروعات مشتركة جديدة معها، وأي استثمار جديد في مشروعات مشتركة حالية.

جذور الأزمة الكورية

بدأت الأزمة في شبه الجزيرة الكورية إثر انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945، حيث كانت كوريا محتلة من قبل اليابان التي استسلمت، فقامت الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي بتقسيم الجزيرة، مما جعل نصفها الشمالي خاضعاً للسوفيات، ونصفها الجنوبي خاضعاً للأميركيين.
ونتيجة إجراءات السوفيات والأميركيين، كل في مناطق سيطرته، إزداد الانقسام بين الكوريتين، فنشأت حكومة شيوعية في الشمال وحكومة يمينية في الجنوب. وسرعنا ما بدأت المناوشات بينهما وتحولت إلى حرب مفتوحة عندما غزت كوريا الشمالية جارتها الجنوبية يوم 25 حزيران يونيو 1950.
وقد تمكنت الولايات المتحدة من تمرير قرار في مجلس الأمن الدولي يجيز التدخل العسكري في كوريا، حيث شارك في التدخل 341 ألف جندي من القوات الدولية، 88% منهم أميركيون، حيث تم صد الهجوم الشمالي على الجنوب، فيما تدخلت الصين والاتحاد السوفياتي إلى جانب حكومة الشيوعيين في الشمال.
أسفرت المفاوضات عن توقيع اتفاق هدنة بين الكوريتين في عام 1953 أنهى الحرب الأهلية، لكنه لم ينهِ الصراع السياسي والأمني والحرب الإعلامية والدعائية بين الجانبين، كما لم ينهِ التوترات والتهديدات العسكرية، في ظل الوجود العسكري الأميركي في كوريا الجنوبية واليابان والمحيط الهادئ.
بعد انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991، لم تتأثر كوريا الشمالية بهذا التغيّر على غرار بلدان المعسكر الاشتراكي في أوروبا الشرقية، بل حافظت على نظامها الشيوعي وشعرت أكثر بالتهديد الأميركي لنظامها.
لم تمضِ سوى سنوات قليلة حتى عادت الأزمة بقوة بين بيونغ يانغ وواشنطن، نتيجة قيام كوريا الشمالية عام 1994 بنقل قضبان وقود نووي من المفاعل النووي في يونغبيون، مما اضطر الولايات المتحدة إلى وضع خطة لضرب المفاعل. إلا أن الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر قام بمبادرة دبلوماسية ساهمت في تهدئة الأوضاع في ما عرف باتفاق 1994، الذي نص على قيام كوريا الشمالية بإغلاق المفاعل يونغبيون لمدة ثماني سنوات في مقابل قيام تجمع من الشركات الدولية ببناء مفاعلين نوويين سلميين يعملان بالماء الخفيف في كوريا الشمالية.
لكن هذا الاتفاق انهار في عام 2002 بعدما اتهمت واشنطن بيونغيانغ بتنفيذ برنامج سري لتخصيب اليورانيوم، لكن كوريا الشمالية نفت هذه الاتهامات، وردت بإعادة تشغيل مفاعل يونغبيون وقامت بطرد مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية منه، وأعلنت انسحابها من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية.
في تشرين الأول أكتوبر من عام 2006، أجرت كوريا الشمالية أول تجربة نووية لها، الأمر الذي قاد إلى نشوء مبادرة دولية عرفت بالمحادثات السداسية، وضمت الولايات المتحدة، روسيا، الصين، اليابان، والكوريتين، حيث تم التوصل إلى اتفاق قضى بمنح كوريا الشمالية مساعدات في مجال الطاقة ومكاسب دبلوماسية وأمنية في مقابل تخليها عن البرنامج النووي.
وبالفعل، قامت بيونغيانغ بتنفيذ الاتفاق عبر إغلاقها لمفاعل يونغبيون في تموز يوليو 2007، ورفعت واشنطن اسم كوريا الشمالية من لائحة الإرهاب. لكن المفاوضات تعثرت مجدداً في كانون الأول ديسمبر 2007 بسبب الخلاف بشأن طريقة التحقق من التزام كوريا الشمالية بالاتفاق.
بعد أقل من سنتين، أي في نيسان أبريل 2009، أجرت بيونغيانغ تجربة لإطلاق صاروخ طويل المدى زعمته أنه مخصص لحمل أقمار صناعية، فيما اعتبرته واشنطن تجربة لصاروخ باليستي طويل المدى قادر على ضرب أهداف على الساحل الشرقي للولايات المتحدة.
مجلس الأمن الدولي رد على هذه الخطوة بقرار غير ملزم ينص على تشديد العقوبات على كوريا الشمالية التي ردت الانسحاب من المحادثات السداسية، وإعادة تشغيل مفاعل يونغبيون وطرد المفتشين.
ولاحقاً قامت بيونغيانغ بتفجير نووي تحت الأرض ترافق مع تجربة إطلاق صاروخ قصير المدى.
توفي الرئيس الكوري كيم يونغ إيل في عام 2011، فتولى نجله، كيم يونغ أون، الرئاسة، فسعى إلى حل سلمي للأزمة النووية وأعلن عن إمكان توقيف بلاده لأنشطتها النووية في مقابل الحصول على الغذاء، وهو ما رحبت به إدارة الرئيس باراك أوباما فقامت بإرسال 240 طن من المعونات الغذائية لكوريا الشمالية.
في 12 شباط فبراير 2013، أجرت كوريا الشمالية تجربتها النووية الثالثة، بعد صدور قرار من مجلس الأمن يطالبها بإنهاء برنامجها النووي. ثم عاودت تشغيل مفاعل يونغبيون في الثاني من نيسان أبريل 2013.
استمر التوتر بين كوريا الشمالية من جهة وكل من الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية واليابان من جهة مقابلة وسط الكثير من الاستعراضات والمناورات العسكرية، إلى أن تم الاتفاق بين الكوريتين في 14 آب أغسطس 2013 على مبادرة من خمس نقاط أبرزها إعادة فتح منطقة كيسونغ الصناعية في 16 أيلول سبتمبر من العام نفسه، حيث دعت رئيسة كوريا الجنوبية باك كون هيه إلى بداية جديدة في العلاقات بين الكوريتين.

أسباب التوتر الأخير

تشعر بيونيانغ بتهديد كبير من الولايات المتحدة الأميركية التي لا توفّر فرصة حتى تزيد من وجودها العسكري في كوريا الجنوبية، خصوصاً مع نشر نظام الدفاع الصاروخي الأميركي "ثاد" فيها، وهي تعتبر أن حصولها على السلاح النووي وعلى صواريخ بالستية عابرة للقارات تصل إلى الأراضي الأميركية سيخلق توازن ردع مع الولايات المتحدة سيمنعها من القيام بأي تهديد عسكري لكوريا الشمالية.
في المقابل ترى واشنطن أن بيونغيانغ تسعى جاهدة للحصول السريع على صواريخ بالستية عابرة للقارات قادرة على حمل رؤوس نووية، وهو ما يهدد الأمن الإقليمي والعالمي، بحسب الزعم الأميركي. وقد نقلت صحيفة "واشنطن بوست" عن مصدر في الاستخبارات الأميركية قوله إن هناك تقديراً بأن كوريا الشمالية قد أنتجت أسلحة نووية يمكن حملها على صواريخ باليستية.
من جهتها تخشى كل من روسيا والصين، الحليفان لكوريا الشمالية، من أن يؤدي التصعيد العسكري إلى حرب إقليمية مدمرة وربما إلى حرب نووية، وفي أقل التقديرات قد يخدم هذا التصعيد الولايات المتحدة كي تستخدمه ذريعة لحشد قواتها في المحيط الهادئ وقواعدها في شرق آسيا في مواجهة الصين وروسيا، وليس فقط كوريا الشمالية. وقد نددت الصين وروسيا بنشر الولايات المتحدة لنظام الدفاع الصاروخي الأميركي (ثاد) في كوريا الجنوبية، ودعت الصين إلى وقف نشر هذا النظام وتفكيك أي عتاد متعلق به.
الصين وروسيا، اللتان وافقتا مكرهتين على العقوبات الدولية ضد كوريا الشمالية لتنجّب التصعيد العسكري، يعتبران أن العقوبات يجب استخدامها كأداة لدفع بيونغيانغ لإجراء محادثات لحل المشكلة، وهما تسعيان إلى إقناعها بالعودة إلى اتفاقية نزع السلاح النووي وتخفيف التوتر في الإقليم.
مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا حذر من أن أي مغامرة عسكرية في شبه الجزيرة الكورية ستتحول إلى كارثة للاستقرار الإقليمي وأن التحرك نحو نزع السلاح النووي في شبه الجزيرة الكورية سيكون صعباً مع استمرار شعور كوريا الشمالية بالتهديد. وعبّر عن أمله في صدق وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون بأن الولايات المتحدة لا تسعى إلى فرض توحيد شبه الجزيرة الكورية أو التدخل عسكرياً في هذا البلد.
بدوره، حض مندوب الصين في الأمم المتحدة ليو جيه كوريا الشمالية على وقف اتخاذ إجراءات من شأنها أن تزيد من التوتر. وأوضح أن بلاده تدعو إلى وقف نشر نظام الدفاع الصاروخي الأميركي في كوريا الجنوبية.
أما المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة نيكي هيلي فرأت أن التهديد الكوري الشمالي يتزايد سريعاً ويصبح أكثر خطورة ما يتطلب إجراء إضافياً، مؤكدة أن بلادها ستواصل "اتخاذ إجراءات دفاعية متعقلة لحماية أنفسنا وحلفائنا"، وأنها ستواصل سنوياً إجراء تدريبات عسكرية مع كوريا الجنوبية.
ومعلوم أن كوريا الشمالية تتهم على الدوام الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية بتصعيد التوتر عبر إجراء التدريبات العسكرية.
وتقول إدارة الرئيس دونالد ترامب بأنها تشعر بخيبة أمل من عدم بذل الصين جهوداً كافية لكبح جماح كوريا الشمالية، بل إن واشنطن تهدد بممارسة ضغوط تجارية على بكين وفرض عقوبات جديدة على الشركات الصينية التي تتعامل مع بيونغيانغ.

سيناريو الحرب

تحذر واشنطن من أنها جاهزة لاستخدام القوة إذا تطلب الأمر لوقف برامج كوريا الشمالية الصاروخية والنووية، لكنها تفضل تحركاً دبلوماسياً عالمياً يشمل عقوبات. وقد قامت بتشديد العقوبات الاقتصادية المفروضة أصلاً على حكومة بيونغيانغ، وتقول إنها ستفعّل نظام (ثاد) للدفاع الصاروخي الذي نصبته في كوريا الجنوبية، في محاولة لايقاف برنامج التسلح النووي والتجارب الصاروخية لكوريا الشمالية.
في المقابل ردت بيونغيانغ على التهديدات الأميركية بقولها إنها "تدرس بتمعن" خطة لضرب جزيرة غوام الأميركية التي توجد فيها قاعدة عسكرية تضم تشكيلاً بحرياً وقاعدة جوية ومجموعة من خفر السواحل.
وتتهم كوريا الشمالية الولايات المتحدة بافتعال "حرب وقائية"، مشيرة إلى أن أي خطط من هذا القبيل ستواجه "بحرب شاملة تقضي على جميع معاقل الأعداء بما في ذلك الأراضي الأميركية".
ولم يعد سراً أن كوريا الشمالية تعمل على تطوير صاروخ مزود برأس نووي قادر على ضرب الولايات المتحدة، وهي تقول إن صواريخها الباليستية العابرة للقارات "وسيلة شرعية للدفاع" في مواجهة أي عدوان أميركي عليها.
ويرى الخبراء أن كوريا الشمالية تملك صواريخ باليستية قادرة على الوصول إلى جزيرة غوام الأميركية في المحيط الهادئ واستهداف جارتها كوريا الجنوبية بالأسلحة التقليدية والصواريخ الباليستية، حيث تبعد عاصمة الجنوب سيول 60 كيلومتراً فقط عن الحدود مع الشمال، وهي تحت مرمى المدفعية الكورية الشمالية.
لكن من المستبعد وقوع حرب بين كوريا الشمالية وجارتها الجنوبية وهو ما سيستدعي تدخلاً أميركياً لحماية حليفتها سيول، لأن حيازة بيونغيانغ أسلحة نووية وصواريخ باليستية قد تدمر كوريا الجنوبية واليابان في مثابل تدمير الولايات المتحدة لكوريا الشمالية، فضلاً عن وصول ارتدادات الحرب إلى القواعد والأراضي الأميركية.
يشار إلى أن كوريا الجنوبية ترتبط باتفاقية مع الولايات المتحدة يعود تاريخها الى عام 1953، تنص على أن واشنطن ستهب للدفاع عن سيول في حال تعرضها لتهديد، فيما يوجد في كوريا الجنوبية نحو 28.500 عسكري أميركي، وسرب بحري أميركي تقوده حاملة طائرات وغواصة مزودة بصواريخ كروز. كما أن نظام "ثاد" الأميركي لاعتراض الصواريخ المهاجمة قد يخفف من تأثير أي سلاح دمار شامل قد تحمله الصواريخ الكورية الشمالية، ولكنه ليس درعاً مضموناً ضد الصواريخ.
في المقابل، ترتبط كوريا الشمالية والصين باتفاقية تعاون وصداقة يعود تاريخها الى عام 1961 تحتوي على بعض البنود الدفاعية، ولكن لن تخوض الصين حرباً من أجل الدفاع عن كوريا الشمالية، وهي التي تتجنب الحرب مع الولايات المتحدة لاستعادة تايوان التي تعتبرها جزءاً من أراضيها، فضلاً عن فرض سيادتها على بحر الصين الجنوبي.
ويرى بعض الخبراء أن الصين لا تحب كثيراً نظام بيونغيانغ وتصرفاته غير المسؤولة، لكنها لا تريد انهيار هذا النظام لسببين: الأول انها لا تريد أن تنشأ على حدودها كوريا موحدة موالية للأميركيين، والثاني أنها لا تريد تدفق الملايين من اللاجئين الكوريين الشماليين الى أراضيها.
لكن أعتقد أن الصين التي ترتبط بعلاقات قوية تاريخياً مع كوريا الشمالية، وهي تمثل المصدر الرئيسي للمواد الغذائية والأسلحة والوقود إليها، تعتبر وجود الحليف الشيوعي حصناً في مواجهة أميركا تستخدمه في حرب الواسطة (proxy war) لإزعاج واشنطن وحلفائها وإقلاقهم. ويقول خبراء غربيون إن تحليل بعض شظايا الصواريخ التي أطلقتها كوريا الشمالية قد أظهر وجود أجزاء من الصواريخ صنعت في الصين، ما يدل على وجود تحالف عسكري ضمني بين الدولتين.
مع ذلك، تحاول بكين لعب دور متوازن في الأزمة الكورية من خلال السعي إلى كبح جماج بيونغيانغ من جهة، وحمايتها وتزويدها بالغذاء والسلع والسلاح من جهة أخرى. هذا الدور مكشوف لواشنطن التي تضغط على الصين وتهددها بعقوبات كي تقوم بدورها بالضغط على كوريا الشمالية للحد من استفزازاتها الصاروخية والنووية، وتجنيب المنطقة والعالم أي حرب شاملة هما بغنى عنها.

* هيثم مزاحم ـ الميادين نت

104-1