هل "تدفن" المصالحة الاعتقال السياسي بالضفة؟

هل
الأحد ٠٨ أكتوبر ٢٠١٧ - ١٠:٥٠ بتوقيت غرينتش

في مستشفى الخليل الحكومي، وبينما كان المعتقل السياسي لدى جهاز مخابرات السلطة أحمد أبو سندس مسجاً يتلقى العلاج بسبب ما تعرض له من تعذيب في أقبية التحقيق، كانت الأخبار تنهمر على شاشة التلفاز أمامه معلنة وصول وفد حكومة الوفاق لغزة لتلسم مهامها.

مشاعر أبو سندس امتزجت ما بين الفرح، والخوف، والألم الذي لا يزال ينغرس في جسده بعد 25 يوماً من الاعتقال السياسي لدى أجهزة مخابرات السلطة، متسائلا إن كان هذا الأمل القادم من بعيد سيمحوا مشاعر الألم التي لم تفارقه بعد؟.

واكتفى أبو سندس بالقول في حديث مقتضب: "لا قيمة للمصالحة إذا لم يتوقف الاعتقال السياسي.. وخاطب الجميع: نتمنى من الله أن تنجح مسيرتكم حتى ينتهي ما بنا من عذاب". 

150 انتهاكا

ورغم أجواء الأمل، والترتيبات للقاءات المصالحة، فقد رصدت لجنة أهالي المعتقلين السياسيين في الضفة، ما يزيد عن 150 حالة انتهاك ارتكبتها أجهزة أمن السلطة، توزعت على 40 حالة اعتقال، وأكثر من 100 حالة استدعاء، فضلاً عن تعذيب العديد من المعتقلين، وإضراب بعضهم عن الطعام لاعتقالهم غير القانوني.

ففي مدينة الخليل قام عناصر من جهاز الأمن الوقائي بالانقضاض على الأسير المحرر جمال كرامه خلال عودته من عمله جمعية الاحسان الخيرية وانتزعوه من سيارة الجمعية وقاموا بسحله على الأرض وانهالوا عليه ضربا ومن ثم قاموا باعتقاله لعدة أيام قبل أن يتم الإفراج عنه بعدها.

ويوضح جمال كرامه بالقول: جريمتي التي أدت إلى سحلي في الشارع العام وضربي ضربا مبرحا أمام الناس، أنني طلبت من ضابط الوقائي الذي جاء لاعتقالي كتاب النيابة لاعتقالي موقع من النيابة العامة وهذا أمر قانوني بحت.

ويضيف: أكثر شيء آلمني ولا زال صداه في  أذني ولن أنساه طوال حياتي وهو عندما ناقشته في كتاب النيابه رد علي ضابط الوقائي بالشتائم والسباب، وانهال علي ضربا وسحبني على الأرض في وضح النهار، حيث اعتقلت لمدة 3 ايام دون أي تهمه.

واختتم كرامه حديثه بالقول: في المرات السابقة تقدمت بشكوى على جهازي الوقائي والمخابرات لاعتقالاتهم السابقة وتعرضي للتعذيب لكن دون جدوى، ورغم كل هذا الألم فإننا ندعم المصالحة التي يمكن أن تنصفنا وتحمي حقوقنا وكرامتنا.

 اعتقال بالخطأ!

في وادي الهرية في الخليل وفي اليوم الثاني لزيارة حكومة الوفاق لقطاع غزة وتسلم مهامها، انقض عناصر المخابرات على الأسير المحرر منجد أبو قبيطه أمام منزله وألقوه على وجهه على الأرض وكبلوه وألقو به في سيارة مغلقة بعد أن أوجعوه ضربا، واقتحموا منزله وعاثوا فيه فسادا وخرابا وأمروا زوجته المريضة أن تقوم من فراشها رغم منع الطبيب لها من الحركة بسبب مرض في عمودها الفقري، كما تقول عائلته.

وتشير العائلة إلى أنه بقي محتجزا في مقر الجهاز بمنطقة المحاور حتى الساعة الرابعة فجرا اليوم التالي، ليتم الإفراج عنه بعدها وإبلاغه أنه تم اعتقاله بالخطأ وليس هو المستهدف!.

غوانتانامو أريحا؟

واستمرارا لسياسة الاعتقال والقمع التي تمارس ضد النشطاء السياسيين وخاصة نشطاء حماس، فقد كشفت شهادات لمعتقلين أفرج عنهم مؤخرا من سجن أريحا الذي يطلقون عليه إسم "غوانتامو أريحا" تعرضهم للتعذيب الشديد.

الأسير المفرج عنه قبل أسبوع (م . ف) والذي رفض الكشف عن إسمه الصريح خوفا من الملاحقة مجدا، من سكان بلدة صوريف غربي الخليل، أمضى خمسة وعشرون يوما في ذلك السجن بتهمة القيام بنشاطات لحركة حماس.

ويصف ما جرى معه من تعذيب وتحقيق شرس شيء لا يمكن تصوره بتاتا وهو أشبه بمحاكم التفتيش التي استخدمت في القرون الوسطى.

وأضاف في حديث: هذا النوع من الاعتقال تشرف عليه لجنة أمنية مشتركة مكونة من جهاز الوقائي والمخابرات والاستخبارات والشرطة والأمن الوطني والقوات الخاصة، كل ذلك يجري في سجن مكون من ثلاث طبقات.

ويتابع بالقول: في اللحظة الأولى التي يتم فيها إنزال المعتقل السياسي من السيارة ينهال عليه نحو عشرة من قوات الأمن الوطني ضربا بالهراوات على كامل أجزاء جسده وبعض الأسرى يغمى عليهم، وهذه هي البداية كحفل استقبال قبل أن يطرح عليه أي سؤال كان، ويلقى به في زنزانة حديدية، حيث تشتد درجة الحرارة لتصبح داخلها فوق الخمسين حتى يظن المعتقل عندها أن النهاية قد اقتربت.

وعندما تبدأ جولة التحقيق ينقل المعتقل إلى زنزانة لا يزيد حجمها عن متر مربع وارتفاعها 3 أمتار وفي سقفها فتحة هواء بارد وتصبح وكأنها ثلاجة للموتى، هذه الزنزانة لا يوجد فيها مرحاضا ولا حماما، ويتم تزويد السجين بزجاجة لقضاء حاجته فيها، وفي الليل يتم استخدامها كوسادة، حيث لا فراش ولا غطاء.

وقد أكد النائب في المجلس التشريعي د. حسن خريشة على ما يجري في سجن أريحا، وقال: كثير من المعتقلين السياسيين يتم تحويلهم من مناطق مختلفة في الضفة إلى أريحا، وهناك يتم التحقيق المركزي معهم، ويتم تعذيبهم دون وجه حق، حيث كان منهم اعتقال الصحفيين: سامي الساعي، محرر الأخبار في تلفزيون الفجر الجديد بطولكرم، ومحمد سعيد جهابشة، مقدم البرامج في إذاعة مرح بالخليل".

وأشار خريشة إلى ارتفاع وتيرة الاعتقالات السياسية في الضفة المحتلة، وغالبيتها تتم على خلفية الرأي والتعبير.

وقف الاعتقال السياسي

بدوره، اعتبر الأسير المحرر والقيادي بحركة الجهاد الإسلامي خضر عدنان،  أن الحديث عن مصالحة في ظل قمع الحريات واستمرار الاعتقال السياسي عبث.

وأضاف عدنان في حديثه: لا يعقل بتاتا أن يؤجل الحديث عن وقف الاعتقال السياسي وخاصة في الضفة الغربية حتى يتم الانتهاء من الملفات الأخرى، وطالب بوقف الاعتقال السياسي فورا، وأن يكون ذلك ملموسا على الأرض ويشعر المواطن به.

وأكد عدنان أنه بدون طي هذا الملف فان عائلات الأسرى والشارع الفلسطيني لن يقتنعوا أن هناك مصالحة وسيتعاملون مع ما جرى في غزة أخيرا مجرد كرنفال وحبر على ورق.

وتسود في الضفة الغربية، حالة من القلق حول مستقبل المصالحة في ظل استمرار الاعتقال السياسي، وقد أظهرت مئات التغريدات على شبكة التواصل الاجتماعي حالة من الغضب والاحتجاج على عدم وقف الاعتقال السياسي في ظل الحديث عن جلسات قادمة للحوار في القاهرة.

المصدر: المركز الفلسطيني