نارام سرجون: دباباتنا ودباباتهم والغواصة الروسية التي تنتظر ..

نارام سرجون: دباباتنا ودباباتهم والغواصة الروسية التي تنتظر ..
السبت ٠٩ سبتمبر ٢٠١٧ - ٠٥:٠٤ بتوقيت غرينتش

كم يعز علينا أن تترك عيوننا صور الميدان مؤقتا وهو الذي صار منتجعا من منتجعات الروح السورية رغم أنه في قلب الصحراء الحارقة حيث لاشيء سوى الرمال .. وكم يعز علينا أن تسهو عيوننا قليلا عن الخرائط التي تتماثل للشفاء وتتعافى حيث تتقلص كل الألوان وتنكمش فيما يتمدد لون الوطن العظيم مثل سجادة حمراء يفرشها العسكر من غرب سورية الى شرقها ومن شمالها الى جنوبها ..

العالم - مقالات

الخرائط صارت أجمل بلاشك ولكن عملية شفاء الخرائط مستمرة الى أن تستعيد الخرائط وجهها الجميل وصباها وتزول الجروح من وجهها .. خرائطنا صارت أجمل بعد ان كانت عيوننا ترمق بغضب أقبح الخرائط في الوجود وفيها ألوان سوداء كبقعة زيت أسود مثل خارطة "داعش" .. وخارطة الجيش الحر .. وخارطة النصرة .. وسورية المفيدة وسورية الكريهة .. وخارطة الأكراد .. وخارطة تركيا .. واميركا و"اسرائيل" والسعودية وقطر ..

سنترك الخرائط اليوم لنلتفت الى مشهد سقوط بغداد الذي كسر قلوبنا جميعا وكسر كبرياءنا .. وأذلنا وأبكانا .. لننظر الى السيد محمد سعيد الصحاف آخر وزير اعلام عراقي والذي كان يتحدث بكبرياء وثقة ويشحننا بالأمل ونحن نقف مذهولين من الصدمة عند بداية سقوط بغداد .. وهو يقول لنا: "لاتقلقوا سنسحقهم جميعا وسيموتون داخل دباباتهم" .. ومن سخريات القدر أن "دباباتهم" كانت في نفس اللحظة التي يهددها للأسف تظهر خلفه وتهدر على جسور نهر دجلة وتبدأ رحلة نحر العراق واستيلاد كياناته وتفكيك مكوناته الى مسوخ شبيهة بمسوخ جمهورية لبنان وبيكاتها وأفندياتها المذهبية وعائلاتها السياسية .. وتبدأ عملية استيلاد "داعش" من تلك اللحظة العراقية التي تزرع جنين الربيع العربي الديني الطائفي .. الذي بدأ في تلك اللحظة على جسر الجمهورية في بغداد خلف ظهر الصحاف .. وليس في تونس مع حرق البوعزيزي كما زعم مهندسو الربيع العربي ..

في درامية تلك اللحظة كان سعيد الصحاف - عندما لمح "دباباتهم" - قد أدرك أن كل شيء قد انتهى وأن اللعبة قد بلغت نهايتها وأن العراق قد هزم ودخل لحظة تاريخية فاصلة وعصرا جديدا من الفوضى .. فيغادر مكانه أمام الكاميرات ويغيب ولايرجع .. كما تغادر اللحظة عش الزمن الذي ولدت فيه الى اللارجعة ..

اليوم تنقلب اللحظة الدرامية وينقلب المشهد كله بشكل يستدعي التأمل الفلسفي وتحليل التاريخ الذي يخلط دماء الأحداث بدماء اللحظات .. لأن "دباباتنا" هي التي تعبر الجسور والأنهار اليوم .. وتهدر في الطرقات .. وليست "دباباتهم" .. ودباباتنا هي التي تلمحها المعارضة تعبر الجسور خلفها وهي تعقد المؤتمرات الصحفية .. وتؤلف مانشيتات التصريحات المتشنجة فيما اللعبة تنتهي بلسان صريح لروبرت فورد الأمريكي .. ولكن البعض لايريد أن يصدق وينصرف ..

من العبارات المثيرة للسخرية عبارة رياض حجاب: "الثورة السورية ماضية والمهزوم هو من فقد الشرعية" أي أن حجاب لم يصل الى واقعية محمد سعيد الصحاف الذي أقرّ بواقع رأته عيناه فقرر الانصراف والاعتراف بالهزيمة .. فيما حجاب تكاد الدبابات تدهسه وهو يقول لأتباعه " لاتقلقوا سنسحقهم جميعا وسيموتون داخل دباباتهم" ..

أما ماكتبه رياض نعسان آغا فانه لاشك مقطوف من حقول الحشيش والخشخاش ويتصاعد منه دخان الكوكائين .. فهو يرى الدبابات السورية خلفه وأمامه وسلاسلها تمر على حذائه .. وفي كل مكان ومع ذلك يقول لأتباعه "لاتقلقوا .. سنسحقهم جميعا وسيموتون داخل دباباتهم" ".

وهنا أقول لكل من لم يتذوق الحشيش أو لديه خشية من تعاطيه أن لايقلق لأننا سنضعه في حقل من حقول الحشيش زرعه أحد المعارضين وأنتجه للمعارضة كي تشم وتستنشق وتحقن نفسها بكلام لايشبهه الا كلام السيد محمد سعيد الصحاف الذي كان يدمر الدبابات أمام الميكروفونات فيما هي تتنزه خلفه على جسر الجمهورية .. فاقرؤوا بعناية ماقاله لا فض فوه أكبر مثقف لدى المعارضة و"أفهم" من فيها وهو رياض نعسان آغا حيث يقول: "" لا أستبعد أن يكون الروس أنفسهم خائفين من ردة فعل الأسد على رغم أنهم أبلغوه أنه لا دور له في مستقبل سوريا كما رشح من معلومات، ولكنهم يخشون إذا ما انقلبوا عليه وطالبوه بالرحيل الفوري أن يفسد عليهم حضورهم في الساحل حيث ثروة الغاز والنفط الكبرى الواعدة. وهم يعلمون أن لدى الأسد ميليشيات قادرة على أن تعكر صفو روسيا بدعم إيراني، ولاسيما أن إيران التي دفعت دماء ومالاً لن تقبل أن تخرج صفر اليدين، وانتهاء حكم الأسد لا يعني خروجها من سوريا فقط، وإنما سيعني خروجها من لبنان ومن العراق أيضاً، وانتهاء تهديدها للمنطقة العربية ..

ويضيف كمية أخرى من الحشيش الكثيف جدا فيقول: """ ويبدو أن الروس حائرون، فلا هم قادرون على متابعة مشروعهم مع إيران التي ستبقى شريكاً محاصصاً في كل مقدرات المنطقة، بما سيعني تحالفاً استراتيجياً مديداً بين روسيا وإيران لن يرضى عنه الغرب طويلاً، ولا هم قادرون على التنكر لإيران والقبول باستبعادها وهي تملك قوة عسكرية على أرض سوريا، كما أنها تملك قدرة على نقل الإرهاب إلى روسيا إذا خرجت من حلفها ..

ولكن وفيما الدبابات السورية تهدر وتنشر خريطة جديدة أمام عيني رياض وجماعته فانه يشم شمة مخدر كبيرة ويملأ منخريه ورئتيه بالكوكائين ويوزع ماتيسر بسخاء على قرائه فيقول في لحظة من لحظات النشوة وفي ذروة الهلوسة والهذيان الشديد مايجعلنا نتذكر حديث الغواصة الروسية التي اخترعتها المعارضة والجزيرة عندما تم التأكيد على أن هناك غواصة روسية تنتظر الأسد قبالة شاطئ طرطوس ليفرّ بها .. ويبدو أن ذكريات الغواصة الروسية اثارت الحنين لدى رياض نعسان آغا فأعاد انتاج الحكاية التي ماتت وتحدث عن يقين ومعلومات لايخرقها الشك بأن الروس يستعدون لاستقبال الأسد كلاجئ قريبا .. فيقول:

"" أما وأنا واثق من أن الروس يعرفون أن الأسد لا يملك قدرة على ضمان الاستقرار في سوريا، وأنه من المستحيل أن يقبل السوريون بحكمه لهم ويداه تقطران من دمائهم، والأسد نفسه يعرف استحالة ذلك، ولهذا نجده يخشى عودة المهجرين السوريين ويشيد بما حدث من تجانس اجتماعي بعد رحيل خمسة عشر مليون سوري، وهم في الأكثرية الساحقة من أهل السنة. وقد عبر عن خشيته من عودة المهجرين والنازحين حين شدد على وصفهم في خطابه الأخير بأنهم حثالة، وحين بدأ النظام حملة تهديد لكل من يفكر بالعودة، وقد عبر عن موقفه عضو في القيادة القطرية لحزب «البعث» حين جعل تقبيل البوط العسكري شرطاً لقبول عودة المعارضين المهاجرين، بينما صعد أحد ضباط المخابرات الذي يكتب باسم مستعار وقال: «ستكون أمامهم المشانق»! والطريف قوله: «إن بلداً بلا مشانق جدير بأن يخان" ..
طبعا لاحظوا العبارة الأخيرة التي غمز فيها رياض مني ويصر بشكل مثير للشفقة على أوهامه أن كل كاتب وطني ماهو الا ضابط مخابرات مستتر ويكتب باسم مستعار وليست هناك حالة وطنية في سورية الا وترعاها المخابرات كما هي حال المعارضة حيث خلف كل معارض (في الخارج) يقف جهاز مخابرات كامل .. وأعاد عبارتي وكأنها سقطة أخلاقية (ان بلدا بلا مشانق جدير بأن يخان) .. ولاشك أنه قالها وهو يتحسس عنقه بيده لأنها تدرك أن المشنقة هي دواء للأعناق التي تحاول أن ترتفع خارج الوطن ولاتقدر قيمة الوطن .. وطبعا لاندري ماهو اقتراحه الأخلاقي لتبديل هذه العبارة اللاأخلاقية في الخيانة .. فاذا كان يرى أن عقاب الخيانة لايكون هو الموت فعليه اذا أن يقترح عقوبة أخرى للخيانة لم تدخل قواميس السياسة والحرية والثورات في العالم بعد .. مثل أن نكافئه بوزارة او بميدالية من الذهب وأن نعاقبه بالعيش في بلاط الأمراء والملوك النفطيين الجهلة كما يفعل هو ..

ان أسوأ لحظات الكتابة وأقساها هي أن نضطر أحيانا لتشبيه اللحظات الحزينة والسوداء في ذاكرتنا بلحظات بيضاء ناصعة براقة .. وأن نضطر للمقارنة بين الأبطال واللصوص .. عندما تضعهم الأقدار في زنزانة واحدة .. ففي ذاكرتنا الصحاف ذو الكبرياء والكرامة والأمل وخلفه دبابات بوش التي تجر خلفها العراق الجريح الأسير وتفتح الطريق امام عصر "داعش" .. وأمامنا اليوم معارضة بلاكبرياء ولاكرامة ولاأمل .. وخلفها تقف الدبابات السورية التي تتنزه على ضفاف الفرات وفي شوارع حلب وعلى تخوم ادلب استعدادا لانهاء هذه المرحلة السوداء نهائيا وطي صفحة الخيانة .. وتجر خلفها المشروع الغربي المهزوم لانهاء عصر "داعش" .. ومع ذلك تقوم المعارضة باطلاق دخان وبانتاج خطاب تمويهي واطلاق العنتريات المتشددة والعودة بعقول المعارضين الى زمن الغواصة الروسية التي لجأ اليها الرئيس .. فتخيلوا أن الروس حاربوا معنا وماتوا معنا وحوصروا معنا وهاجمهم اعلام الدنيا معنا .. كل ذلك من أجل أن يسلموا البلاد للمعارضة (التي تآمرت مع الغرب على موقع روسيا وسمعة وهيبة روسيا) بعد أن يهزمها الأسد .. وهي طريقة لم تخطر على بال المجانين .. أن يحارب جيش وينتصر من أجل أن يسقط قائده أو حلفاءه ويسلم المهزوم مفاتيح البلاد ..

أخيرا .. أريد ان أعتذر من جميع أولئك الذين جرحهم واستفزهم استرجاع موقف محمد سعيد الصحاف وهو يدافع عن بلده ضد غزو بربري أمريكي جاءت به المعارضة ويقوم بواجبه الوطني حتى آخر لحظة .. ومقارنته بموقف معارضة عميلة كانت تنتظر أن تطلق بيان النصر فيما الدبابات الامريكية تظهر خلفها وتتنزه في شوارع دمشق .. فاذا بهذه المعارضة الخائنة العميلة تلقي بيانات النصر والتهديد فيما الدبابات السورية هي التي دخلت المشهد خلفها وظهرت ترفع الأعلام السورية المظفرة .. فيما غابت "دباباتهم" أمام ظهور "دباباتنا" ..

وعندما تغيب دباباتهم ستغيب معارضاتهم .. وتبقى دباباتنا .. تصول وتجول في طول الوطن وعرضه .. لتكرس مقولة ولدت اليوم من رحم الوجع السوري العظيم تقول: قل لي: كم وطنك حر؟؟ فأجيب: بمقدار مالدي من دبابات !!!.. وكم خائنا لديك؟؟ فأجيب: بمقدار مالدي من مشانق !!..

انها معادلة طردية للدبابات .. فكلما انتصرت دباباتك .. كنت حرا أكثر .. ولكنها معادلة عكسية في الخيانة .. فكلما زادت المشانق .. قل عدد الخيانات ..

 

نارام سرجون / شام تايمز

109-1