لماذا فتح دي ميستورا النار على "المعارضة السورية" في جنيف؟

لماذا فتح دي ميستورا النار على
الأربعاء ١٣ ديسمبر ٢٠١٧ - ٠٣:٥٦ بتوقيت غرينتش

لا نبالغ إذا قلنا أن ستيفان دي ميستورا، المبعوث الدولي إلى سورية يعتبر الأكثر صراحة وعمقا في فهم الأزمة السورية، وكل ما يجري من وقائع مرتبطة بها، سواء على الأرض، أو في دهاليز الغرف المغلقة، وربما لهذا السبب عمر أكثر من غيره في هذا المنصب.

العالم - سوريا

بالأمس، أثناء اجتماعه بوفد المعارضة السورية في جنيف كان الرجل شديد القسوة في صراحته، بل وتحامله عليه، عندما طالب هذا الوفد القادم من الرياض، بالتحلي بالواقعية، وأن يدرك جيدا أن هذه المعارضة فقدت الدعم الدولي، وعليها أن تتحلى بالتواضع وعدم رفع سقف مطالبها، والنظر بعين واسعة للمتغيرات على الأرض.

"محاضرة" دي ميستورا الغاضبة هذه تأتي بسبب تمسك وفد المعارضة في جنيف ببيان مؤتمر "الرياض 2"، الذي يطالب برحيل الرئيس بشار الأسد قبل بدء المرحلة الانتقالية، وهو المطلب الذي دفع الدكتور بشار الجعفري، رئيس الوفد الحكومي السوري إلى مقاطعة المفاوضات المباشرة، وأكد أنه لن يعود إليها إلا إذا تخلت المعارضة عن هذا الشرط.

المعارضة السورية تقول أنها تتمسك بهذا الشرط لأنه يستند إلى قرار مجلس الأمن رقم 2254، وبيان جنيف الأول، الذي ينص على مرحلة انتقالية بهيئة حكم كاملة الصلاحيات، ودون أي وجود أو دور للرئيس الأسد.

دي ميستورا يرد بأن "بيان جنيف 1" الذي انطلقت على أساسه المفاوضات لا توجد فيه أي مادة تتعلق بمصير الأسد، ويؤكد أن تمسك المعارضة بهذا المطلب سيؤدي إلى انهيار منظومة جنيف لمصلحة "منظومة سوتشي" التي ستنطلق في شباط/ فبراير المقبل بحضور ممثلين عن 35 تجمعا وحزبا وتكتلا سوريا إلى جانب وفد الحكومة السورية.

ما لا تدركه المعارضة السورية في نظر الكثير من المراقبين، أن حلفاءها العرب الرئيسيين لم يعودوا يعتبرون الأزمة السورية همهم الأكبر، وتتربع على سلم أولوياتهم، فالسعودية غارقة في حرب اليمن، إلى جانب حروبها الدبلوماسية ضد إيران و"أذرعها" في المنطقة، دون أن ننسى أزماتها الداخلية، أما قطر التي انطلقت المعارضة السياسية، ومن ثم العسكرية، من أجنحة فندق الشيراتون في قلب الدوحة، فتعيش أزمة خليجية طاحنة مع التحالف السعودي، المصري، الإماراتي، البحريني، الذي فرض مقاطعة وحصارا اقتصاديا وسياسيا عليها كلفها خسائر مادية ضخمة حتى الآن.

الإدارة الأمريكية التي أنفقت 14 مليار دولار منذ عام 2011 على مشروعها في سورية، باتت تدرك فشل هذا المشروع بالنظر إلى هزيمتها على الأرض أمام التحالف الثلاثي الروسي الإيراني التركي، وقوات الجيش العربي السوري المدعوم بمقاتلي "حزب الله" وقوات إيرانية، وسلمت في الوقت نفسه ببقاء الرئيس الأسد في السلطة حتى الانتخابات الرئاسية المقبلة عام 2021، وربما لما بعد ذلك إذا فاز فيها بمقتضى الدستور الجديد الذي لا يمنعه من خوضها، وفق مسودته الروسية.

لا نستغرب، أو نستبعد، أن يكون اجتماع "جنيف 8" الحالي هو الأخير، حيث ستنتقل العملية السياسية برمتها إلى "سوتشي 1" الحاضنة الجديدة لها، ولكن بوجوه سورية جديدة تعتبر أكثر تمثيلا للقوى السياسية والعسكرية على الأرض.

المبعوث الدولي دي ميستورا حذر المعارضة السورية من البقاء في حلب، وطالبها بالخروج، وأكد لها أنه مستعد شخصيا للإشراف على عملية الخروج هذه، لأنه لا يريد مجزرة في آخر مواقع الجماعات المسلحة في المدينة، وبكى بحرقة عندما لم تجد نصائحه أي تجاوب، وصدقت نبوءته، وما توقعه حدث.

التاريخ يعيد نفسه الآن، ووفد المعارضة يرفض نصائحه بتخفيض سقف المطالب، والتحلي بالواقعية، ووضع التطورات على الأرض ومعانيها السياسية والعسكرية في عين الاعتبار، ويملك الحق في الرفض أو القبول، وعليه تحمل، أي وفد المعارضة، النتائج التي يمكن أن تترتب على ذلك، خاصة أن دائرة الخناق تضيق، والحلفاء لم يعودوا حلفاء ولا داعمين، والتطورات على الأرض تشي بالكثير.

* رأي اليوم

108