حرب ابن سلمان على آل الشيخ: الفتوى لي!

حرب ابن سلمان على آل الشيخ: الفتوى لي!
السبت ٢١ أكتوبر ٢٠١٧ - ٠١:٢٨ بتوقيت غرينتش

يواصل وليّ العهد السعودي مساعيه لتحجيم الجناح الديني الحاكم في المملكة، ضمن موجبات رؤيته لـ«السعودية الجديدة».

العالم - السعودية

آخر خطواته في هذا المضمار إصدار قرار، مذيّل باسم والده الملك، بإنشاء هيئة لـ«التدقيق في الأحاديث النبوية». قرار يُعدّ علامة فارقة عمّا سبقه من خطوات، كونه يدفع بـ«كبار العلماء» نحو تهميش أنفسهم بأنفسهم، ويفتح الباب على توقعات بخطوات جديدة قد لا تسلم من العثرات

لم يكن الأمر الملكي السعودي بإنشاء هيئة للتدقيق في استخدامات الأحاديث النبوية، تحت مسمى «مجمع الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود للحديث النبوي الشريف»، مفاجئاً. ذلك أن المسار الذي خطّه نجل الملك، ولي العهد، محمد بن سلمان، منذ اعتلائه سدة السلطة رئيساً لـ«مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية»، أنبأ بأن دائرة «الإصلاحات» ستتسع، في نهاية المطاف، لتطال الذراع الدينية للسلطة السياسية.

بدأ الأمر في شهر نيسان/ أبريل من العام الماضي مع تقليص صلاحيات «هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»، بحيث يقتصر دورها على الإبلاغ عن حالات «الاشتباه»، بدلاً من ملاحقة الناس واعتقالهم. ثم جاء، بعد حوالى شهر من ذلك، إنشاء «الهيئة العامة للترفيه» ليوجّه ضربة جديدة إلى المؤسسة الدينية التي وجدت نفسها في مأزق كبير، وظلّت تكتم، على مضض، امتعاضها من الخطوات المتلاحقة الماسّة بجوهرها. ثم جاء، في شهر أيلول/ سبتمبر الماضي، رفع الحظر الذي كان مفروضاً على قيادة النساء للسيارات ليُضاعِف ذلك الحرج، ويرسم المزيد من علامات الاستفهام حول نفوذ المؤسسة الدينية في ظل التغييرات الاقتصادية والاجتماعية التي يقودها ابن سلمان.

اليوم، تأتي «الضربة» الرابعة على شكل هيئة «هدفها القضاء على النصوص الكاذبة والمتطرفة، وأي نصوص تتعارض مع تعاليم الإسلام، وتبرر ارتكاب الجرائم والقتل وأعمال الإرهاب»، بحسب ما أعلنت وزارة الثقافة والإعلام السعودية. على أن ما يميز هذه «الضربة» عن سابقاتها، أنه سيكون على المؤسسة الدينية، بموجبها، تأدية دور في إطار الرؤية الجديدة لولي العهد، بعدما كان مطلوباً منها في السابق (من خلال الخطوات الآنفة) الإحجام وابتلاع ألسنتها. إذ إن الهيئة، التي سيشرف عليها «مجلس من كبار رجال الدين الإسلامي من مختلف أنحاء العالم»، وسيرأسها الشيخ محمد بن حسن آل الشيخ، عضو «هيئة كبار العلماء»، «ستخدم الإسلام بإقامة مرجعية أصيلة للحديث النبوي الشريف وعلومه، جمعاً وتصنيفاً وتحقيقاً ودراسة».

مهمة يمكن القول إنها تشكل «نقلة» في مسار التجاذبات بين المؤسستين الدينية والسياسية، والتي ترجع إلى ستينيات القرن الماضي وسبعينياته. كانت السمة الغالبة على تلك التجاذبات هي اضطرار أحد الجناحين إلى تقديم «تنازلات» لمصلحة الآخر، من دون أن يضرب ذلك أساس التوازن القائم على «التبادل الوظيفي». في أوائل الستينيات، إبان احتدام النزاع بين الملك سعود وأخيه فيصل، وجد سعود في من سُمّوا «الأمراء الأحرار» (طلال وبدر وعبد المحسن وغيرهم)، المطالبين بالحريات الديموقراطية والتغييرات الاجتماعية والسياسية، ظهيراً له في مواجهة أخيه، فعمد إلى استمالتهم بجملة خطوات أثارت سخط المؤسسة الدينية، إلا أنه سرعان ما عاد إلى استرضاء الأخيرة التي اعتبرت قراراته «مخالفة لروح الإسلام». ولم يكن إلغاء قانون العمل وإزالة اللافتات عن استديوات التصوير في الرياض إلا جزءاً من تنازلات سعود للجناح الديني.

فيصل، هو الآخر، انخرط، حتى قبيل اعتلائه سدة العرش، في اللعبة نفسها. فمع استعار الصراع على السلطة بينه وبين أخيه سعود، عمد إلى استثارة طائفة واسعة من رجال الدين، على رأسها مفتي الديار السعودية آنذاك، محمد بن إبراهيم آل الشيخ، ضد خصمه، بدعوى «خروج الأخير عن أحكام الشرع». إلا أنه، بعدما تمكّن من هزم أخيه، وجد نفسه مضطراً إلى تبديل خَطابه بما ينسجم مع الدعوات المتكاثرة إلى «الإصلاح». هكذا، وعد فيصل بإصلاح وضع «هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»، وتوفير الحقوق الأساسية للمواطنين بما فيها حرية الرأي والتعبير، والسماح بما سماها «التسلية البريئة». وعود أسفر التفاوض، غير المعلن، مع المؤسسة الدينية بشأنها، عن ظهور تغيرات من قبيل انتشار أجهزة الفونوغراف وبيع التبغ والعروض السينمائية الخاصة وتوزيع الصحف والمجلات المصورة واشتغال المرأة في الإذاعة، بيد أنها لم تذهب أبعد من ذلك على الرغم من تمكن فيصل من إدخال البلاد في طور من المأسسة المنتَجة أميركياً.

اليوم، يَثِب ولي العهد الشاب على قواعد اللعبة تلك، باندفاعة لم يسبق أن شهدت لها السعودية نظيراً، وفي إطار نظري هو الأول من نوعه لناحية شقّه الثقافي الاجتماعي (رؤية 2030)، وفي ظل وضع داخلي متأزم يراوح فيه نجل الملك منذ تعيينه في منصبه الجديد. واقعٌ يضع محمد بن سلمان أمام جملة تحديات؛ أبرزها اثنان: أولهما أن الجمهور الذي أَلِف لعشرات العقود نمطاً دينياً واجتماعياً متزمتاً لن يسهل عليه التخلي عن ذلك الموروث، حتى ولو بـ«التقسيط»، وما السخط «الافتراضي» الذي أدى إلى إعلان الفنانة المصرية، شيرين عبد الوهاب، قبل أيام، إلغاء حفل لها في الرياض، إلا دليل على ما يمكن أن يولّده «الاعتراف بنوع من الفن لطالما كان محظوراً في بلاد الحرمين»، على حد تعبير المغردين على «تويتر».

وثاني تلك التحديات إمكانية اتحاد الجناح الديني مع الجناح السياسي المناوئ لابن سلمان ضد الأخير، على قاعدة «وحدة المصلحة»، وبالتالي احتمال تكرر سيناريو الستينيات الذي أدى إلى إطاحة الملك سعود. من هنا، فإن ولي العهد الشاب يجازف، راهناً، بمساندة المؤسسة الوهابية له، في وقت تتكاثر فيه الأعين المفتوحة على سلطته، والطامحة إلى زعزعتها.

إلى اليوم، لا يزال محمد بن سلمان قادراً على السير على الحبال من دون أن يسقط، ماضياً بثبات نحو تشكيل «سعودية جديدة» تتقلص فيها هيمنة الجناح الديني لمصلحة الأفكار الليبرالية، لكن، إلامَ يستطيع «الملك القادم» القفز على كل القواعد والأعراف، التي حفظت توازن «المملكة الحديدية» طوال العقود الماضية، من دون أن تعلو في وجهه أصوات المعترضين؟ وهل تجدي نصائح محمد بن زايد، حول كيفية التخلص من «لوثة» التكفير والإرهاب، في إحداث تغيير «صاروخي» في هوية مملكة قامت على التعاقد التاريخي بين الوهابية وآل سعود، من غير أن يؤدي ذلك إلى اهتزازات على مستويات عدة؟

صحيفة الأخبار

106-