هل أخطأت "القوات" و"الكتائب" في مقاربة الأزمة؟!

هل أخطأت
الثلاثاء ٢١ نوفمبر ٢٠١٧ - ٠٧:٤٢ بتوقيت غرينتش

خلال الساعات القليلة المقبلة، يفترض أن يعود ​رئيس الحكومة​ اللبنانية ​سعد الحريري​ إلى بيروت، حيث سيشارك في الاحتفال الرسمي لمناسبة ​عيد الاستقلال​ بعد غياب "قسري" عن لبنان لأكثر من خمسة عشر يومًا.

العالم - مقالات وتحليلات

وإذا كان مسلّمًا به أنّ ما بعد عودة الرجل ليس كما قبل مغادرته لبنان وتقديمه استقالته من داخل المملكة العربية ​السعودية​، فإنّ كلّ المؤشّرات توحي بأنّ "الأزمة الداخلية الفعلية" ستبدأ الآن، بعدما تلهّى اللبنانيون بـ"القشور" خلال الأسبوعين المنصرمين.


إلا أنّ هذه "القشور" لن تمرّ بدون "تداعيات"، في ظلّ ما يُحكى عن "غربلة" سيقوم بها الحريري في داخل تيّاره "الأزرق"، في ضوء أداء الكثير من القيادات "المستقبليّة"، التي كادت "تهلّل" لغياب "الزعيم". ولكن، هل تمتدّ هذه "الغربلة" لتشمل بعض "الحلفاء القدامى" مثل "القوات" و"الكتائب"، الّذين يقول البعض أنّ زعيميهما أبلغا خلال زيارتهما الشهيرة للسعودية بـ"السيناريو المرسوم" للحريري؟ وكيف سينعكس ذلك على العلاقة المشتركة مع "المستقبل"؟.

حماسة أم تواطؤ؟!


منذ خروج الحريري من لبنان وتقديمه استقالته من السعودية من دون سابق إنذار أو أيّ مقدّمات، قيل الكثير عن أداء رئيس حزب "​القوات اللبنانية​" ​سمير جعجع​، الذي اختلف بنظر كثيرين ما قبل المقابلة التلفزيونية التي أدلى بها الحريري وما بعدها، ما أوحى وكأنّ "الحكيم" استشفّ من المقابلة عودة ممكنة إلى التسوية الداخليّة، فاختار "خفض السقف"، لحفظ "خط الرجعة" بشكلٍ أو بآخر.


وبمُعزَلٍ عن مدى دقّة ما حُكي عن أنّ جعجع كان عمليًا من "المحرّضين" على الحريري، وأنّه أبلغ القيادة السعودية أنّه عاجزٌ عن مواجهة "​حزب الله​" بعدما أصبح "مكبّلاً" بفعل التسوية الرئاسيّة التي أبرمها، فإنّ حرص "القوات" على تفنيد "محضر" الاتصال بين الرجلين للإيحاء وكأنّ علاقتهما في أفضل حال كافٍ للدلالة على أنّ "خطباً ما" طرأ على العلاقة المشتركة، مهما كابر المكابرون أو عاند المعاندون.


وفي هذا السياق، يُحكى الكثير عن "امتعاض حريريّ" من أداء "الحكيم" الذي سارع لتبنّي خطاب الاستقالة الذي تلاه الحريري بحرفيّته، مزايدًا في اعتبار وضع الحريري في المملكة "طبيعيًا"، في ما اعتبره كثيرون حماسةً مبالَغًا بها في حال صفت النيّات، أقرب للتواطؤ في غير ذلك، خصوصًا أنّ الرجل، وبدل أن يرسم علامات استفهامٍ حول الطريقة التي استقال فيها الحريري، وجد أنّ "الغريب" هو أن ينتظر كلّ هذا الوقت قبل أن يقدّم استقالته.


ولعلّ ما ضاعف من حجم "الامتعاض" من جعجع، على الأقلّ لدى القيادات القريبة من "المستقبل" ورئيسه، كان ذهابه لحدّ المطالبة الحثيثة والفورية باستشارات نيابية ملزمة لتسمية خلَفٍ للحريري، من دون إبطاء، وهو، بعكس الحريري، لم يبدِ تفهّمًا لتريّث ​رئيس الجمهورية​ في ذلك، ما أظهره وكأنّه "مستعجلٌ" على استبدال الرجل واختيار رئيس حكومة جديد خلفاً له، وهو ما دفع كثيرين إلى التساؤل عمّا إذا كان جعجع مشمولاً بتغريدة الوزير ​غطاس خوري​ الشهيرة حول "الغدر والخيانة"، والتي قيل أنّ المقصود بها كان النائب السابق ​فارس سعيد​.


وبعيداً عن مآل العلاقة مع "المستقبل"، الذي يُعتقَد أنّه سيبقى محور أخذ وردّ، بانتظار تبلور التحالفات الانتخابيّة، فإنّ التداعيات الأكثر سلبية بالنسبة لـ"القوات" قد تكون على صعيد العلاقة مع "الوطني الحر"، ومعادلة "أوعا خيّك" الشهيرة التي يبدو أنّها دُفِنت بشكلٍ نهائيّ، خصوصًا بعدما انتهج جعجع مسارًا بدا مصوّبًا بشدّة نحو رئيس الجمهورية، لدرجة بدت فيها "القوات" تغرّد وحدها في السرب المعارض لتوجّهات الرئيس أثناء الأزمة، التي شهدت التفافاً قلّ نظيره حول شخص "الجنرال".

صمتٌ معبّر...


بخلاف "القوات"، التزمت "الكتائب" الصمت على امتداد مرحلة "الأزمة"، ولم يُرصَد أيّ كلامٍ لرئيسها ​سامي الجميل​ إلا بعد مقابلة الحريري التلفزيونية، وما تلاها من بدء رسم لمعالم "الصفقة". وكان لافتاً في هذا الإطار أنّ رئيس الحزب النائب سامي الجميل، الذي كان قد اعتاد على عقد مؤتمرات صحافية أسبوعية أو حتى يومية في الآونة الأخيرة للتعليق على كلّ المستجدّات، غاب كليًا عن السمع، حتى انّ أيّ بيانات لمجلسه السياسي لم تصدر، ما أوحى بوجود حالة "ارتباكٍ" داخل "الكتائب" في مقاربة الأزمة وكيفية الخروج منها.


عمومًا، يُسجَّل لـ"الكتائب" أنّها لم تستغلّ الموضوع في سبيل المزايدات الشعبوية التي تُتّهَم بإتقانها، رغم أنّ استقالة الحكومة كانت مطلبها من الأساس، وأنّها من أشدّ المعارضين للتسوية الرئاسية بكلّ تفاصيلها منذ اليوم الأول، هي التي كانت من "قلّة" عارضت انتخاب العماد ​ميشال عون​ رئيسًا للجمهورية، وسارت في ذلك عكس "شبه الاجماع الوطني"، وهي كذلك التي كانت المتضرّرة الأولى من "حكومة العهد الأولى" التي بقيت خارجها، بعدما استأثرت حليفتها، أو ربما غريمتها، "القوات اللبنانية" على الحصّة المسيحية الأكبر بعد "​التيار الوطني الحر​".


لكن، وعلى الرغم من ذلك، فإنّ العلاقة مع الحريري، التي تدهورت بشكلٍ نافرٍ في الآونة الأخيرة، وتحوّلت في مكان ما إلى "مشكلة شخصية" بين الحريري والجميل، وصلت لحدّ "القطيعة" بينهما، ستبقى على الأرجح على حالها، بانتظار بلورة الصورة التي ستذهب البلاد إليها في القادم من الأيام. وإذا كان الكثير من "المستقبليين" يعتقدون أنّ "الكتائب" لم يعد يتمتّع بالثقل الوازن الذي كان له في السابق، وبالتالي فهو لا يعوَّل عليه، هناك من يرى أنّ الجميّل فرّط بعلاقته مع الحريري، حين بدأ يبحث عن تحقيق "المكاسب الشخصية" على حسابها.


في مطلق الأحوال، فإنّ الأمور بين "المستقبل" و"الكتائب" أيضًا ستبقى مرهونة بالتوجّه العام للمرحلة المقبلة، وما إذا كنّا سنشهد إعادة صياغة للتسوية الرئاسية، ولو وفق أسسٍ وشروطٍ جديدة، أم أننا سنكون أمام استرجاعٍ للاصطفافات السياسية العمودية السابقة، والتي تجعل "المساكنة" بين الحليفين القديمين أمرًا طبيعيًا، تحضيراً للاستحقاق الانتخابي النيابي المقبل، ولو أنّ الجليد بينهما لم ينكسر حتى الآن.

كيف نحفظ السيادة؟


توحي كلّ المؤشّرات أنّ العلاقة بين "المستقبل" وحليفيه السابقين ليست في أفضل أحوالها، وأنّ "جليدًا" من العيار الثقيل ارتسم بين الجهات الثلاثة في مرحلة الأزمة، إلا أنّ كلّ المؤشّرات تدلّ أيضًا على أنّ السياسة التي سيعود بها رئيس الحكومة سعد الحريري هي التي ستبلور كلّ تحالفات المرحلة المقبلة، بعيدًا عن المشاعر والأحاسيس الشخصيّة.


لكن، قبل كلّ ذلك، تبقى علامات استفهام كبرى برسم "الكتائب" و"القوات" ومن لفّ لفّهما من القوى التي رفعت شعار "حرية، سيادة، استقلال"، فسواء دافع هؤلاء عن السعودية وأدائها، أو اكتفوا بالصمت، كيف تُحفَظ "السيادة" التي لطالما رفعوا لواءها؟ وهل رفض تدخّلٍ من هنا وشجبه، يشرّع أبواب "التدخل" أمام الآخرين، وتحت أيّ ذريعة؟!

المصدر: النشرة