ثورة اليمن بين الإصرار والمرواغة

ثورة اليمن  بين الإصرار والمرواغة
السبت ٢٣ أبريل ٢٠١١ - ٠٦:٣٧ بتوقيت غرينتش

23/4/2011 د. عيدة المطلق قناة eidehqanah@yahoo.com

الثورة تجتاح الأمة وفي هذا المشهد الثوري العربي تتفاوت حدة الأزمات كما تتفاوت السيناريوهات والمآلات .. ولكن وعلى الرغم من هذه التفاوتات فإن هناك أوجه شبه عديدة سواء بين شباب الثورات ... أو ردود أفعال الأنظمة !!

وعليه فإن المشهد اليمني ليس استثناء .. فحين التحق الشباب اليمني بربيع الثورات السلمية العربية.. كان قد بلغ بهم الاحتقان حد الانفجار .. ثلاثة عقود ونيف من عمر النظام امتدت من (17/7/ 1978.. وحتى يومنا هذا) جاءت حصيلتها حافلة بكل أسباب الثورة والتغيير .. إذ لم ينجح هذا النظام في إخراج اليمن من أي من أزماتها .. بل أصبح اليمن اليوم يعاني من مشكلات سياسية واقتصادية أكثر استعصاء ومن معضلات بنيوية أشد تعقيداً.. وربما يكفي منها بند الفساد المالي وحده ليكون سبباً في تفجير صاعق الثورة .. فإن صحت مزاعم التقديرات الأجنبية، فإن هذه التقديرات تتحدث عن أرقام فلكية ( مليارية ) لثروة "الرئيس على صالح – بمفرده" فضلا عن ثروات أفراد عائلته ومن يحيط به .. وهي ثروات كافية لإنقاذ اليمن من كل أزماته ومعضلاته الاقتصادية والاجتماعية وحتى السياسية .. وهي الثروات موزعة – بحسب هذه المصادر وعلى ذمتها - على شكل أرصدة بنكية خاصة واستثمارات متنوعة وقصور فارهة ومنتجعات وشاليهات سياحية في مختلف دول العالم وأسهم في شركات سيارات عالمية..!!

وبعيدا عن مصيدة المصادر الأجنبية .. فاليمنيون يتحدثون عن قصة فساد معقدة ومتعددة الأوجه ويؤكدون بأن الفساد بات بنيوياً يسكن معظم مفاصل الدولة اليمنية .. حتى حول اليمن إلى "عزبة خاصة" تتقاسمها أسرة حاكمة ونفر قليل من اليمنيين يتولون جل مقدراتها ويستحوذون على جل المناصب القيادية والمتوسطة من سياسية وأمنية واقتصادية ودبلوماسية ..!! كما يؤكدون بأن هذا الفساد بلغ حد التفريط بـ"سيادة اليمن وترابه الوطني"... ويستشهدون على ذلك بأن تمرير "توقيع اتفاقية الحدود مع السعودية جرى بطريقة غير دستورية، حيث بيعت مناطق جيزان وعسير ونجران والوديعة للسعودية، وهي المناطق اليمنية التي كان قد أجرها "الإمام" لآل سعود وفقا لاتفاق الطائف عام 1934"... كما يؤكدون بأن "السعودية دفعت مليارات الدولارات لإغلاق ملف الحدود" .. ويتساؤلون بدورهم عن مصير هذه المليارات التي دفعت ثمناً لترابهم الوطني؟؟ ..

أما الفساد السياسي فقد انتهى بالبلاد إلى ديمقراطية شكلية يتم وفق آليات التزوير وتفصيل التشريعات الخاصة وصناعة المجالس النيابية والمحلية .. وفق مقاسات تضمن نظام الحكم وتفرده في السلطة .. !!

إن مجرد شبهة الفساد وما يدور بين اليمنيين وما يتناقله الإعلام من تفصيلات وحيثيات ربما تفسر ردود فعل النظام التي اتسمت– كردات نظرائه ومن سبقوه - بالمماطلة والمراوغة وشراء الوقت .. والمبالغة بإطلاق الفزاعات بدءاً من فزاعة الانفصال .. مروراً بفزاعة القاعدة.. وليس انتهاء بفزاعة الفوضى حتى بلغ به الأمر حد اللعب بورقة الدين والتحريض على نساء اليمن بحجة تجاوزهن على قواعد الحلال والحرام في الشريعة الإسلامية .. إلى جانب تنفيذ حفلات للقنص ..والقتل ..والخنق .. والتسميم .. وإطلاق الغازات المحرمة .. بحق شباب اليمن "الرائع" الذي لون الجغرافيا اليمنية بالدم وحب الوطن وعشق الكرامة والحرية .. وإرهابه بالقتل أو الإعاقات المستدامة ...!!

لقد نجح الشباب الثورات العربية في إسقاط كل ما أطلقته الأنظمة من فزاعات .. وعلى خطاهم نجح ثوار اليمن كذلك في إسقاط فزاعات النظام المتعددة والمتزايدة .. وأدركوا أن كل ما يطرحه النظام .. وما يبديه من تعنت ومراوغة .. ماهو إلا جزء من عملية متعددة الحلقات لشراء الوقت بما يسمح بترتيب الأوراق لخروج هذا النظام بشكل آمن مع ضمانات تقدمها دول العرب والغرب بعدم الملاحقة الجنائية لرأس النظام ورموزه .. فضلا عما تعنيه من مساع خبيثة لإجهاض هذا المسار السلمي العظيم للثورة العربية الكبرى وإخراجها عن مراميها ومساراتها والزج بها نحو العسكرة والعنف الدموي.. لعلها تكبح باقي الساحات العربية التي بدأت تشهد إرهاصات ثورية قادمة لا محالة !!

فكان الرد اليمني الحكيم بالإصرار على سلمية الثورة وحضاريتها .. وأخلاقيتها .. وإبداع المزيد من الوسائل والأدوات والشعارات .. والوعي الرفيع والعميق على كل ما تحت السطور في المبادرات المطروحة .. والتمسك بحقوقهم ومطالبهم المشروعة وأولها حقهم في الملاحقة والمساءلة لكل من سفك دمهم وأهدر مقدراتهم وكرامتهم الوطنية والإنسانية .. هاهم شباب التغيير في اليمن ماضون نحو الحرية والعدالة ..واقتلاع الفساد .. وإسقاط دولة القمع والاستبداد والديكتاتورية .. وإقامة دولة الحق والقانون والمساواة .. !! مما يجعلنا على يقين بأن الفصل الذي يكتبه اليوم "ثوار اليمن" سوف يشكل إضافة نوعية إلى سفر الثورة العربية المعاصرة.. ويرسم صورة مبهرة لهذا الزمان العربي الجميل 

كلمات دليلية :