روحانی: وحدة الكلمة لیست الا جهداً مشتركا لإقامة عالم بعیدٍ عن الجهل والفقر والحرب والعنف

روحانی: وحدة الكلمة لیست الا جهداً مشتركا لإقامة عالم بعیدٍ عن الجهل والفقر والحرب والعنف
الأحد ١٠ سبتمبر ٢٠١٧ - ٠٦:٥٤ بتوقيت غرينتش

ألقي رئیس الجمهوریة الإسلامية الإیرانیة حجة الإسلام حسن روحانی الیوم الأحد كلمة في اجتماع قمة منظمة التعاون الإسلامي المنعقد في العاصمة الكازاخیة آستانة قال فيها: إن وحدة الكلمة والتعاضد والتعاون بیننا بصفتنا أعضاء العالم الإسلامي العظیم للدخول في عالم التنمیة لیست غلا جهداً مشتركا لإقامة عالمٍ بعیدٍ عن الجهل والفقر والحرب والعنف. وفيما یلی نص كلمة الرئيس روحاني:

العالم - إيران

فخامة الرئیس نور سلطان نظر بایف، رئیس جمهوریة كازاخستان الشقیقة

رؤساء البلدان الإسلامية الموقرین

سعادة الأمین العام

السیدات والسادة

بدایة أود أن أتقدم بجزیل الشكر إلى جمهوریة كازاخستان حكومة وشعبا على كرم الضیافة وحفاوة الاستقبال كما ولابد لي أن اشكر فخامة الرئیس نظر بایف، رئیس جمهوریة كازاخستان المحترم لإطلاق هذه المبادرة وإقامة هذه القمة متمنیا أن تؤدي القمة الحالية التي انطلقت بشعار «العلم والتقنیة والتحدیث في العالم الإسلامي» في مدینة أستانا الجمیلة، وبجانب الجهود الثمنیة الأخری إلی تنمیة التعاون البناء بین البلدان الإسلامية في مختلف الأصعدة.

السید الرئیس

إننا متفقون علی أن العالم الإسلامي جزءٌ هام ومؤثر في المنظومة العالمیة حیث أن قوته وتطوره واستقراره یؤدي إلى تطور العالم واستقراره ومن البدیهی أن نقول إن في ضعف العالم الإسلامي وتأخره لا یمكن للعالم أن ینعم بالسلام المستدام والتقارب والتعاون المؤثر. فوحدة الكلمة، والتعاضد والتعاون بیننا بصفتنا أعضاء العالم الإسلامي العظیم للدخول في عالم التنمیة لیس إلا جهداً مشتركا لإقامة عالمٍ بعیدٍ عن الجهل والفقر والحرب والعنف.

إن التعاون في مجال العلوم والتقنیة له أثرٌ مساعد في تنمیة القطاعات الاقتصادیة المختلفة ویعتبر دوره حاسما لنموّ البلدان الإسلامية وتضامنها كما أنّ له علاقة بالشباب والجامعات ویقضي علی التوجه نحو التطرّف والإرهاب بخلق أجواء الأمل والبناء والعمل فهو یحظی بأهمیة سیاسیة واجتماعیة وإستراتیجیة.

إن تبادل الأفكار بین رؤساء البلدان الإسلامية في هذا الموضوع وفي الوقت الراهن یحظی بأهمیة خاصة لسببین: الأول بسبب التطور العظیم الذي حصل في عصر التواصل والاتصالات حیث وفر إمكانیة تناول المعطیات العلمية والتعاون التقني غير محدود إلی جانب ظهور علماء ومبدعین من البلدان الآسیویة والأفریقیة الذين خصصوا حصة لأنفسهم في نموّهم المتزاید في تسجیل الاختراعات والبحوث العلمية. والسبب الثاني هو إرشاد وإدارة «الثورة الصناعیة الرابعة» - التي تمثل ثورة في التقنیة والتغییرات الأساسیة بین الإنسان والذكاء الاصطناعي وعلاقات الإنسان في البنى الاجتماعیة الجدیدة – تحتاج إلی ثقافة متمكنة من جذب المقومات المتغیرة للتقنیة وبیئتها وأن تكون كالحضارة الإسلامية التي استفادت من العلوم والتقنیة في الحضارات الإنسانیة الأخرى وأوجدت التعاون والتقارب بین مختلف الشرائح البشریة .

الإسلام في أوانه السابق، كان یعیش عصر الإزدهار العلمي والثقافي والحضاری، فلا یمكن الیوم یمضی نحو الإبداع والإبتكار والنمو إلی جانب العقلانیة‌ والأخلاق ویوجد عالماً خالٍ من العنف والتطرف؟

السیدات والسادة

أنا فخور بأنی أمثل شعباً كان في عصرَي الحضارة، ما قبل الإسلام وبعده رائداً في مجال العلم والثقافة في التاریخ البشري. الروح الإیرانیة وفرت مجالا سیاسیا واجتماعیا قائما علی الأخلاق والحقوق الإنسانیة فمهدت بذلك استقطاب أهل العلم والتجارة والعمارة من كل العالم ووفرت الأرضیة لإبداع المظاهر النیرة للحضارة الإنسانیة المتمثلة في برسبولیس وخزائن العلوم والفنون في مكتبات آسیا.

بمطلع شمس الإسلام، بدأ المجتمع الإیرانی قفزة جدیدة بتلبیة الرسالة السماویة المتضمنة للحریة والعدالة وفي هذه الفترة البهیة، كان الإیرانیون إلی جانب الشعوب المسلمة الأخری لم ینهلوا من معارف الوحی فحسب، بل قاموا بالتدبر والتعقل تاسیا بالتعالیم الدینیة واكتسبوا تجارب الأمم الأخری.

ومنذ بدایة تكوین الحضارة الإسلامية أقبل المسلمون علی تعلم المعارف المختلفة من كل أنحاء العالم متأثرین بتعالیم القرآن الكريم والسنة النبویة الشریفة والعامل الذي أدی بهم إلی تطورات مادیة في هذه الفترة ما كان إلا روح التساهل والتسامح المنبثقة عن المعارف الدینیة الصریحة التي حلت مكان روح العصبیة السابقة.
ويتمثل أحد جوانب هذا التسامح في العالم الإسلامي في توفير الحریةُ لأتباع الدیانات الأخری في المجتمع الإسلامي حیث وفر لهم هذا التسامح وسعة الصدر فرصة لم یمانع من المناظرات الدینیة والعقدیة بل مهد الطریق لمشاركة أتباع الدیانات الأخری للتعاون في تنمیة الحضارة الانسانیة وتوسیعها وترجمة علوم الحضارات الأخری ونقلها إلی اللغة العربیة التي كانت لغة العلم آنذاك. وأصبحت الحضاره الإسلامية وارثا ومهندسا لثقافة الغرب والشرق القدیمة وإنها لم تتبع الثقافات السابقة بل كانت مكملة لها.

وبهذا المنهج وبهذه الروح توصلت الحضارة الإسلامية إلی ذلك الإزدهار والحیویة حیث أخذ قصب السبق في مجالات العلوم المختلفة كالطب، والصیدلة، والنجوم، والریاضیات، والفيزیاء، والكیمیاء، والجغرافيا، والفلسفة والكلام، والعرفان، والأدب والفن في ذلك الوقت بحیث كان الغرب مدیناً لهذه الحضارة في جزء من هذه العلوم أثناء القرون الوسطی حتی القرن السادس عشر المیلادی.

لكن الحقیقة المرة أن عصر الإزدهار والتطور هذا لم یدم طویلا وقد توقف المجتمع الإسلامي في القرون الأخیرة عن الحراك والإنتاج وتخلف عن سباق العلم والتقنیة في تعاطیه مع الثقافة الغربیة. إن جمود وتدهور الحضارة الإسلامية بدأ عندما حل التعصب القومي والوطني في قلوب أبناءه وعندئذٍ اندثرت الوحدة والتسامح اللذان كان یتمتع بهما. إنّ تقسیم العلم إلی مذموم ومحمود في بدایة القرن السادس الهجری كان سبباً لانحسار الحضارة الإسلامية وقد عزز الغزو المغولي هذا الأفول. إن ضعف المسلمین وتباطؤهم في القرون الأخیرة، لم یصرفهم عن التطور فحسب، بل جعلهم یعجزون عن حفظ ما كانوا یمتلكونه. في الواقع هناك عاملان سببا تباطؤ هذه التنمیة والتطور الحدیث للحضارة الإسلامية وربما أوقفاها. أحدهما تزامن الإزدهار العلمي والتقني في الغرب مع الإجراءات السیاسیة والثقافية السلطویة لدی الحكام الغربیین والثاني ضعف الحكام في البلدان الإسلامية وإنبهار بعض النخب المسلمین.

الیوم الأمة الإسلامية تواجه مرة أخری مرحلة جدیدة من قفزات الحضارة الإنسانیة وعلی عتبة تطورات عظیمة للاقتصاد المعرفي وهي أمام خیار تاریخي، الخیار بین «الاتجاه الفاعل والأصیل الداعي للمشاركة» والذي یقوم بالتعامل البناء والاستزادة من تجارب الآخرین وانجازاتهم مع احتفاظه بمقوماته الثقافية الأصیلة، أو «الاتجاه المنفعل» الذي یؤدي إلی الإنعزال في حالة‌ التزمت والتطرف، وإلی الانبهار في حالة التساهل والتفریط.

ینبغي أن یحلَّ محلَّ خشیة التنمیة المتزایدة للعلم والتقنیة والهروب منها، زیادة قوة الخیار وتكییف المجتمعات الإسلامية. من ضروریات تنمیة العلوم والفنون الحدیثة الهامة لنا هي تمهید الظروف الآمنة السیاسیة والاجتماعیة والثقافية والاقتصادیة لجذب هذه العلوم واستیعابها وأن لا نكتفي بالعلوم والتقنیات، بل علینا البحث عن الاستراتیجیات وطرق الوصول إلیها.

سیادة الرئیس، سیداتي سادتي

نحن البلدان الإسلامية، لأن نكون أصحاب علم وفن، علینا أن نقوم بتفعیل هذا الهدف لمجتمعاتنا في الداخل وأن نخطط بخطوات جدیدة في هذا المجال في مجموعة البلدان الإسلامية.

إن كلا منا في بلداننا قد فكر - من منطلق القلق والشفقة - في التساؤل الناتج عن علاقة العلم بالتطور الاقتصادی والاجتماعي، والآن ونحن عازمون علی معاضدة بعضنا بخلق اجواء التعاون، فإن الخطوة الأولی هی الإطلاع علی تجارب بعضنا والاستزادة من إنجازات هذه العائلة الإسلامية العظمی. إن الجمهوریة‌ الإسلامية الإیرانیة في السنوات العشر الأخیرة شهدت إنجازات هامة في مجال العلم والتقنیة والإبداع. وفي السنوات الخمس الأخیرة ارتقی مركز إیران في إنتاج المقالات العلمية من المركز الـ 34 (الرابع والثلاثین) ‌إلی المركز الـ 16 (السادس عشر). وتمكن البلاد من زیادة عدد قبول الطلبة المتحمسین للدراسات العلیا في 1100 جامعة إیرانیة حیث ارتقى عدد الدارسین من ملیونین و 400 الف خریج، إلی 4 ملایین و 800 ألف خریج جامعي. وقد درجت إیران ضمن 5 بلدان ذات الأكثر خریجین في مجال الهندسة.

ازدادت مشاركه إیران بشكل لافت في تطویر التقنیات الجدید كالنانو والتقنیة الحیویة والعلوم المعرفية والطاقات المتجددة، والطیران والفضاء والإلكترونیات الدقیقة، والخلایا الجذعیة. سیاسة الحكومة الناشطة في دعم المؤسسات المعرفية أدت إلی تكوین ونمو آلاف شریكة في مجال التقنیات الحدیثة وقفزت بثمن تصدیر التقنیة المتوسطة والفائقة في إیران من 1.5 ملیار دولار، إلی 12.1 والذي كان له دوراً هاماً في إیجاب المیزان التجاری في البلاد. سیاستنا هی أن نتحول من الاقتصاد القائم علی المصادر الطبیعیة نحو الاقتصاد القائم علی الإنتاجیة والابتكار بالرغم من حیازتنا لاعظم مصادر النفط والغاز في البلاد.

مع هذه القدرات جئنا لهذه القمة باسم الجمهوریة الإسلامية الإیرانیة لنمد أیدینا إلى البلدان الصدیقة والشقیقة للسلام، وللتعایش، وللمزید من التعاون .

جئنا لنقول إننا نستطیع أن نتابع ونخلق مجالات مشتركة لتعزیز قدراتنا ولتكوین القدرات المكملة في العالم الإسلامي وذلك بالاعتماد علی الدبلوماسیة العلمية والعلوم والتقنیة.

سیادة الرئیس

إن دخول البلدان الإسلامية بقوة في مجال المنافسة ومشاركتها في میدان المعارف والتقنیات الحدیثة وأداء الدور البناء في تكوین مستقبل علاقات الثروة والقدرة في المجتمع الدولی، یحتاج إلی وضع السیاسات اللازمة وترتیب الأولویات علی المستوی القومي والدولي. إن الأولویات الإثنتي عشر التي أدرجت في وثیقة برنامج 2026 لهذه القمة، تبرز نقاط هامة. في هذا السیاق إن لـ«المؤثر الإنساني ورأس المال الاجتماعی» دورٌ محوری لان الشعوب تمثل أهم رأس مال ورصید لنا في هذا المجال. لابد أن تری الشعوب أن تمویلنا في المعرفة والتقنیة قد أثمر وأدي إلی استئصال الفقر وتحسین صحتها وزیادة رفاهیاتها.

سیادة الرئیس

إن الأزمات العدیدة باتت تشكل تحدیا للعالم الإسلامي برمته. فالجرائم التي یرتكبها الكیان الصهیونی بحق الفلسطینیین وما یرتكبه المتطرفون في میانمار بحق الروهینغا والكوارث الإنسانیة التي تقترفها الجماعات المتطرفة في سوریا والعراق واستمرار الهجمات العسكریة علي الشعب الیمني، كلها تتطلب منا المزید من التعاون والتضامن والاتحاد أكثر من أي وقت مضى.

السید الرئیس، رؤساء البلدان المحترمین، سیداتي، سادتي

هذه القمة بإمكانها أن تكون منعطفا في تاریخ التعاون العلمي في العالم الإسلامي.

لنأتی بعیداً عن الخلافات التي یحیكها أعداء الاسلام والقوی الداعیة للحروب الذين یرون مصالحهم في ابتعادنا عن بعضنا البعض تعالوا لنفتتح مجالات جدیدة للتعاون العملی والتقنی لتحدیث بلداننا اكثر فأكثر. وأن نطوّر المجالات السیاسیة والاقتصادیة والثقافية في العالم الإسلامي قدر المستطاع.

و ختاما وباسم الشعب الإیراني العظیم، أعلن عن استعداد الجمهوریة الإسلامية الإیرانیة للتعاون الشامل مع جمیع البلدان والشعوب الإسلامية علی جمیع الأصعدة في مجال العلوم والتقنیة.

لنكن علی یقین أن كل خطوة نحو التضامن والتآلف لا شك ستكون مرفقة بعون الله سبحانه وتعالی الذي بشرنا «إن تنصروا الله ینصركم ویثبت أقدامكم».

والسلام علیكم ورحمة الله وبركاته

216