ما هي خيارات جبهة النصرة في ادلب ومحيطها؟!

ما هي خيارات جبهة النصرة في ادلب ومحيطها؟!
الأحد ١٧ ديسمبر ٢٠١٧ - ٠٧:٥٩ بتوقيت غرينتش

تتسارع العمليات العسكرية للجيش السوري وحلفائه في منطقتي جنوب شرق حلب وشمال شرق حماة. وفيما يبدو ان الهدف هو استعادة السيطرة على مطار أبو الظهور العسكري، تنظر جبهة النصرة الى المعركة على أنها أبعد من مطار.

العالممقالات وتحليلات

في الحالات المشابهة للحالة السورية، وعندما تتواجد فصائل مسلحة غير متناغمة ومنسجة، وفي كثير من الأحيان متصارعة، في بقعة جغرافية محدودة، فان الدروس المستفادة من التاريخ أنه كلما ضاقت وانحسرت البقعة التي يسيطرون عليها كلما ازدادت احتمالات التصادم بينهم. هو قانون يبدو أنه ابعد من كونه مجرد قانون تاريخي، ليقترب من كونه قانوناً حياتياً يرتبط بغريزة «البقاء». هو قانون تمارسه كل الكائنات الحية. فكلما صغٌرت «قطعة الجبنة» ازداد التنافس عليها.

وفي حالة جبهة النصرة، فان الامر سيتفاقم بلا شك. فجبهة النصرة ليست مجرد جبهة تتشارك مناطق معينة على الجغرافيا السورية مع فصائل أخرى، اذ أن للجبهة تاريخ عريض في تصفية فصائل مسلحة كانوا قبل ذلك «رفاق سلاح».

والواقع ان الجبهة في علاقاتها مع الفصائل المسلحة في سوريا لم تترك فرصة والا وتركت فيها بصمة من دم، ونار تحت الرماد من ثأر. حتى أولئك الذين شكلوا معها ما سمي «هيئة التحرير الشام» انقضّت على بعضهم (كحركة نور الدين زنكي) واحتلت مواقعهم ومراكزهم، وسيطرت على اسلحتهم ومخازنهم.

اعلنت جبهة النصرة النفير العام، في محاولة لمنع انهيار خطوط دفاعها الممتدة باتجاه مطار ابو الظهور العسكري، فيما يبدو أن اعلان النفير هو أبعد من كونه يقع في سياق منع سقوط مطار، او خسارة موقع أو هزيمة في منطقة.

تدرك جبهة النصرة حجم الاطراف المتربصين بها، وحجم العداوات التي اكتسبتها بفعل ميولها نحو الاستفراد بقرار الفصائل المسلحة،

من الناحية «الشرعية» نكثت الجبهة أكثر من بيعة، وانقلبت على اكثر من حليف «ايديولوجي»، ابتداءً من البغدادي وانتهاءً بالظواهري، فيما من الناحية السياسية تقلبت الجبهة في احضان اكثر من مشغل، وتناقلتها أكثر من جهة.

واليوم، وأمام تقدم الجيش السوري وحلفائه في المناطق المحيطة بإدلب، ما يعني تقوقع الجبهة في خصوص مدينة ادلب وريفها، تجد جبهة النصرة في ذلك فرصة لاعادة مد جسور علاقاتها مع باقي الفصائل، وربما ستسعى لتقديم تنازلات في محاولة لمنع الانهيار، والاستفراد بها بوصفها حركة مصنفة ارهابية قد يكون رأسها ثمن تسوية ما في ادلب. فما هي خيارات الجبهة المتاحة:

1-  تشكيل غرفة عمليات مشتركة. لكن الطريق الى هذا الخيار سوف يستلزم اعادة الجبهة لجميع المقرات والاسلحة للفصائل التي استهدفتها الجبهة (قامت الجبهة بالفعل باعادة بعض المقرات لحركة نور الدين زنكي). الا أن تشكيل أي غرفة عمليات لن يكتب لها النجاح اذا ما اصرت الجبهة على تزعم الغرفة. لا سيما وان تجربة الفصائل معها تجربة مريرة. ففي ظل غرف عمليات مشابهة كان القرار فيها لجبهة النصرة ومع ذلك تلقت الهزائم ووقعت الانكسارات. ورغم قيادة الجبهة لهذه الغرف فان الجبهة غالبا ما كانت تحمل الفصائل الاخرى مسؤولية الهزيمة، وتتخذها ذريعة للانقضاض تحت عنوان الاندماج هو الحل.

2-  إعادة بث «الروح» فيما عرف باسم «جيش الفتح». ينظر البعض الى «جيش الفتح» بوصفه حلا سحريا. ويربط بعضهم بينه وبين «انتصارات» مزعومة. علما ان جيش الفتح هذا هو الذي فشل في فك الحاصر عن مدينة حلب، وتحولت اختراقاته لبعض الجبهات، كمعارك الكليات، الى فخ كبير خسر بموجبه نخبة مقاتليه، وهو ايضا من تلقى الهزيمة المدوية في مدينة حلب بعد أن طرد منها. وعليه فمن الارجح ان الجبهة قد تلجأ الى اعادة تعويم «جيش الفتح». وقد تتنازل الجبهة عن القيادة فيه، الا انها بلا شك لن تعطي الكثير أو تسمح لحركة احرار الشام بالتغلغل داخله. وبكلمة أخرى، إن الجبهة مستعدة لتقديم الكثير لكن شرط أن لا تكون «حركة احرار الشام» هي من يقطف.

3-  أن تقوم الجبهة بحل نفسها في سياق اندماج كلي بين عدد من الفصائل تحت مسمى جديد. على أن هذا الاحتمال لن يكون مجديا ما لم يشتمل على حركة احرار الشام وفصائل اساسية من الجيش الحر. وهو ما ترغب به تركيا بشدة على أن تبقى بعض الفصائل خارج الكيان الجديد لضرورات المناورة. رغم أن هامش المناورة تراجع كثيرا بسبب انحسار الجبهات المشتعلة. الا أن أي كيان جديد لن يكتب له النجاح وسيكون مصيره كسابقيه ما لم تتراجع قيادات جبهة النصرة الى الخلف، وتبرز قيادات من فصائل اخرى بروزا جديا غير مشابه لبروز ابو جابر الشيخ في هيئة تحرير الشام بعد انكشاف هشاشة قيادته وان القيادة الفعلية هي للجولاني.

4-  بقاء الامور كما هي عليه اليوم. مع تخفيف جبهة النصرة من قبضتها والسماح للفصائل الاخرى بالتحرك بحرية اكبر.

وبالنظر الى هذه الاحتمالات الاربعة مع محاولة الترجيح بينها فان المشهد لا يبدو بهذه السهولة. فتشكيل غرفة عمليات مشتركة هو «أضعف» الايمان وان كان الخلاف سيقع حول المسؤوليات فيها.

أما الخيار الثاني، أي اعادة العمل بجيش الفتح فهو اقرب الاحتمالات وروداً في المدى القريب المنظور. باعتبار ان الخيار الثالث، اي الاندماج، سيحتاج الى الكثير من المفاوضات كي تتضح معالمه ويبصر النور. لذلك هو يبدو خيارا قويا لكن في المدى المتوسط والبعيد. فيما ساحة المعركة «تحتاج» الى خيارات سريعة وطارئة لذلك يبدو خيار جيش الفتح او الخيار المتوفر «الآن».

أما الخيار الرابع، أعني بقاء الاوضاع على ما هي عليه، فلا يبدو أن أي طرف من الاطراف قادر على تحمل تبعاته مع ما ستحمله الهزيمة من تلاوم والقاء كل طرف المسؤولية على الطرف الآخر.

وعلى أي حال، فمهما كان الخيار الذي ستتخذه الجبهة وباقي الفصائل، فان ثمة واقعا بات بحكم المسلمات وهو: أن الجيش السوري بات أكثر تحررا بعد الانتهاء من داعش وبالتالي فان قبضته باتت أقوى. وعليه فإن الهزيمة الحتمية تنتظر جبهة النصرة ومن سيتحالف أو يتعاون معها.

محمد محمود مرتضى - أوقات الشام

216-2