كافتيريا أبو خمس ريال وأجواء القادة الهاربين!

كافتيريا أبو خمس ريال وأجواء القادة الهاربين!
الثلاثاء ١٤ نوفمبر ٢٠١٧ - ٠٢:٠٨ بتوقيت غرينتش

حين كُنّا على مقاعد الدراسة في الجامعة، وتحديداً في مساق مادّة “الإذاعة والتلفزيون” من تخصص الصحافة والإعلام، أذكر تماماً كيف كان يُطلب منّا الاعتناء جيّداً، بمكان استضافة الضيف خلال المُقابلة التلفزيونيّة، والأجواء المُحيطة به، وكوننا لا زلنا طُلاباً في حينها كانت الأفكار الإبداعيّة تتهافت على عُقولنا، وحتى أحياناً كُنّا نُفرط الاعتناء بمكان الاستضافة، على حساب الإعداد والأسئلة.

العالم -السعودية

عُدنا في الزمن قليلاً، وتذكّرنا أعوام دراستنا للإعلام، مع كل ما صدر من جدل حول مُقابلة الرئيس سعد الحريري، وظهوره على الشاشة التي يَملُكها (المستقبل)، وتحديداً البيئة المُحيطة بالرجل، إضافةً إلى الإضاءة “التعيسة”، وبعضٍ من الأمور التي ظهرت إلى جانبه، والتي لاحظناها، بعيداً عن مضمون كلامه، الذي لا صفعات “باتمان”، وغيره، تستطيع أن تُغيّر قناعتنا، وقناعة الجميع أن رئيس حكومة لبنان “مخطوف”.

يبدو أن السلطات السعوديّة، أو على الأقل القائمين السعوديين على المُقابلة التي أجرتها الزميلة الإعلاميّة بولا يعقوبيان، لم يطلب منهم أحد أن يهتموا بالبيئة المُحيطة بالضيف، فظهر تلك “النبتة” على شمال الحريري، وكأن أحداً لم يعتنِ بها من زمن، هذا بالإضافة إلى المكان الذي لا يتناسب مع رفاهيّة الحريري، و”شرشف” الطاولة الذي يُشبه إلى حد كبير كافتريا “أبو خمس ريال”، حيث تكثر تلك المطاعم الصغيرة في السعوديّة بين الأحياء، وغالبيّة روّادها من الجالية الهنديّة والبنغاليّة والباكستانيّة.

مُقابلة الحريري هذه، ذكّرتنا بأجواء المُقابلات مع القادة الهاربين خلال عدوان على بلادهم، أو سقوط أنظمتهم، فيأتي الرئيس “المخلوع″ أي الذي يُشارف على السقوط، يُجلب علم بلاده على عجل، ويأتي هو بحالة نفسيّة مُريبة كما ظهر لنا الحريري، ويخرج بحوار غير واثق ممّا يزيد الطين بلّة، لتزداد الشكوك حول وضعه الحقيقي.

في إحدى المرّات، أجرينا تمريناً في الجامعة حول إعداد مُقابلة في أجواء حرب، وسُقوط مدينة، وهذه الأجواء ستكون مُربكة وبنفس الوقت مُخيفة، وتُهدّد حياة المراسل، الذي أخذت دوره، وتقمّصت الحالة التي يتعرّض لها، فما كان مني إلا أن تحوّلت إلى ممثل لا مراسل، وفي حينها تم انتقادي أنني لم أعش أجواء مراسل الحرب، بل مثّلت تلك الأجواء، واستخدمت المُؤثّرات الصوتيّة، وهو ما أظهر حواري وكأنّه مشهد مسرحي، ونحن ندرس الإعلام، لا التمثيل والمسرح!

ضربت ذلك المثال من تجربة جامعيّة شخصيّة، حتى أقول أن السلطات السعوديّة، كان عليه مُمارسة الخطأ المسرحي الذي وقعت فيه، فإن كان الحريري مخطوفاً لديها، كان عليها ولو من باب تكذيب الإشاعات، أن تتقن مسرحيّة إخراج مُقابلة رئيس حكومة، له قراره، وإرادته، ولا يَخضع لأي ضغوط، وتُظهره بالمَظهر اللائق، تماماً كما تقمّصت أنا دور المُراسل في أجواء الحرب، حتى لو كان حواري مع الضيف مجرد مشهد مسرحي، اقتنع الجميع بأدائه التمثيلي، على عكس ما حصل مع الحريري!

الرياض الآمنة!

أبهرني حقيقةً الإعلامي اللبناني نديم قطيش، حين قيّم مُقابلة الرئيس سعد الحريري، بـ 7 ونص من عشرة، حين سأله مُقدّم برنامج “مِنّا وجر” على شاشة (MTV) عن تقييمه لها، حيث أكّد قطيش أن الحريري مر بظروف صعبة من يوم استقالته، وحتى يوم مُقابلته.

لا نعلم ما هي الظروف الصعبة التي مر بها الحريري، فالرجل “استدعي” أو “فرّ” إلى الرياض الآمنة، كونه مُهدّد في بلده لبنان، وحياته على وشك المُصادرة من قبل “حزب الله”، وبالتالي تواجده حتى الآن في بلاد الحرمين، المَفروض أنه يُحقّق له أماناً نفسيّاً، وقد استطاع الفرار من قدر محتوم بالقتل، فلماذا يظهر بهذا المظهر المُتعب، المُرتعب، في مُقابلة المفروض أن تُبدّد الشائعات، وحاله البائس هذا بشهادة خُبراء لغة الجسد، لا العالمين بخفايا السياسة، نسأل: إذا إعلامي ناطق ومُقرّب من الحريري يُقيّم مُقابلته بـ 7 ونص، ويُبررها بالظروف، فماذا عن الآخرين؟

106-10

كلمات دليلية :