خضر عواركة: من يجب أن نحاسب في أمل وحزب الله؟ (1)

خضر عواركة: من يجب أن نحاسب في أمل وحزب الله؟ (1)
الجمعة ٢٧ أكتوبر ٢٠١٧ - ١١:٤٨ بتوقيت غرينتش

ليس هناك سياسيٌّ قويٌّ يُولدُ ديكتاتوراً، بل هُنا شعبٌ يُجبُّنُ عن مواجهةِ انحرافِ السياسيّ فيتحوّل إلى ديكتاتورٍ بتخاذلِ النّاسِ عن واجبِ تصويبهِ ومراقبته.

هو المرضُ الشرقيّ المُزمن في البحثِ عن بطلٍ وإسقاطِ صورةِ الرجلِ الخارقِ على أيّ شخصيّةٍ مُتاحةٍ في منصبٍ عامّ، فيبقى الخارقُ خارقاً حتّى لو تبيّنَ أنّه سيء الإدارة وخَسِرَ حرباً ولم يربح أُخرى.

تجربةُ عبد الناصر ماثلةٌ أمامنا في مصر، وتجربةُ الأكاذيب التي أصبحت مقدّساتٌ حول السّفّاح المُجرمِ المُتخاذِل أمام الغزو الصليبي بعدما انتصرَ عليه صلاح الدين ماثلةً أمامنا تُثيرُ زوابع الغُباءِ مرّةً تلو أُخرى.

صناعةُ الديكتاتور ليست سوى مِهنةَ الشّعوبُ الغبيّة، التي تبحثُ عن القوّةِ في شخصٍ فردٍ مع أنَّ قوّةَ أيّ فردٍ تتحقّقُ مِن خلال الناس، فالشعبُ هو مصدرُ قوّة أيّ زعيم، والشّعبُ هو البطلُ أو هو بأدائِهِ سببُ الجريمة.

لا يعني هذا أنَّ حصانةَ النفسِ وتَقوى القائدِ ليست مطلوبةً بل هي درعٌ يحمينا من تَبِعَاتِ الجرائم التي يرتكبها العامّة الرُّعاع من ناخبٍ ومُنَتخبٍ بحقِّ أنفسهم وبحقِّ المُجتمعِ حين يريدونَ تحويلَ الورعِ التّقيّ إلى ديكتاتورٍ لا يخشى الله في النّاس.

في تاريخِنَا تجاربٌ عديدةٌ تُسهّلُ فهمَ مقاصد ما سبقَ ذِكره.

الوطنيُّ ابنُ الفقراءِ أحمد الأسعد الجدّ كانَ النّاسُ ينظرونَ إليهِ على أنّهُ العروبيُّ الشريفُ والنزيهُ المُعادي للاحتلالِ الأوروبيّ وللتقسيمِ القائِمِ على قاعدةِ استتباعِ الجنوبِ والشمال والبقاع إلى محميّةِ جبل لبنان المارونيّة، ليُصبحَ ما يُعرَفُ الآن بلبنان جزءاً من التركيبةِ الفرنسيّة - البريطانيّة للحُكمِ في ذلكَ الزمن .

ولم يتحوّل أحمد الأسعد إلى مُتعاونٍ مع الفرنسيّينَ والبريطانيّينَ إلّا لأنّه لم يخشَ ردّة فعلِ النّاس، فصارَ عميلاً وتحوّلَ إلى إقطاعيّ يستبدلُ مصالحَ الناسِ بمصالِحِه الخاصّة فإنْ تحقّقت رَضِيَ. لم يكن ذلك مُمكناً إلّا لأنَّ الأنصارَ والأعوانَ باعوا وعيهُم بالعاطفةِ وقَبضوا الخواء والخسران لأجيالِ فورث كامل الزعامةِ ومعها وَرِثَ شعباً ذليلاً.

حتّى بيار الجميّل كان يزعم أنّهُ مناضلٌ ولولا تحكيم العواطفِ لا العقلِ لدى الرُّعاعِ من جَهَلَةٍ ومُثقّفينَ ونُخبٍ وأكليروس لَما أصبحَ سفّاحاً مُجرماً وعميلاً من أبنائِهِ قدّيساً في نظرِ الجيلِ الحاليّ من المسيحيّينَ والجيلِ الذي سَبِقَه.

هل تعرفونَ مَن قائد الثّورةِ الناصريّة عام 1958 ضد مشروعِ حلفِ بغداد الخيانيّ الذي أشعلَ حرباً أهليّةً في لُبنان ضدّ الرئيس اللّبنانيّ في حينه كَميل شمعون ؟

إنّهُ صائب سلام الذي حملَ وأنصارهُ السّلاحَ للقتالِ ضدّ الفاشيّةِ اللّبنانيّة في حينه مُدافِعاً عن سياساتِ جمال عبد الناصر.

لكنّ الرجل نفسهُ وبسببِ غيابِ المُراقبةِ والمُحاسبةِ الجماهيريّة وقفَ في عام 1982 داعماً لسياساتِ الأميركيّينَ 

التي أرادت أن تُحقّقَ بالسياسةِ ما لم يُحقّقهُ الإسرائيليّ بالحرب. وقد نظرَ الوطنيونَ إلى صائب سلام نظرتنا اليوم إلى عقل هاشم، فالرجلُ وقفَ مع الطُّروحاتِ الأميركيّة والإسرائيليّة بدفعٍ سعوديٍّ وصارَ يشنُّ حملاتٍ نفسيّة وإعلاميّة لتحريضِ البيارِتة واللّبنانيّينَ على رفضِ وجودِ مُنظّمةِ التّحريرِ والمُقاوَمة اللّبنانيّة في بيروتَ المُحاصَرة، أي إنّهُ دفعَ الناس إلى إعلانِ الاستسلام.

كميل شمعون نفسه، المارونيّ الشوفيّ من ديرِ القمر كان يُلقّبُ في مطلع الثلاثينيّات من القرن الماضي بـ "فتى العروبةِ الأغرّ" لشدّةِ تعصّبهِ لقوميّتهِ العربيّة، لكنّهُ حين وصلَ إلى الرِّئاسةِ حاربَ القوميّة العربيّة ومَدِّها النّاصريّ لمصالح شخصيّة مُتسلّحاً بانتمائِهِ الطّائفيّ وبإنجازاتٍ عصريّة تُحسبُ لهُ لا عليه في ذلك الزّمن.

ياسر عرفات عاشَ في الضفّةِ الغربيّة مُتنقّلاً من قريةٍ إلى أُخرى مُتنكِّراً ومُقاوماً عام 1969 ثمّ تحوّل إلى سجّانِ المُقاومِين مُستغلّاً رمزيّته وشعبيّته.

حركةُ فتح التي كانت قُلوبُ العربِ تَرقصُ عندَ سماعِ اسمها لأنّها كانت رمزُ العملِ الفدائيّ أين أصبحت الآن؟

السيّد قامةٌ وطنيّةٌ إنسانيّةٌ بما بنى لنفسهِ في نفسهِ من حصونٍ ضدّ الغرورِ والفسادِ والطّمعِ، فصارَ ما صارَ عليهِ من رِفعةٍ أخلاقيّةٍ انعكست على صدقِ التعاملِ مع أمورِ الناسِ بخوفِ الله لا بالغرور، وبحُبِّ خدمةِ النّاسِ لا بحبِّ المُصالحِ الشخصيّة، فكلّما ارتفعت شعبيّته وعزّه الشخصيّ أصبحَ أكثر تواضعاً وأكثر ترفّعاً عن الأمورِ الدنيويّة.

ولم يُحقّق سيّدُ المُقاومةِ هذا الأمر بسهولةٍ، فالمرءُ يمرُّ ولو كانَ نبيّاً في مُعاناةٍ وألمٍ ويُعذّب نفسهُ لترضَخَ فلماذا يا أشرفَ النّاسِ تُريدون أن تُضرّوا بسيّدِ المُقاومةِ بدلاً عن أنْ تُقدِّموا لهُ العَون؟

السيّد حسن نصرالله أشرفُ مَن في الأرضِ ولكن هو إنسانٌ والإنسانُ خَطّاءٌ ومَنْ لم يعمل لا يُخطئ فمِنْ أينَ لكم الحقّ بمساواةِ أنفسكم "بصبّاط" فتُهينونَ أنفسكم وتُهينونَ سيّدكم؟؟

حبُّ القائدِ وَفاءٌ، لكنّ الوفاء الأوفى هو الوَعيُ وتحصينُ الحالةِ السياسيّةِ والشعبيّةِ المُواليةِ لسماحتِهِ بكشفِ المُجرمينَ المحسوبينَ على السيّدِ مِن سُرَّاقِ المالِ العامّ ومُستغلّيّ المُقاومة لارتكابِ الجرائمِ ونَهبِ الأموالِ والابتزازِ وحمايةِ المُجرمينَ الصغار وتركيبِ التُّهمِ لمن يُخالفونَ الأوامرَ ويُحاولونَ كشف النقائص.

حبُّ السيّد لا يُوجّب شنّ حملة بروباغندا لإظهارِ نائبٍ نادمٍ على ما بدرَ من ناخبيهِ باكياً تقصيرهُ مُحاوِلاً تقديمَ المدائحِ لسيّدِ المُتواضعينَ بعدما تبيّنَ أنَّ ساحتَه الانتخابيّة ليست مُحصّنةً من اختراقاتِ الأعداء، مُتّهِماً نفسهُ وهو ليس بمتَّهم فلا سيّد الأخلاقِ يقبلُ من أخٍ مُجاهدٍ ذو تاريخٍ طويلٍ في العملِ السياسيِّ المُقاوِمِ مثل هذا الأمر، ولا التذلّل يليقُ برفيقِ دربٍ مع زعيم نجله لأنّه لا يُمارسُ مُمارسات الزعيمِ ولا يَجني ثِمار الزعامةِ لنفسِه.

السيّد مُجاهدٌ والنائبُ مُجاهدٌ فمَن قالَ إنَّ هناك مجاهدٌ أفضلَ مِن آخرَ عند الله إذا كان هدفُ وإخلاصُ الرجلَين واحد؟؟

حاشا لسيّد المُقاومة سماحةُ الأمينِ العامّ لحزبِ الله أنْ يكونَ مِمَن يرضَونَ بالمدّاحينَ أو أنْ يكونَ مِمَن يَرضَى مِن كلامِ المُتملّقين.

ما حصلَ على الشّاشاتِ مِن شتائم بحقِّ السيّد من قَلبِ الضاحيةِ لا يضرّ بـ "شسعِ نعل" سماحتهُ والإدانةُ على مَن كانَ فاقِداً للأخلاقِ والشرفِ مِمَن تلفّظَ بِما تلفّظ ضدَّ رجلٍ ليس مِن واجبِهِ حماية سرقة الأملاكِ العامّة لكنّ ما أضرّ بسماحَتِهِ هو مَن تملّقَ شَسع النعلِ وهو أمرٌ لا يليقُ بمَن رفعوا مِن قيمةِ الحريّة حتّى قدّموا الغالي والنَّفيس مِن أجلِها.

المُقصِّرونَ بالأسماء

من نوّابِ الحزبِ إلى وزرائِهِ إلى كلِّ صاحبِ مسؤوليّةٍ في التّنظيمِ والبلديّاتِ إلى النُّخَبِ المُستفيدة:

أنتم المُجرِمُونَ لا الشَّتّامون فقط..

أنتم سببُ التّقصيرِ وأنتم سببُ الخوات والمافياتِ والكبائر التي اجتاحت مُجتمع المُقاومة

سيّدُ المُقاومَةِ يُقاتِلُ على ألفِ جبهةٍ، فمَن مِنكم قدّمَ له العَونَ عبرَ القيامِ بدورِهِ كامِلاً في الواجبِ وفي التّطوّعِ وفي النُّصحِ والإنجاز؟

دورُ النُّخَبِ في قيادةِ المجتمع:

لا يمكن لطرفٍ حزبيٍّ أو سلطَويٍّ أنْ يكتفي بنفسِهِ عن طاقاتِ النُّخَبِ الشعبيّة، لكن بدلاً عن تجنيدِ تِلكَ النُّخَبِ لكيلِ المدائحِ الفَارغةِ تملّقاً على الشّاشاتِ على القِوى الحزبيّةِ المُسيطِرةِ أنْ تُطلقَ سَراح الإرادات؛ فلا تقمعَ ولا تنبذَ المُنتقدينَ والمُراقبينَ والقيادات الشعبيّة المُتطوّعة لعرضِ أمورِ الفاسدينَ عَلناً، لأنَّ أسرعَ طُرقِ الوصولِ إلى قِوى قادرةٍ على التّحقيقِ والاستقصاءِ والتّصحيحِ هو الإعلام.

لهذا ..

قبلَ أنْ يبدأَ المُتنوِّرونَ في طائفةِ المُوحّدينَ الشيعةِ بمحاسبةِ حزب الله وحركة أمل على تقصيرِهما تجاهَ حاجاتِ الناسِ وآلامِهم علينا أنْ نُحاسِبَ مَن أوصلَ الطّرفين إلى القدرةِ على تحويلِ الفسادِ في صفوفِهم إلى سرٍّ إلهيٍّ لا يمكن الحديث عنه عَلناً.

تُريدونَ أن تكونوا فِداءً السيّد والأستاذ؟؟

حسناً ...تحدّثوا عَلناً عن الفاسدينَ بالوقائِعِ والوثائِقِ ودَعوا الإعلامَ الأهليّ يُوصِل تلك الأخبار إلى حيثُ يجب.

تَخشونَ الفاسدينَ وسَطوَتهم؟؟

إذاً أنتم لا تُحبّونَ السيّد ولا ترغبونَ من الرئيسِ برّي أنْ يُنظّفَ حديقةَ حركتِهِ من أمثالِ محمّد عبد الحميد بيضون.

لا ُنبرّئ قيادةَ أمل ولا قيادةَ حزبِ الله من جريمةِ التّقصيرِ بحقِّ الشعبِ الذي أعطاهم ما لم يُعطى لعليّ بن أبي طالب عليهِ السلام، لكن تَعالوا بعدما نُدينُ غياب المُحاسبةِ عن التّنظيمينِ نُحاسبَ أنفُسنا وشعبَنا، فغيابُ المُحاسبةِ عندَ سُلطةٍ بحجمِ "مختار قرية" تجعلُ المختارَ طعمَاً سَهلاً للنفسِ الأَمّارةِ بالسوءِ، وهذا أمرٌ طبيعيٌّ فما بالكم في تنظيماتٍ وَصلَ تأثيرُ أحدها إلى أنْ يُنافسَ حلف الأطلسيّ على نفوذهِ وواشنطن على سُلطتِها من بابِ المندبِ إلى إسكندرونَ ودرعا والجولانَ وبغداد؟؟ 

حمايةُ المُقاوَمةِ تبدأُ بأنْ نُواجِهَ الفَاسدينَ في صفوفِها.

خضر عواركة - آسيا نيوز