تيلرسون و «مناطق تخفيف توتر» إضافية

تيلرسون و «مناطق تخفيف توتر» إضافية
الأربعاء ٠١ نوفمبر ٢٠١٧ - ٠٧:٣٨ بتوقيت غرينتش

لم تمض أيام على التصعيد الدبلوماسي الأميركي حيال سورية، حتى فاجأ وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون المراقبين بكشفه عن مباحثات جارية للتوصل إلى إنشاء مناطق جديدة لتخفيف التوتر في سورية.

العالم - مقالات 

جاء وقع المفاجأة مضاعفاً، لأن تيلرسون نفسه تولى قبل أيام تصعيد المواقف الأميركية ضد دمشق، مستعيداً كلماته من قاموس أقطاب إدارة الرئيس السابق باراك أوباما الديمقراطية.

لم يقدم الوزير الأميركي أي توضيحات حول الجهات والدول التي تفاوضها واشنطن لإقامة «مناطق تخفيف توتر» الجديدة، كما لم يوفر أدنى معلومات حول مواقعها، علماً بأن الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين، والأميركي دونالد ترامب اتفقا في تموز الماضي على هامش قمة العشرين في مدينة هامبورغ الألمانية، على تأسيس منطقة تخفيف توتر في جنوب غرب سورية، وتحدث ترامب نفسه، بعد مرور خمسة أيام من اتفاقه مع نظيره الروسي، عن مساعٍ لإعلان «هدنة ثانية في منطقة سورية تمر بأوضاع معقدة جداً»، إلا أن الكونغرس الأميركي أثر سلباً على فرص المباحثات الروسية الأميركية حول سورية، عندما فرض عقوبات جديدة على روسيا بذريعة تدخلها المزعوم في انتخابات الرئاسة الأميركية لعام 2016.

وعبر منصات مختلفة، من عمان إلى القاهرة إلى أستانا إلى جنيف، أنشأ الروس أكثر من «منطقة تخفيف توتر» في سورية، هي: جنوب غرب البلاد، غوطة دمشق الشرقية، ريف حمص الشمالي، جنوب دمشق، وإدلب، وتتولى كل من روسيا وتركيا وإيران العمليات المتعلقة بتخفيف التوتر في إدلب، في حين تنحصر هذه المسؤولية، إلى الآن على الأقل، بقوات مراقبة من الشرطة العسكرية الروسية في كل من جنوب غرب البلاد، غوطة دمشق الشرقية، ريف حمص الشمالي وجنوب دمشق، مع أن روسيا تفاوضت عليها مع الولايات المتحدة أو السعودية عبر وساطة أردنية أو مصرية، مع إمكانية نشر قوات مراقبة من دول محايدة مثل مصر أو الجزائر أو غيرهما.

وللمرء أن يؤكد بكل ثقة أن الطرف الذي تفاوضه واشنطن لتأسيس «مناطق تخفيف توتر» جديدة، هو روسيا، وذلك عبر الأردن، وله أن يخمن أن مواقع تلك المناطق لا تخرج عن جنوب شرق سورية، أو القنيطرة أو الريف الشرقي لمحافظة دير الزور. ولأن الأخير يخضع لاتفاق عدم التصادم الروسي الأميركي الذي توصل إليه الجانبان في تشرين الأول من العام 2015، فمن غير المحتمل أن يكون مسرحاً لعمليات تخفيف التوتر، ولذا، على الأغلب أن تكون المناطق التي تحدث عنها الوزير الأميركي هي جنوب شرق سورية، والقنيطرة.

في الحالة الأولى، والتي تشكل البادية الشامية أغلبيتها، لم يتمكن اجتماع الخبراء الروس والأميركيين والأردنيين في العاصمة الأردنية عمان الشهر ما قبل الجاري، من بلورة تفاهم على تفاصيل «منطقة تخفيف توتر»، تؤدي إلى حل لمسألة معسكر التنف، وتحسم مصير المجموعات المدعومة أميركياً في البادية المطلة على الأردن. ليس ذلك فقط، بل إن الأميركيين دفعوا بأكثر من خمسمئة مسلح جديد إلى معسكر التنف، وعرقلوا عملية نشر قوات سورية مدربة على يد الروس لمراقبة «مناطق تخفيف التوتر»، على الحدود السورية الأردنية، كما لم يتمكن الخبراء الروس والأميركيون من الاتفاق بشكل نهائي أيضاً على التفاصيل التقنية لـ»منطقة تخفيف التوتر» في جنوب غرب سورية، والتي تم الإعلان عنها في شهر تموز الماضي.

هذا التوتر الميداني حول التنف وفي منطقة الحدود السورية الأردنية، ترافق مع توتر مماثل حول مصير شرق محافظة دير الزور، حيث احتدمت المنافسة ما بين الجيش السوري وحلفائه من روس وإيرانيين وقوات حليفة ورديفة من العراق ولبنان، من جهة، وإئتلاف «قوات سورية الديمقراطية – قسد» المدعوم من التحالف الدولي بقيادة أميركية، من جهة أخرى، على انتزاع حقول النفط والغاز من يد تنظيم داعش المتهالك، وبدا أن «قسد» التي تشكل ميليشيا «وحدات حماية الشعب» الكردية عمودها الفقري، لها قصب السبق في هذه المنافسة بعد سيطرتها على حقلي العمر النفطي وكونيكو الغازي، وتصاعدت حدة المنافسة حتى وصلت إلى تبادل القصف المدفعي وبالطيران ما بين الجيش السوري وحلفائه، و«قسد» وحلفائها.

ترافقت التوترات الميدانية في جنوب وشرق سورية، مع هجوم روسي كلامي حاد، تولته وزارة الدفاع، كالت خلاله الاتهامات للولايات المتحدة بتوفير دعم واضح لتنظيم داعش، ولم تقف واشنطن مكتوفة اليدين أمام الروس، بل عمدت إلى تكثيف الدعم لميليشيا «قسد»، وحركت ورقة «الكيميائي» ضد الحكومة السورية في مجلس الأمن الدولي، التي أبطلتها موسكو بـ«الفيتو»، كما ضغطت واشنطن على المبعوث الأممي إلى سورية ستيفان دي ميستورا وعملت على ضمان عدم انجرافه وراء الطروحات الروسية.

لكن تصريح تيلرسون حول جهود واشنطن لإقامة «مناطق تخفيف توتر» جديدة في سورية، أوحى بأن التوترات، والاتهامات والضغوط المتبادلة، لم تكن أكثر من عوارض لعملية تفاوض ما بين الروس والأميركيين جرت وراء الكواليس، أو ببساطة أن تلك التوترات دفعت موسكو وواشنطن إلى تفعيل قنوات الحوار الدبلوماسي خوفاً من الانجرار إلى أزمة جديدة، لاترغبان بها، في علاقاتهما.

عليه، قد تكون «منطقة تخفيف التوتر» التي تحدث عنها تيلرسون في جنوب شرق سورية، وأن تكون المفاوضات الدائرة حول القلمون الشرقي جزء منها.

من جهة أخرى، هناك احتمال أن تكون المباحثات الجارية التي تحدث عنها رئيس الدبلوماسية الأميركية حول محافظة القنيطرة، وحمل الوفد الأردني إلى الجولة السابعة من مباحثات أستانا، مفاجأة من العيار الثقيل عندما تحدث عن ضم بلدة بيت جن بريف دمشق الجنوبي الغربي، ومفتاح محافظة القنيطرة، نظراً لإطلالتها على القسم المحتل من الجولان السوري، إلى منطقة تخفيف التوتر في جنوب سورية.

يعزز هذا الاحتمال، تصاعد حدة التوتر مؤخراً ما بين سورية و"إسرائيل"، وزيارة وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو إلى تل أبيب من دون الكشف عما دار خلال لقاءاته هناك بالمسؤولين الإسرائيليين.

تصريحات تيلرسون تدل على عودة التواصل الدبلوماسي الأميركي مع الروس حول الوضع في سورية، لاقاها تأكيد مبعوث الرئيس الروسي لشؤون التسوية السورية ألكسندر لافرينتيف على بذل بلاده «الجهود لتفادي أي تصادم بين الأميركيين والقوات الحكومية السورية»، هكذا تعبر الدولتان الكبريان عن رغبتهما في إحلال تهدئة، بعد بوارد صدام بينهما غير محمود العواقب.

  • أنس وهيب الكردي – شام تايمز

208