برشلونة وترامب… وقتل المسلمين بطلقات دم الخنازير

برشلونة وترامب… وقتل المسلمين بطلقات دم الخنازير
السبت ١٩ أغسطس ٢٠١٧ - ٠٧:٠٤ بتوقيت غرينتش

لا يحتاج أي شخص عاقل، أيّاً كان انتماؤه الديني أو السياسي، للتفكير كثيراً ليعلن إدانته للعملية الإرهابية التي حصلت أول أمس في برشلونة الإسبانية، أو للتعاطف مع ضحايا أبرياء كانوا، بالصدفة المحضة، في تلك البقعة التي قرّر فيها الإرهابيّ تنفيذ عمليته.

ولعلّ العرب والمسلمين الذين يقيمون في إسبانيا خصوصاً وأوروبا عموماً سيكونون من أكثر الناس تأثراً بتلك العملية الإجرامية فهم سيشكلون الهدف السهل للمنظمات والأحزاب العنصرية وللهجمات التي تستهدف الفقراء واللاجئين والضعفاء من المسلمين وغير المسلمين، والأغلبية الساحقة منهم ستشعر بالأسى على القتلى والجرحى، من جهة، وبالخوف من آثار هذه العمليات على عائلاتهم وأرزاقهم ووجودهم ككل.

ليس هناك عربيّ (أو مسلم) لديه عقل أو قلب يستطيع تبرير القتل الأعمى بحقّه أو حق غيره، لكن الحياة لن تخلو من بعض الموتورين الذين سيرون في ما حصل في برشلونة، وقبلها في برلين ونيس ولندن وإسطنبول (وحتى في رفح قبل أيام)، عملاً مشروعاً، أو انتقاماً إلهيّاً، أو حلقة في صراع بين الحق والباطل.

غير أنه بين اتجاهي الإدانة أو التبرير سيصعب أن نجد من يساوي بين القاتل والقتيل كما فعل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في تعليقه الأخير على حادثة شارلوتسفيل التي قام خلالها إرهابيّ أمريكي أبيض من النازيين الجدد بعمليّة دهس مشابهة لعملية برشلونة، ولعل جيمس فيلدز، منفذ الهجوم، سيشعر بالخجل لأنه لم يستطع غير قتل ناشطة حقوقية واحدة وجرح 18 مدنيّا آخرين، أقلّ من نظرائه في التطرف والإرهاب في برشلونة (ولكن تحت راية «الدولة الإسلامية» وليس الـ»وايت سوبريمست» أو النازيين الجدد).

غير أن ترامب لم يكتف بالتغطية على الإرهابيّ الأمريكي ومساواته بالمتظاهرين السلميين، وهو ما أثار موجة استنكار شديدة ضده لم تنته حتى الآن، بل إنه في تعليق على إرهابييّ برشلونة استعاد قصّة أسطورية عن ضابط أمريكي كان حاكماً لمنطقة مورو الفلبينية ذات الغالبية المسلمة من 1909 إلى 1913 تقول إن الجنرال جون بيرشينغ جمع 50 متمردا مسلما وأعدم 49 منهم برصاص مغموس بدم الخنازير وأن «الإرهاب» اختفى بعد ذلك من الفلبين.

يجمع تصريح ترامب بين الدعوة للقتل الجماعي وإرهاب الدولة، مع التحقير الطقسيّ للمسلمين المعروفين بتحريمهم وكرههم للخنزير، ومجيئه من رئيس الدولة الأقوى في العالم، إلى كونه دليلا على انحطاط عقليّ وأخلاقي وسياسي غير مسبوق، يشكّل خطراً كبيراً لأنه يشرّع الإبادة الجماعية ويبرّرها ويعطي سنداً للطغيان والاستبداد بل ويبرّر، سواء كان يعرف أم لا يعرف، للمجرمين من كل صنف ولون عمليّاتهم الإرهابية ضد المدنيين.

تصريح ترامب الأخير حول الجنرال بيرشينغ، معطوفاً على تعاطفه الضمنيّ مع الاتجاهات العنصرية والنازية الجديدة الأمريكية، يقدّم صورة نادرة تكشف عناصر الخلل الكبير المترابطة في العالم، فقد رأينا تعاطف بنيامين نتنياهو مع النازيين، وانتبهنا، بعد كل ذلك، كيف يغذي هؤلاء، مع ترامب، وزعماء اليمين المتطرّف والقومي في أوروبا، أسباب ظهور السلفيّة التكفيرية المسلّحة، والجذور المشتركة للإرهاب في كل أنحاء العالم.

القدس العربي

112