السعودية تراهن على حصان خاسر

السعودية تراهن على حصان خاسر
الجمعة ٢٥ أغسطس ٢٠١٧ - ٠٥:٠٠ بتوقيت غرينتش

قلت في مقال سابق ان الممكلة السعودية تعود تدريجيا الى سياستها السابقة وهي دفع الولايات المتحدة الأميركية الى تبني سياستها تجاه الدول التي لا تنصاع لسياساتها، وان الرياض اضطرت الى انتهاج المباشرة في سياستها الخارجية نتيجة تخلي اوباما عن أغلب الملفات الخارجية وفي مقدمتها الملف الايراني.

العالم - السعودية

وقلت أيضا أن السعودية وجدت في ترامب ضالتها وبما أنه يسعى الى استعادة دور بلاده في العالم بعدما تضاءل خلال مرحلة اوباما فان مبالغ الصفقات التي أبرمتها معه كفيلة لأن يعيد لبلاده قوتها وهيبتها ويمكنها من فرض قراراتها على سائر الدول، وبذلك فان السعودية تنفذ سياستها تجاه خصومها عبر الولايات المتحدة.

للوهلة الأولى يبدو للمراقب السياسي ان المملكة تقوم بتسوية ملفاتها مع الدول التي لديها مشاكل معها كايران والعراق ولبنان وسوريا ومن المرجح اليمن وكذلك قطر، حيث أن هذه الملفات أضرت بسمعتها وشوهت صورتها في العالم الاسلامي، فبما انها تعتبر نفسها زعيمة العالم الاسلامي والعربي لذلك ليس من المناسب أن تكون لديها مشاكل مع دول اسلامية وعربية، غير أن حقيقة ما سيجري هو ان السعودية تقوم بحل مشاكلها مع هذه الدول عبر دفع الولايات المتحدة للقيام بالمهمة نيابة عنها.

بغض النظر عن أن تكون سياسة المملكة صحيحة أو خاطئة فمن المؤكد أن خبراء سعوديين ومستشارين أجانب عكفوا على وضع هذه الاستراتيجية وسبل تنفيذها، غير أن السؤال المطروح هو هل أن ترامب مؤهل للقيام بهذا الدور أم انه غير مؤهل، أو لنقل هل لديه الامكانيات الكافية للقيام بهذه المهمة أم لا يمتلك تلك الامكانيات؟

لو أخذنا على سبيل المثال الملف الايراني الذي يعتبر من أبرز الملفات التي تسبب أرقا مزمنا للسعودية، فهل سينجح ترامب بارغام طهران على الانصياع للسياسة التي تطمح لها السعودية أم لا؟

علم الجميع أن حكومة أوباما نجحت في تشكيل تحالف دولي ضد ايران وفرض عزلة خانقة عليها، وكان ذلك الاجماع أعتى سلاح استخدمته الولايات المتحدة ضد ايران، وقد اثمر هذا الاجتماع عن التزام المجتمع الدولي بكافة العقوبات التي فرضت على طهران سواء تلك العقوبات التي فرضها مجلس الأمن الدولي أو العقوبات التي فرضت بشكل فردي من بعض الدول، ولولا انفراجة المفاوضات التي تكللت بالاتفاق النووي لكان من المحتمل نشوب حرب أممية ضد ايران، نتيجة العقوبات والعزلة.

رغم وجود هذا السلاح الفتاك بيد اوباما آنذاك، الا أنه انتهى الى توقيع اتفاق دولي مع ايران وألغيت كافة العقوبات عليها، ويبدو أن أوباما واجه حملة انتقادات شرسة ضده وخاصة من الجمهوريين نتيجة التوقيع على الاتفاق اذ كانوا يعتقدون ان ايران كانت تمر بأضعف مراحلها وكان يمكن انتزاع الكثير من التنازلات منها أو الانقضاض عليها، ولكنه طالما ردد كلمته التالية بعد الاتفاق النووي، انا بودي أيضا تفكيك البرنامج النووي الايراني، ولو استطعت تفكيكه لفعلت، لذلك فان الاتفاق النووي هو أفضل ما يمكن الحصول عليه وتحقيقه.

في مثل هذه الظروف تراهن السعودية على الرجل الأول في الولايات المتحدة غير أنه ترامب يقف اليوم عاجز أمام كوريا الشمالية ولا يدري مالذي يفعله معها رغم وجود اجماع شبه دولي ضدها، فهل سيتمكن من القيام بشيء ضد ايران؟ اليوم لا يوجد اجماع محلي أميركي على سياسات ترامب الداخلية فهل سيتمكن من ايجاد اجماع محلي تجاه السياسات الخارجية؟ اليوم ترامب لا يكاد يخرج من أزمة حتى يدخل في أخرى، فهل سيبقى له مجال لمتابعة أزمات أخرى بحجم أزمة ايران؟

ثم ما هي الذريعة التي سيسوقها ترامب ضد ايران لايجاد اجماع دولي ضدها؟ هل سيقول ان ايران تسعى لامتلاك قنبلة نووية، بينما الوكالة الدولية للطاقة الذرية تراقب برنامجها على مدى 24 ساعة؟ أم يقول أنها تدعم الارهاب بينما المدن الايرانية تشهد كل يوم تشييع أحد أبنائها استشهد في قتاله مع داعش سواء في سوريا أو العراق؟ أم سيقول أن ايران تهدد جيرانها، بينما طالما مدت طهران يدها لجيرانها وسعت الى توطيد العلاقات معهم؟

لن يكون أمام ترامب الا خيارين، اما أن يواصل فرض العقوبات على ايران وهو ما استطاعت طهران تجاوزه، أو شن الحرب عليها، وهذا لن يتحقق الا بعد أن تتعرف الولايات المتحدة على امكانيات وقدرات ايران العسكرية لتقييم مدى قدرتها على تدميرها، وهذا لن يكون متاحا لواشنطن، لأن طهران ترفض جملة وتفصيلا بأي سيناريو يؤدي الى كشف قدراتها، من هنا فان رهان السعودية على ترامب خاسر ولن يجدي نفعا.

غير أن الذي يستوقفني في هذا الصدد هو اصرار السعودية على حل مشاكلها مع ايران والدول التي لديها مشاكل معها بالقوة، بينما يمكن حل كل تلك المشاكل عبر التفاوض والتفاهم، بل أكاد أجزم أن كل الدول التي لديها مشاكل مع السعودية ستتفهم المصالح السعودية اذا كانت نوايا وخطوات واجراءات الرياض صادقة في حل المشاكل.

ما تحتاجه السعودية هو قليل من المرونة الدبلوماسية يغنيها عن تبذير أموالها على ترامب وغير ترامب، عندها ستجد كل الدول التي لديها مشاكل معها أبوابها مفتوحة لها وفي مقدمتها ايران، خاصة اذا عرفنا أن ترامب لن يصدر منه سوى الشر والضرر المادي والمعنوي للسعودية، هذا اذا استطاع البقاء في السلطة وأكمل دورته الرئاسية وفشل منافسوه في ازاحته عنها.


* صالح السيد باقر/ راي اليوم

 106-3

كلمات دليلية :