ورد الضفة الجوري في مواجهة الاستيطان

ورد الضفة الجوري في مواجهة الاستيطان
الأحد ٢٩ أكتوبر ٢٠١٧ - ٠٤:٣٩ بتوقيت غرينتش

تتنوع حكايا الإصرار والمواجهة لدى مواطني شعب أنهكته سبعة عقود من الاحتلال، استطاع خلالها سلب سمائه وأرضه وبحره، ولكنه فشل بصورة جلية في القضاء على شتى أشكال استمرارية الحياة. فرغم الجدار والاستيطان المدجج بكل أشكال القتل، إلا أن رائحة الورد الجوري تطغى على إرهاب وبطش الاحتلال.

العالم فلسطين 

جهاد أبو هواش (55 عاماً) مزارع فلسطيني رافقه حلم زراعة الورد الجوري 29 عاماً. ورغم القيود التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي فضلاً عن الصعوبات المناخية، تحدى أبو هواش كل تلك المعيقات صانعاً جنة من الورد حملت إسم "فلورا باليستاين".

كان اللقاء الأول للمزارع الفلسطيني جهاد أبو هواش (55 عاماً) بالورد فوق تراب الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، وذلك في مدينة أم خالد الفلسطينية المحتلة قبل نحو ثلاثة عقود. احتفظ بالفكرة طوال 29 عاماً. يحلم بأن يرى ورداً ينمو ويعاند الاحتلال فوق أرضه في مدينة دورا الواقعة إلى أقصى الجنوب الفلسطيني، من دون يأس أو تعب. 

يقول أبو هواش للميادين نت "عملت في مجال البناء لمدة 27 عاماً، وبقيت فكرة زراعة الورد بالنسبة لي حلماً أنشده صباح مساء، فقبل نحو أربع سنوات بدأت بزراعته، بعد إجراء عشرات الأبحاث والتجارب وإضافة بعض المواد إلى التربة لتصبح قابلة لزراعته". 

ويحتاج الورد الجوري إلى تربة غنية بالسماد والحديد، وتهوئة متوسط للتربة، بالإضافة إلى درجات حرارة متناسبة ليلاً ونهاراً، ورطوبة جوية مناسبة تقيه من الذبول والجفاف، وهي عوامل لم تكن موجودة في أرض المزارع جهاد، لكنه استطاع من خلال الأبحاث والدراسات التي أجراها تهيئة الأجواء لزراعة الورد. 

ما يثير الجدل والقلق هو أن زراعة الورد تحتاج لأجواء ساحلية رطبة، وتمتاز أراضي بلدة دورا بانخفاض الرطوبة وارتفاع الحرارة، وجهاد هو أول مزارع في الجنوب الفلسطيني إن لم يكن الوحيد، من يقدم على زراعة الورد على عاتقه الشخصي من دون الاستناد إلى أبحاث أو دراسات حول هذا الأمر. 

ويتابع جهاد حديثه قائلاً "لم استسلم لكل المثبطات المحيطة. لم أكترث لنصائح المؤسسات الزراعية ومهندسيها، كوننا نمتاز نحن أهل الجنوب بقساوة العقل، فخضت التجربة وزرعته، شعرت أنني بدأت حياتي من جديد في مواجهة العوامل الذاتية والموضوعية المحيطة بي". 

كما بيّن أبو هواش أن لقائه بأحد المزارعين الفلسطينيين العاملين في مشتل لبيع الورد في الداخل المحتل، مكنه من الحصول على كتاب باللغة العبرية عن زراعة الورد بشكل مفصل، اشتراه ب 170 دولاراً، وساعدته خبرته الكبيرة في اللغة إجادة العبرية من الانطلاق في مراقبة "تصرفات" ورده. 

من جهته، قال حكيم (37 عاماً)، شقيق جهاد الأصغر للميادين نت، إن عائلته تخوفت بداية من أن يتخذ جهاد زراعة الورد شغله الشاغل، إلا أن رغبة وإصرار الأخير ثم نجاح تجربته واستمراريتها، أزالت هذه المخاوف. 

يصف حكيم ميلاد مئات الزهور يومياً بعد نحو ستة أشهر على زراعة شقيقه للورد الجوري بأنه "يوم عظيم"، خاصة وأن الانتصار في فلسطين له طعم ومعنى آخر، ولا يستطيع حكيم وصف صباحات تفتح الورد وانتشار رائحته على مساحة نحو نصف كيلو متر مربع، وعشرات المزارعين الذين طالبوه بالعدول عن زراعته لكنهم وقفوا لاحقاً مصفقين له، "كذلك نحن عائلته انتابتنا نفس المشاعر". 

مضت الليالي طويلة على جهاد، الذي بات بصره رهن النظر إلى شتلات ورده. وما بقي من وقته كان يقضيه متصفحاً للكتاب الذي منحه الكثير من الخبرة، حتى حانت لحظات الانتصار على كافة أشكال التضييق والمنع التي يفرضها الاحتلال على كافة شرائح وفئات المجتمع الفلسطيني. إذ يتحكم الاحتلال بالمعابر والحدود، ويمنع إدخال المواد التي تساعد المزارع الفلسطيني على تحقيق الاكتفاء الذاتي له ولأسواقه. يعلق جهاد على الأمر بالقول إن "أزهاري محرومة من عشرات أنواع الأدوية والأسمدة، بسبب قيود وشروط الاحتلال، وما يتوفر من أصناف تكون ذات فعالية سيئة وبأسعار باهظة". 

يسعى أبو هواش إلى الانتقال إلى الزراعة المائية للورد الجوري، ويتطلع إلى تصدير ورده التي واجهت في بداية نضجها إغراق الاحتلال بزهوره في الأسواق الفلسطينية لعدم توفر زراعتها في الأراضي الفلسطينية، إلى تصديرها للدول العربية، خاصة وأن الزراعة المائية قادرة على إنتاج كميات وفيرة من الورد.  

كبر الحلم وامتد، وحمل اسم "فلورا باليستاين" وأمتلك جهاد 3 دونمات أخرى مزروعة ب 12 ألف شتلة من الورد الجوري، الذي يدر عليه حوالى 3 آلاف دولار شهرياً، إذ تباع الوردة الواحدة بحوالى نصف دولار، وأحب المواسم إليه فصل الشتاء كونه الفصل الذي ينخفض فيه إنتاج المستوطنات من الورد. 

ويطالب أبو هواش الجهات الفلسطينية المختصة بوقف تدفق أزهار مستوطنات الاحتلال إلى أسواق الضفة الغربية، وفتح المجال أمام المنتجات الوطنية المختلفة لدفع عجلة الاقتصاد الوطني، وتوفير أنواع جديدة من الزهور التي يمنع الاحتلال المزارعين الفلسطينيين من الحصول عليها. 

المصدر : الميادين 

8 - F