إحداها في حرب أكتوبر.. 5 مرات كادت الحرب النووية تنشب بين أمريكا وروسيا

إحداها في حرب أكتوبر.. 5 مرات كادت الحرب النووية تنشب بين أمريكا وروسيا
الأحد ٠٨ أكتوبر ٢٠١٧ - ١٠:٤٩ بتوقيت غرينتش

نشر موقع «ذا ناشونال إنترست تقريرًا لتوم نيكولاس، أستاذ شؤون الأمن القومي بالكلية البحرية الحربية، تناول فيه أبرز خمس أزمات كادت تكون سببًا في اندلاع حرب نووية بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية.

العالم - الأميركيتان

عرّف نيكولاس «الأزمة» الدولية بأنها تلك المساحة القلقة بين السلم والحرب. وتكون ذات محددات ثلاثة: المدة، والتهديد، واحتمالية نشوب العنف؛ كلما قصرت المدة، زاد الشعور بتهديد المصالح المهمة، وزادت معه فرص الأذى الفعلي وحدّة الأزمة. لا يمكن للأزمة، بالتعريف، أن تستمر إلى أجل غير مسمى: فالأزمة، تمامًا مثلما يشير معناها الطبي، هي النقطة التي بعدها إما تسوء الأمور أو تتحسن. فأزمة عام 1914، على سبيل المثال، استمرت أسابيع فحسب، لكنها دفعت بالقوى العظمى في الحرب العالمية الأولى.

وقال نيكولاس إنه كان ثمة دلالة خاصة لكلمة «أزمة»، خلال الحرب الباردة، لأنَّ كل لحظة من لحظات النزاع السياسي كانت تزيد من احتمالية نشوب حرب نووية بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي. فلم تكن كل مواجهة بين الطرفين تحمل في طياتها احتمالية الحرب فحسب، وإنما احتمالية إبادة الحضارة الإنسانية برمتها. وبينما ننظر إلى تلك الفترات الآن كما لو كانت شيئًا مثيرًا للاهتمام معروضًا في متحف، فقد كانت لحظات من الخوف الوجودي لكل من القادة الأمريكيين والسوفييت على حد سواء.

على الأقل انتهت هذه الأيام، أو ربما لم تنته؛ ففي هذه اللحظة، تقف القوات الروسية على أهبة الاستعداد، على حدود أوكرانيا، تحت قيادة الرئيس فلاديمير بوتين. لو بدأت هذه القوات في التحرك غربًا، فسوف تتورط أوروبا والعالم في أزمة حقيقة، لم نر مثيلاً لها منذ الحرب الباردة. وقبل أن تبدأ الأزمة القادمة، فربما يكون من المفيد مراجعة أسوأ خمس أزمات في الحرب الباردة، قبل أن نجد أنفسنا مرة أخرى في مواجهة الحرب.

1. الجدار والدبلوماسي.. برلين 1961

قال وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، دين راسك، عام 1961: «عندما أخلد للنوم ليلًا أحاول ألا أفكر في برلين». كانت الحاميات الغربية في العاصمة المقسمة لألمانيا، طول فترة الحرب الباردة، العصب المكشوف للغرب.

حاول دبلوماسي أمريكي في شهر أكتوبر (تشرين الأول)، بعد شهور قليلة من تشييد الجدار، أن يعبر من خلال «نقطة تفتيش تشارلي» إلى ألمانيا الشرقية. طلبت شرطة ألمانيا الشرقية، التي لم تكن الولايات المتحدة تعترف بسلطتها، رؤية وثائق الدبلوماسي، فرفض وعاد لاحقًا مصحوبًا بسيارات الجيب والجنود. مرة أخرى طلب رجال الشرطة من الدبلوماسي أن يخضع لمطالبهم.

هذه المرة أرسل الأمريكيون دبابات. فأرسل السوفييت، الذين وصلتهم أنباء ما حدث، دباباتهم هي الأخرى. لثلاثة أيام حملقت المدافع الأمريكية والسوفييتية وجهًا لوجه في شارع ألماني. وأخيرًا، اقترح الأمريكيون بهدوء أن يختبر السوفييت الأجواء ويسحبوا دبابة واحدة. فلما فعل السوفييت ذلك، رد الأمريكيون بالمثل، فانتهت الأزمة، لكنَّ برلين الغربية ظلت حتى عام 1989 موقعًا غربيًا وسط معسكر شيوعي.

2. كوبا 1962

يقول نيكولاس إنَّ تاريخ الأزمة الكوبية معروف وليس بحاجة إلى إعادة سرد ها هنا. فكما حدث منذ عام في برلين، واجه جون كنيدي الزعيم السوفييتي نيكيتا خروتشوف، ومرة أخرى وقفت القوى العظمى وجهًا لوجه.

أخطأ خروتشوف الحسابات بشكل كبير: فقد أراد الحصول على ميزة استراتيجية سريعة ليس على حساب كنيدي فحسب، وإنما على حساب جيشه هو نفسه. إذ أنَّ الجيش السوفييتي قد عارض فكرة إحلال الصواريخ محل الرجال. ومع أنَّ كنيدي وافق على صفقة سرية لإزالة صواريخ أمريكية مشابهة من تركيا، فإنَّ خروتشوف قد شعر بالإذلال، واستُخدمت أزمة كوبا ضده عندما أزاله زملاؤه في الكرملين بعد عامين من ذلك التاريخ.

لو استمر الأمريكيون في خططهم لتفجير مواقع الصواريخ الكوبية، فمن شبه المؤكد أنَّ هذا الأمر كان سوف يعني حربًا نووية. بل لو وقعت حادثة عابرة أو لحظة من الذعر فقد كان من الممكن أن يتطور الأمر وصولاً إلى كارثة.

ويشير الكاتب إلى ملحوظة مثيرة للاهتمام وهي أنَّ الرمز اليساري المحبوب، فيديل كاسترو، قد شجع السوفييت على أن يكونوا البادئين باستخدام الأسلحة النووية في حال اجتياح كوبا. وقد وبّخ خروتشيف كاسترو على ذلك، وندم الديكتاتور الكوبي في النهاية على اقتراحه ببدء حرب عالمية ثالثة، وإن جاء هذا الندم بعد ذلك التاريخ بخمسين عامًا.

3. الحرب التي أرادها جنرالات السوفييت.. فيتنام 1965

قيل إنَّ ليندون جونسون قد انفجر غضبًا، في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 1965، في اجتماع مع القيادات المشتركة الذين أرادوا منه أن يزيد من التدخل في فيتنام. وقد سبهم جونسون سبًا مقذعًا، لرغبتهم، من وجهة نظره، في المخاطرة بحرب نووية في فيتنام. وكما اتضح لاحقًا، فلم يكن جونسون الوحيد الذي لديه مشكلة مع الجنرالات.

يشير الكات إلى أنه بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، نُشرت في روسيا، أخيرًا، المذكرات الممنوعة سابقًا للحليف السياسي لخروتشوف، أناستاس ميكويان. حكى ميكويان قصة مرعبة تعود للعام 1965 أيضًا: إذ اقترح قادة الأركان العامة السوفييت، الذين أغضبهم القصف الأمريكي لفيتنام، والتحرك الأمريكي السابق في جمهورية الدومينيكان، زيادة الضغط على برلين. قال ميكويان في المذكرات:

«شدد وزير الدفاع السوفييتي، الجنرال روديون مالينوفسكي، على أننا ينبغي ألا نقتصر على أي شيء كنا نقوم به بالفعل لمساعدة فيتنام، وأنه بعد أحداث الدومينيكان، ينبغي أن نتوقع تحركًا مباشرًا ضد كوبا. ومن ثم فينبغي لنا أن نواجه الأمريكيين بشكل فعال. واقترح القيام بمظاهرة عسكرية في الغرب (أي في برلين على الحدود مع أوروبا الغربية) وإرسال وحدات بعينها ــ قوات محمولة جوًا وغيرها ــ من أراضينا إلى ألمانيا والمجر. وأكد وزير الدفاع على أننا ينبغي لنا أن نكون مستعدين لضرب ألمانيا الغربية. وأضاف لاحقًا، ملاحظته القائلة بأنه: (بشكل عام، فيما يتعلق بالموقف الناشئ، ينبغي أن نُظهر أننا لا نخشى اقتراب خطر الحرب».

وكتب ميكويان قائلاً إنَّ هذا الموقف العسكري قد «روعه»، وأنَّ القادة السوفييت المدنيين أصابهم الذعر من هذه الفكرة، ورفضوها سريعًا. ومع ذلك، وبالنظر إلى سعي كلا الطرفين لتوسيع دائرة القتال في فيتنام، فمن حسن الطالع أنَّ ربيع عام 1965 لم يتحول إلى ربيع أشد حرارة مما كان عليه بالفعل.

4. إنذار أحمر.. الشرق الأوسط 1973

قال نيكولاس إنَّ الجيش المصري كان يبحث عن الانتقام بعد الهزيمة الموجعة التي تلقاها في حرب الأيام الستة عام 1967. فنفذت مصر –كانت حينها دولة عميلة للاتحاد السوفيتي ومؤيدة لوجوده في الشرق الأوسط– عام 1973، هجمة مفاجئة على إسرائيل في عيد يوم الغفران (يوم كيبور) –والمعروف عربيًا بحرب أكتوبر (تشرين الأول).

ومع أنَّ المصريين وحلفاءهم حققوا مكاسب كبيرة في البداية، إلا أنَّ الإسرائيليين استردوا عافيتهم بما يكفي لتنفيذ ضربة معاكسة، ما أدى إلى إحاطتهم في النهاية للجيش الثالث المصري كله وتهديدهم بإبادته. وبينما حاول وزير الخارجية الأمريكي هنري كيسينجر دعم الإسرائيليين، حاول الكرملين إنقاذ أصدقائهم المصريين بحل جديد هو جيش تدخل أمريكي سوفييتي للفصل بين الفريقين المتحاربين.

تعرف الأمريكيون فورًا على حقيقة عرض الكرملين وأنه محاولة لإدخال قوات سوفييتية إلى الشرق الأوسط، فرفضته واشنطن. هددت القيادة السوفييتية حينها بالتدخل الأحادي، وأرسلوا رسالة للرئيس ريتشارد نيكسون، وصفها كيسينجر لاحقًا بأنها واحدة من أخطر التحديات القادمة من موسكو التي واجهت البيت الأبيض.

كان نيكسون نهاية عام 1973 قد أضعفته عواصف الفضيحة وكان على بعد أقل من عام من الاستقالة، وربما يكون ذلك ما حرّض السوفييت على هذه الخطوة العدائية. ومع ذلك، فقد استجاب كيسينجر وفريق البيت الأبيض بوضع الجيش الأمريكي، بما في ذلك القوات النووية الأمريكية، في حالة التأهب القصوى. ومن المحتمل أن يكون السوفييت إنما كانوا يخادعون: إذ نفى مستشار سوفييتي سابق وجود أي خطط اجتياح سوفييتية، لكن سواء أكانت هذه التهديدات جدية أو لا، فقد تخلى السوفييت عن الفكرة، وبعد أسابيع قليلة من ذلك، خفّض الأمريكيون بهدوء من حالة التأهب.

لو كانت القوات السوفييتية قد دخلت المنطقة وانتهى بها الحال في حرب مع الإسرائيليين، فقد كانت الأمور لتختلف تمامًا ــ وذلك دون ذكر ما كان من الممكن أن يحدث لو لم تكن رئيسة الوزراء الإسرائيلية جولدا مائير قد رفضت خيار استخدام الترسانة النووية الإسرائيلية ذاتها.

5. هذا مجرد تدريب وحسب.. أوروبا 1983

آخر خطر كبير من حقبة الحرب الباردة وقع مصادفة، ولم يعرف الجمهور عن تلك الحادثة لعقود. بل ولم يعرف عن هذا الأمر كذلك معظم حلفاء أمريكا في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، على الرغم من انخراطهم في ذلك الأمر.

كانت العلاقات بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي باردة كما كانت دومًا، مع بدء إدارة الرئيس رونالد ريجان بالدفع باتجاه سياسة مواجهة صارمة مع الزعيم السوفييتي يوري أندروبوف، الذي كان رئيسًا متشددًا شغل سابقًا منصب رئيس الاستخبارات السوفيتية يقود زمرة من الرجال المسنين المصابين بالبارانويا في الكرملين. كانت سنة عاصفة، بدءًا من خطاب «إمبراطورية الشر» الذي ألقاه ريجان في مارس (آذار)، وانتهاء بإسقاط السوفييت لطائرة مدنية في سبتمبر (أيلول).

أجرت الولايات المتحدة والناتو تدريبًا عسكريًا في نوفمبر (تشرين الثاني) 1983، أطلقوا عليه «أبلي أرشر». كان هذا التدريب عبارة عن لعبة حرب مصممة لاختبار قنوات التواصل بين أمريكا الشمالية وأوروبا خلال الانتقال من العلميات التقليدية إلى العمليات النووية في حرب عالمية ثالثة افتراضية، إلى جانب أشياء أخرى. ومع أنَّ حركات الناتو كانت مشفرة، فإنّ كل رسالة كانت تبدأ بكلمة «تدريب»، وافترض قادة الولايات المتحدة والناتو أنَّ السوفييت سوف يتعرفون عليها ويفهمون الأمر على ما هو عليه.

لكنَّ ضباط المخابرات الأمريكية سرعان ما أدركوا أنَّ الاتحاد السوفييتي يتفاعل مع تدريب «أبل أرشر» كما لو كان عملية فعلية يجهز فيها الناتو للقيام بضربة نووية. ومع أنَّ الاستراتيجيين السوفييت عادة ما كتبوا عن احتمالية إطلاق الولايات المتحدة لحرب تحت ذريعة التدريب، وهي حالة كلاسيكية من حالات الإسقاط، فإنَّ أحدًا لم يفكر بجدية في أنَّ الكرملين يعتقد أنَّ الغرب قد يشعل فتيل حرب بلا سبب، وقطعًا ليس على حساب خسارة ضخمة في الرجال والأسلحة.

أثار رد الفعل السوفييتي (الذي كان البريطانيون أول من اكتشفه خلال التدريب) قلق الأمريكيين، الذين عانوا لفهم ما رأوه رد فعل سوفييتي غير عقلاني للعبة حرب. وفور توقف الحركة بين أمريكا وأوروبا، تراجع السوفييت عن استعداداتهم الانتقامية. لكنَّ ريجان على وجه الخصوص، تعلم درسًا من عام 1983 ومن تدريب «أبلي أرشر» على وجه الخصوص، مفاده أنه قد حان الوقت للتواصل مع الكرملين، الذين كان قادته أكثر خوفًا بكثير وأقل شعورًا بالأمان من أي شخص آخر حتى هذه اللحظة.

واختتم نيكولاس تقريره بالقول إنَّ كل أزمة من هذه الأزمات كان من شأنها أن تؤدي إلى اندلاع حرب عالمية. وأنَّ هذه الأزمات الخمس، وإن انتهت بسلام، كان كلا الطرفين يقامران فيها، ونجوا بفضل الحظ، أكثر من التخطيط والاستراتيجية. لكن عند نقطة ما ينفد الحظ. والأمل معقود الآن، بعد 30 عامًا على آخر حرب باردة، على أنَّ الرئيس فلاديمير بوتين ومرؤوسيه في الكرملين قد انتهوا من المقامرة بالسلم العالمي.

المصدر: شفقنا

221