دمشق تردّ على أردوغان

دمشق تردّ على أردوغان
الثلاثاء ٢٨ نوفمبر ٢٠١٧ - ٠٥:٣٠ بتوقيت غرينتش

لا تبدو دمشق في عجلة من أمرها للتحقق من نوايا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بخصوص ما أعلنه مؤخرا عن عدم “استبعاد إجراء اتصال مع الرئيس السوري بشار الأسد” وتأكيده أن ” الأبواب السياسية دائما مفتوحة حتى اللحظة الأخيرة”.

العالم - مقالات

 وهو موقف ربما أثلج في الشكل صدور السوريين لجهة إيمانهم بأن صمودهم الأسطوري مع حلفائهم قد جر السلطان المتعجرف إلى خيار الضرورة الذي تمثل برضوخه لسياسة موسكو حليفة دمشق الوثيقة والتي تعاطت معه وفق مبدأ العصا والجزرة.. فيما يقف علم دمشق المسبق بنوايا الرجل و”وفائه لطبع الغدر في نفسه”-على ما أفاد مصدر حكومي سوري لموقع العهد – حائلا دون الوثوق به، إلا أن يقوده خيار الضرورة مجددا ويطبع سلوكه بمسحة التعقل بعدما أوصلت سياساته الخارجية المنطقة ومعها تركيا إلى لهيب النار المشتعلة.

دمشق تنتظر أفعال السلطان المصاب بالخيبة لا أقواله وحتى تهبط به مظلة التعقل من سماء أحلامه العثمانية الباذخة الدماء إلى أرض الواقعية السياسية لا تبدو دمشق في عجلة من أمرها.

تدرك دمشق أن تركيا دولة كبيرة ومهمة في المنطقة لجهة موقعها الجيو سياسي الهام ومشاطرتها لسوريا حدودا تمتد لحوالي تسعمائة كيلو متر، وأن التقارب معها ضروري وهام لجهة حل الأزمة في سوريا، التي كان لتركيا أردوغان الدور الأكبر في اشعالها ومدها بكل أسباب الفتنة من مرتزقة وسلاح وتحريض مذهبي رخيص.. ورغم إدراك دمشق لأهمية جارتها العقوق فإن عينها لا تغفل عن المأزق الذي وضع أردوغان نفسه فيه وإفلاسه السياسي بعدما استهلك كل الوسائل الممكنة من أجل إسقاط غريمة الشجاع في دمشق، وعليه فإن القيادة السورية لا تجد نفسها مضطرة لإنقاذ أردوغان من مأزقه دون أي ثمن يدفعه، سيما وأنها تقيّم وجود قواته على أراضيها كقوة احتلال موصوفة وربما يجب على الرجل أن يقوم بعديد الخطوات كبادرة حسن نية وبضمانة حلفاء دمشق روسيا وإيران قبل التفكير جديا في ملاقاته عند منتصف الطريق بعد أن أصبح وجود الميليشيات الكردية على حدوده هاجسا يوميا، فيما جعلت انتصارات الجيش السوري وحلفائه شبح تقسيم سوريا خلف ظهر دمشق التي اصبحت في مناعة من أية أزمة مهما كبرت فيما، يخشى أردوغان أن تنتقل إليه العدوى السورية في الوقت الذي لم يترك لنفسه الكثير من الأصدقاء داخل تركيا وخارجها.

عند بداية الأزمة في سوريا أرسل أردوغان -الذي كان في حينها رئيسا للوزراء- وزير خارجيته السابق أحمد داوود أوغلو إلى دمشق يحمل رسائل ابتزاز واضحة ووعدا يبطن الوعيد بقدرة تركيا على وقف العصيان المسلح على الأرض السورية إذا أفسحت دمشق للإخوان المسلمين بالإمساك بجزء وازن من الحكم.. النزعة السيادية عند الرئيس الأسد جعلته يرفض الإبتزاز التركي جملة وتفصيلا بعدما حاول جاهدا إقناع ضيفه الذي كان حينها- العقل المخطط لكل الفوضى التي ارتكبت لاحقا- بأن الأمور ليست بهذه السهولة التي يتخيلها حكام أنقرة وأن من يشعل النار في بيت جاره لن يأمن أن تصله شواظها، قفل أحمد داوود أوغلو عائدا إلى دمشق وراح ورئيسه أردوغان يعدان الأيام والشهور المتبقية في حكم الرئيس الأسد، طال العد إلى أن صار أوغلو من الغابرين في عالم السياسة بعدما أجبره فشل سياساته الذريع على تقديم استقالته ورويدا رويدا خبا صوت أردوغان لينتهي به المطاف في سوتشي رئيسا مهذبا للغاية إلى جانب الرئيسين روحاني وبوتين الذين انتشلناه من وهدة الإنقلاب العسكري الذي دبر له بأياد غربية وأمريكية كما ألمح هو نفسه في أكثر من مناسبة، ليبدأ معها مسار انعطافته نحو ما يسمى اليوم خيار الضرورة الذي يبدو أنه ارتضاه لنفسه منذ آيس من التبني الأمريكي المطلق لطموحاته العثمانية.. هذا عن موقف أردوغان وقد بانت ملامحه ولكن، ماذا عن موقف دمشق ورأيها في تصريحاته الأخيرة ومدى ثقتها بالسلطان المنزوع الأحلام والمخالب؟.

مصدر حكومي سوري رفيع أوضح لموقع "العهد" أن أردوغان يعيش أزمته العميقة لجهة “الإنقلاب المضاد الذي يقوم به على بنية المجتمع التركي وبسبب من إخفاقات سياسته الخارجية المصابة بالعقم الإستراتيجي لجهة غياب الرؤيا والهدف والوسائل الممكنة أيضا، ولعدم استعداد الغرب في الوقوف معه في مواجهة روسيا والإنزلاق لحرب شاملة معها كرمى لعيونه فضلا عن عدم استعداد الغرب للمضي قدما في مسايرة أحلام أردوغان حول إنشاء الكومونولث العثماني والمناطق الآمنة بالإضافة إلى قيام الولايات المتحدة الأمريكية بإدارة التناقض بين حكومة أردوغان وبين الميليشيات الكردية الإنفصالية بما يخدم مصالحها”.

ويضيف المصدر الحكومي السوري أنه بناء للعوامل السابقة كانت دبلوماسية الإتحاد الروسي تجاه أردوغان تكمن في إقناعه برؤيتها وفق سياسة “الخطوة خطوة واستثمار كل العوامل السابقة من أجل الإتيان بأردوغان إلى تفاهمات آستانة”.

ويجزم المصدر السوري أنه بناء على ما تقدم فإن أية إشكالية تطرحها تركيا إلى الآن لا تعالج إلا من خلال صيغة آستانا كقناة تفاهمية ما بين الدولة السورية وحكومة أردوغان من خلال “أصدقائنا الضامنين”، الروس والإيرانيين، وقد اعتادت الدولة التركية على “صخب إعلامي” تطلق من خلاله التصريحات هنا وهناك كـ “ألعاب اختبارية” وعادة لا يتم اقتران تلك الأقوال بأفعال عملية.. وختم المصدر السوري حديثه لموقع العهد بالقول: “فلننتظر مدى استعداد حكومة أردوغان لمراجعة حقيقية وجوهرية لتصرفاتها العدوانية وبعد ذلك لكل مقام مقال”.
محمد عيد / العهد

109-4