لماذا يكرهُ السّفيرُ “فورد” اللّواءَين “علي مملوك” و”جميل حسن”؟

لماذا يكرهُ السّفيرُ “فورد” اللّواءَين “علي مملوك” و”جميل حسن”؟
الثلاثاء ٢٦ ديسمبر ٢٠١٧ - ٠٤:٤٦ بتوقيت غرينتش

ربّما يُغرّد السّفير الأمريكيّ السّابق بدمشقَ “روبرت فورد” خارجَ سربِ إدارته الأمريكيّة، إذ يُواظب على انتقادِ فشلِها في سورية دورياً، ويُؤكّد انتصار “الأسد” في كلِّ مناسبةٍ، فبعد تحذيره “مقاتلي وحدات الحماية الكرديّة” من مغبّة تصديقِ الوعود الأمريكيّة.. وإدانته إدارة بلادهِ التي تستغلّهم بقوله “ما نفعلهُ مع الأكراد غير أخلاقيٍّ وخطأٌ سياسيّ “ها هو يُجدِّد تأكيده أنَّ سوريّةَ أفلتت من المُخطّط الأمريكيّ وأنَّ توقّعاته “غير سعيدةٍ بشأنِ مستقبل السّياسات الأميركيّة في الصِّراع السّوريّ”.

العالم - مقالات
وانتقدَ “فورد” في مقالٍ نشرتهُ جريدة “الشّرق الأوسط” السعوديّة أوهامَ المسؤولينَ الأمريكيّين حولَ سوريّة وعدم فهمهم “ديناميّات الواقع السوريّ الراهن التي تختلفُ تماماً عن العراق قبل عشرِ سنواتٍ. لقد تعرّض جيش صدّام وأجهزته الأمنيّة للهزيمةِ والتدميرِ في عام 2003 قبل إجراءِ الانتخابات العراقيّة، لكن في سورية، فإنَّ الجيشَ النظاميّ السوريّ والأجهزة الأمنيّة، رغم الخسائر، لا يزالان يُطارِدان السوريّين داخلَ البلاد من دونِ أسفٍ أو ندم” بحسب تعبير الصحيفة.

وبشعورٍ بالغٍ بالمرارةِ الشّخصيّة طلب فورد منهم “سؤالَ علي مملوك (مديرُ مكتب الأمن الوطنيّ) وجميل حسن (رئيسُ الاستخباراتِ الجويّة) عن ذلك”.

“فورد” الذي استلم مهامه كسفيرٍ لواشنطن في دمشقَ قُبيلَ أيّامٍ فقط من بدء التحرّكات المناهضةِ للحكومة السوريّة، يحتفظُ بشعورٍ شخصيٍّ شديد المرارة، فهو يعتبرُ أنَّ أجهزةَ الأمنِ السوريّة كانت وراء تلطيخه بالبيضِ والبندورة في مناسباتٍ عدّة خلالَ إشرافهِ على تحرّكات ونشاطات المعارَضة في الشارع.

آخر سفيرٍ أمريكيٍّ في سورية والملقّب بسفّاحِ العراق إبّان عملهِ في هذا البلد 2003 – 2006 (لدوره في نشرِ فِرَقِ الموتِ المذهبيّة، والتحريضِ على الفتنةِ التي أودت بعشراتِ آلافِ العراقيّين) استقبله متظاهرو المُعارَضة في مدينة حماة برشِّ الزهورِ على موكبه، في لطخةِ عار، حاول السوريّون الوطنيّون محوهَا برشقهِ بالبيض والبندورة في كلِّ مكانٍ حاول التحرّكَ فيه للنفخِ في نار الفتنة التي أشعلَها الإعلامُ في بلدهم .

فهل كانَ اللّواء “مملوك” و اللّواء “حسن” على رصيفِ “جامع الحسن” في حيِّ الميدان الدمشقيّ، في ذلك اليوم الكالحِ من تشرين الأوّل سنة 2011 يشاهدانِ البيضَ والأحذيةَ المُستعملة، وقِيل “القضبان المعدنيّة” تنهالُ على السفير الأمريكيّ ودبلوماسيّيه، في مشهدٍ خَبِرَهُ الدمشقيّون قبلَ ذلك بنحوِ شهرٍ أمامَ مكتبِ المُعارِض “حسن عبد العظيم” عندما استقبلَ السّفيرَ “فورد” في مكتبه، في سابقةٍ لمْ يتجرّأ عليها أيّ مُعارِضٍ منذ بدايةِ حكم حزب البعث العربيّ الاشتراكيّ عام 1963 .

بعد أقلّ من 48 ساعةً على “العلقة السّاخنة” التي واجهها فورد في حيّ الميدان سارعت حكومةُ بلادهِ إلى سحبهِ بذريعة “تهديداتٍ ذات مصداقيّةٍ لسلامتهِ”، واعتبرَ المسؤولون الأمريكيّون أنَّ سفيرهم فورد “تعرّضَ للهجوم من قِبَلِ الغوغائيين المسلّحين المُوالِين للحكومة”.

لا بدَّ أنَّ النزعة التشاؤميّة لدى فورد نابعةٌ من مقارنتهِ الدائمة بين سوريّة والعراق، ففي الأولى جهاتٌ تتبع تحرّكاته، أمّا في الثانية فالكلُّ يخطب ودّه، وبينما تمكّنت سياسةُ بلاده من تدمير مؤسّستي الجيش والأمن العراقيّتين وجعلت العراقَ مكشوفاً أمامَ إرادةِ الـ 150 ألف جنديٍّ أمريكيّ، فإنّه يُبدي تشاؤمه الشّديد من بقاءِ هاتين المؤسّستين كصمامي أمان للدولةِ السوريّة ونظامِها السياسيّ، فتراهُ يُشكّكُ في قدرةِ الأممِ المتّحدة في الإشرافِ على انتخاباتٍ موعودةٍ لتعديل الدستور، وهي العاجزةُ عن إيصالِ مساعداتٍ غذائيّةٍ إلى مناطق المسلّحين في غوطة دمشق .

وعلى هذا يمكنُ فَهمُ حنقهِ الشّديد على أبرزِ رجال الاستخباراتِ السوريّة، وتسميتهم بالاسم، فالصِّراعُ حسمهُ الرجال السوريّون لمصلحتِهم على عكسِ كلِّ الحسابات الأمريكيّة بما فيها حسابات “فورد” نفسها التي كانت تتوقّع ركوع الأسد ورجالاته وطلبهم التفاوضَ لتسليمِ السُّلطة .

بل إنَّ مصدراً أمنيّاً رفيعاً أكّدَ لوكالةِ أنباء "آسيا" أنَّ البعدَ الشخصيّ في غضبِ “فورد” على الأمنيّين السّوريّين مردّهُ إلى نجاحهم في تحجيمِ دوره التخريبيّ، ودور دبلوماسيّيه وسفارتِه في قيادةِ العمل المُناهضِ للحكومة، وضرب أهمّ المفاصل التي تمكّنوا من تجهيزها سواء أكانت في جسم الدولة ومسؤوليها أم في شراذمِ المُعارضة وناشطيها، وفشله في تجنيد أيِّ مسؤولٍ أمنيٍّ مُؤثّر”.

وبحسب المصدرِ فإنّه “كان مِنَ المُخَطَّطِ لهُ أنْ يلعبَ السفيرُ الأمريكيّ والدبلوماسيّون الأمريكيّون ومن يعمل بإمرتِهم من دبلوماسيّين عرب وأجانب، وآلياتهم وأبنيتهم دور الموجّه والراعي اللّوجستيّ لشبكات إسقاط النظام، لكن القبضةَ الأمنيّةَ حجّمت هذا البعد كثيراً، وجعلتهم يسحبونهُ ليتابعَ التخريب من خارجِ الحدود”.

يسخرُ فورد من إمكانيّة حصولِ “بعض التغييرات السطحيّة الطفيفة، مثل رئيسٍ جديدٍ للوزراء، أو تعيين وزيرٍ جديدٍ للتخطيط، أو شيءٍ من هذا القبيل، غير أنَّ هذهِ التغييرات لنْ تنالَ من أو تطرأ على النواةِ الأساسيّة للنظامِ الحاكم الذي سيبقي ويبقى الأسد في كرسيّه”.

ويُشدّد على أنَّ بقاءَ الأجهزة الأمنيّة السوريّة هو المشكلة، لا الدستور الحاليّ، بل ويعزو الأمر كلّه إلى أنَّ روسيا التي هي أيضاً دولةٌ بوليسيّةٌ وأمنيّةٌ وفق تعبيره، وهي تُدرِكُ هذه الحقيقة تمامَ الإدراك .

وينتهي فورد إلى القولِ إنَّ “الخطّةَ الروسيّة المعنيّة بالحوارِ الموسّع وإجراء الانتخابات الجديدة ليست إلّا قصّةً مُثيرةً لكلٍّ من السّخافة والسّخرية، وهي قصةٌ ساخرةٌ نظراً لأنَّ نظام بشار الأسد أبداً لن يُقدّم أيّ تنازلاتٍ على أيّ صعيد”.

ولعلَّ جملته الأخيرة في المقالِ هي الأكثرُ تعبيراً و إيجازاً “لقد فازَ في الحربِ العسكريّة على الأرض”.

بالوقت نفسه يرغبُ السوريّون ألّا يعتبر التركيز الأمريكيّ على مؤسّسةٍ ما، حائلاً دون النظرِ في عملها وما يكتنفهُ من سلبيّات، فطموحهم هو تعميقُ دولة القانون، وسيادته، وجعل كلّ المؤسّساتِ الأمنيّة تحتَ المساءَلة وفق القانون، وعدم السّماحِ بأنْ يَستغلَّ أيّ فردٍ مهما علا منصبه وتعاظمت صلاحيّاته وظيفتهُ العامّة في غير خدمةِ الأمن الوطنيّ، وألّا تكون حماية هذا الأمن على حسابِ حقوق الأفراد .

ليس مهمّاً أنْ يُبدي سفير دولةٍ أجنبيّةٍ رأياً سلبيّاً أو كراهيّةً بحقِّ مسؤولينَ سوريّين، بالأخصِّ أنَّ دولته تسبَّبت بسفكِ دماءِ السّوريّين، بل المهم أنْ ينظرَ المواطنونَ السّوريّون بعينِ الاحترامِ والتقدير لهم .

باسل ديوب / آسيا نيوز 

109-4