ما هي التّعليمات التي عاد بها الحريري من الرّياض؟ هل القربة على نار التسخين؟

 ما هي التّعليمات التي عاد بها الحريري من الرّياض؟ هل القربة على نار التسخين؟
الخميس ٠٢ نوفمبر ٢٠١٧ - ٠١:٤٣ بتوقيت غرينتش

من يُتابع مسلسل التّلاسن بين السيد حسن نصر الله، زعيم المقاومة الإسلاميّة في لبنان، و ثامر السبهان، وزير الدولة السعوديّة لشؤون الدول الخليجية، و”الاستدعاء” السّريع للسيد سعد الحريري، رئيس الوزراء اللبناني، ورجل السعوديّة الأبرز في لبنان، يُدرك جيّدًا، وللوَهلة الأولى، أن فصلاً جديدًا من الصّراع السعودي الإيراني سيَبدأ في بيروت في الأيّام القَليلة المُقبلة، وسيتّخذ أشكالاً عِدّة، سياسيّة واقتصاديّة وإعلاميّة.

السيد السبهان الذي يَعرف لبنان جيّدًا، بحُكم عمله دبلوماسيًّا في سفارة بلاده في بيروت، وجّه اتّهاماتٍ شَرِسةٍ إلى “حزب الله” بدايةً على حِسابه على شبكة “التويتر” ثم أعاد تِكرارها في مُقابلة أجرتها مَعه محطّة تلفزيون “MTV” التّابعة للقوّات اللبنانيّة، واستخدم فيها عباراتٍ خارجةٍ عن السّياق الدبلوماسي، مِثل “حزب الشيطان، أو حزب “ميليشاوي إرهابي”، وطالبَ بقصقصة أجنحته، داخليًّا في لبنان، وخارجيًّا في المِنطقة، واتّهمه بأنّه يَخوض حربًا ضِد السعوديّة بتعليماتٍ إيرانيّة.

أخطر ما لَفت نظرنا في تغريدات وتصريحات السيد السبهان، إيحائه بـ”إبعاد” الحزب ووزرائه من الحُكومة اللبنانيّة، وإلا فإنّ لبنان كُلّه سَيدفع الثّمن غاليًا، وتهديداته بمُعاقبة كل من يَتعاون مع “حزب الله” سياسيًّا أو اقتصاديًا، او إعلاميًّا.

على إثر هذهِ التهديدات التصعيديّة جَرى استدعاء السيد الحريري، رئيس الوزراء على عَجلٍ إلى الرياض، ولم يتردّد الرّجل في تلبية الطّلب، ولَغى جميع ارتباطاته، وكأنّه مُوظّف لدى الحُكومة السعوديّة، حسب رأي بعض الكُتّاب اللبنانيين، الأمر الذي يُشكّل في نًظر هؤلاء إهانةً للبنان كُلّه، وليس للسيد الحريري نَفسه.

هُناك سُؤالان أساسيان يحتاجان إلى إجابةٍ موضوعيّةٍ في هذا الشأن من الصّعب القَفز عَنهما:

الأوّل: لماذا هذا التّصعيد السّعودي المُفاجِئ ضِد حزب الله، وبهذهِ اللّهجةِ الشّرسةِ، وفي هذا التّوقيت؟

الثّاني: ما هي الخُطوات التي يُمكن أن تتّخِذها السعوديّة ضِد الحزب في لبنان، وهل ستَتطوّر الأُمور إلى مُواجهةٍ عسكريّة؟

بالنّسبة إلى الإجابةِ عن السّؤال الأوّل، يُمكن القَول أن هذا التّصعيد السّعودي لهُ علاقةٌ مُباشرة بنظيرهِ التّصعيدي الأمريكي الأوسع ضِد إيران، الذي عبّر عنه الرئيس دونالد ترامب في خِطابه أمام الكونغرس، ورَفضه التّصديق على الاتفاق النووي الإيراني، أمّا الامر الآخر، وفي الإطار نفسه، هو علاقته، أي التّصعيد السّعودي، بتطوراتِ الحَرب في اليَمن، وفي الحُدود الجَنوبيّة للمملكة تحديدًا، والمَعارك الدّائرة هُناك.

سَير المَعارك في اليمن، وعلى الحُدود السعوديّة اليمنيّة، لا يَسير لصالح المملكة، حيثُ كثّف تيّار “أنصار الله”  هَجماته العسكريّة، مِثلما كَشف إطلاق صواريخ باليستيّة على مُدن سعوديّة مثل جيزان ونجران قيل أنّها وَصلت إلى أهدافها، ولم يتم إسقاطها من قِبَل مَنظومة صواريخ باتريوت السعوديّة الاعتراضيّة.

القيادة السعوديّة تتّهم حزب الله بالوقوف خلف عمليّات تدريب مُقاتلي “أنصار الله”، وتَزويدهم بالصّواريخ الإيرانيّة الصّنع بطريقةٍ أو بأُخرى، مُضافًا إلى ذلك، أن السيد محمد عبد السلام، المُتحدّث باسم التيّار الحوثي هَدّد قبل يومين في مُقابلة مع قناة “الجزيرة” هي الأولى من نَوعها، بقَصف أبو ظبي ومُدن أُخرى في العُمق السّعودي، وربّما هذا ما قَصده السيد السبهان في حَديثه عن تهديداتِ “حزب الله” للبُلدان الخليجيّة بتَوجيهٍ من إيران.

السعوديّة الحَليف الأوثق لأمريكا في الشرق الأوسط، يُمكن أن تَفعل الكثير ضِد حزب الله وحُلفائه، وتَصعيدها يُمكن أن يتّخذ أشكالاً عديدةً سَيكون لها انعكاسات سلبيّة على لبنان، خاصّةً في الميادين الاقتصاديّة والماليّة، واحتمال تَطوّر الأُمور إلى مُواجهاتٍ عَسكريّةٍ أمرٌ غَير مُستبعد.

السيد نصر الله على درايةٍ بهذا التّصعيد، وقال يوم السبت الماضي “السعوديّة تُدرك أنّها لا تَستطيع مُواجهة حزب الله وَحدها، وتَحتاج إلى تحالفٍ دوليٍّ وحزب الله أكبر من أن يُواجهه السبهان بتحالفٍ مَحلّي”.

لا نَعرف ما هي التّعليمات التي وجّهتها القيادة السعوديّة إلى السيد الحريري أثناء لقائه برَجلها القَوي الأمير محمد بن سلمان، ولكنّنا لا نَستبعد أن يكون طالبه بالانسحابِ من الحُكومة اللبنانيّة، أو إبعاد مُمثّلي حزب الله فيها، وخَلق أزمةٍ وزاريّة.

السيد الحريري لا يَمْلُك غير التّنفيذ، وهذا يَعني انهيار التّوافق الذي أدّى إلى عَودته للحُكم، وانتخاب العِماد ميشيل عون رئيسًا للبِلاد.

السيد نصر الله توقّع ما هو أكثر من الأزمة الوزاريّة، أي اندلاع مُواجهةٍ كُبرى على أرضِ لبنان بينه ودولة الاحتلال الإسرائيلي، وطالب اليهود بالهَرب من فِلسطين إلى المَناطق التي جاءوا مِنها لأنّهم سَيكونون وقودًا لهذهِ الحَرب الوَشيكة.

السيد السبهان لا يَنطق عن هوى، ولا يَقول ما يَقوله إلا بتوجيهاتٍ عُليا، والجِهات العُليا هذهِ على علاقةٍ وثيقةٍ بالبيت الأبيض وأجهزته العَسكريّة والأمنيّة، ولا تتّخذ مواقف في هذهِ الجَبهة، أو تلك، دون التّنسيق وتَلقّي تعليماتٍ من هذهِ الأجهزة في إطارِ التّحالف بين البَلدين.

نَنتهي حيثُ بدأنا، والقَول بأن القربة اللبنانيّة مَوضوعةٌ على نارِ التّسخين، وسَنرى بُخار غَليانِها في الأسابيعِ والأشهرِ القليلةِ المُقبلة.. والله أعلم.

“رأي اليوم”