قمة الأسد ونصر الله وسليماني وبوتين في حميميم!

قمة الأسد ونصر الله وسليماني وبوتين في حميميم!
الخميس ٢٨ ديسمبر ٢٠١٧ - ٠٤:٢٣ بتوقيت غرينتش

أعلن بيسكوف، الناطق الرسمي بإسم الكرملين بأن زيارة “الأسد” إلى روسيا إستمرت لأربع ساعات قضاها في ضيافة الرئيس بوتين بمقر إقامته الشتوي في سوتشي. توزعت هذه الساعات على لقاء ثنائي بين الزعيمين، وآخر ضم إليهما وزير الدفاع ورئيس الأركان وعدد من كبار ضباط الجيش الروسي.

العالم - مقالات وتحليلات

وأعلن بيسكوف أن الزيارة تهدف إلى التباحث حول آفاق الحل السياسي في سوريا، بعد تبادل التهاني بالقضاء على آخر تجمعات في المدن السورية الرئيسة، البوكمال.

بصراحة، سأحاول هنا بسط “فرضية” حول مجريات المباحثات هناك، في سوتشي، وصولاً إلى اللقاء الثاني الذي جمع الرجلين في قاعدة حميميم، إستناداً إلى الإستدلال والإستقراء واستنطاق الأحداث من جهة، وبعض التفاصيل الدقيقة للصور والقدر اليسير من المعلومات حول هذين اللقاءين من جهة ثانية… وهي ذات الطريقة التي إستخدمتها في مقال سابق (المعلم ورجال الظل في موسكو) حول زيارة الوزير وليد المعلم، ولقائه بالرئيس بوتين في سوتشي أيضاً، وقد أثبتت الأحداث دقة الكثير من الإستنتاجات فيه، وخصوصاً لناحية ثبوت وجود وفد عسكري سوري رفيع برئاسة رئيس الأركان، على الرغم من عدم توفر أيّ معلومة بهذا الخصوص حينها.

* مجدداً، صور سوتشي تقول أكثر مما قيل:

عند التدقيق بالصور التي نشرها الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية العربية السورية، نلاحظ بأن الجو كان مشمساً لحظة وصول الرئيس بشار حافظ الأسد مقر إقامة الرئيس بوتين في سوتشي، ومن هنا يمكن بالإعتماد على شكل الظلال في الصورة تقدير زمن الوصول… حيث تظهر الظلال بالصور بأن الساعة كانت في حدود الحادية عشر تقريباً، وأمّا الصورة التي وثقت لحظة مغادرة الرئيس “الأسد” المقر الرئاسي، فتؤكد بأن الليل قد خيم تماماً، أي أنها قد إلتقطت بعد الساعة الخامسة مساءً… وهكذا، فإن الزيارة قد إستمرت لست ساعات في الحد الأدنى؟! لماذا تعمد بيسكوف التصريح عن مدة الزيارة؟ ولماذا تمّ التمويه على زمنها؟ ومن إحتاج لهذا الزمن، لنعرف صفة الحاجة إليه: سياسية أم عسكرية أم لكليهما؟.

الزمن بحضور “الأسد” وبوتين، سيكون زاخراً بالنقاشات المستفيضة حول الوضع في سوريا والمنطقة، ومجريات ميادين الصراع السياسية والعسكرية، وإحتمالات الصدام والتسوية وتداعياتهما، وآفاق المواجهة المحتدمة وإمكانات تدحرجها لحرب واسعة تتجمع نذرها في الأفق بسرعة… ومثل هذه النقاشات، تستدعي حتماً وجود مجموعة من كبار الضباط والخبراء العسكريين بمعيّة “الأسد”، خصوصاً وأنّ أركان القيادة الروسية العسكرية موجودون فعلاً في المقر الرئاسي…

وهذا السيناريو تكرر بحرفيته تقريباً خلال زيارة الوزير وليد المعلم إلى سوتشي في 26/11/2014، ولقاءه بالرئيس الروسي هناك، حيث تكفل الوفد العسكري السوري المرافق “سرّاً” للوزير المعلم بوضع اللمسات الأخيرة على تفاصيل التدخل الروسي وحجمه، وحاجات الجيش العربي السوري في مختلف المجالات، وخصوصاً في مجال الذخائر، وصيانة المدرعات والدبابات، وسلاح الجو، وإيجاد “مخرج” لتزويد سوريا بمنظومات الدفاع الجوي الحديثة…

وقد مُددت الزيارة حينها ليوم كامل، عمل فيها الوفد العسكري المرافق على إنجاز معظم تفاصيل هذه التفاهمات، ثمّ جاء الرئيس بشار الأسد في زيارته الخاطفة إلى روسيا 20/10/2015، بعد أسابيع قليلة من إطلاق موسكو عملية عسكرية في سوريا ليكلّل هذه الإتفاقيات، ويعطي والرئيس بوتين شارة البدء بالتنفيذ العمل البري بعد الحملة الجوية… وهذا دليل إضافي على أنّ الوقت “المسكوت عنه” على الأقل في زيارة “الأسد” الأخيرة لسوتشي، كان مخصصاً للبعد العسكري.

* في حميميم إكتمل المشهد:

برفقة وزير الدفاع وعدد من كبار الضباط، وصل الرئيس فلادمير بوتين إلى قاعدة حميميم الجوية، وكان في إستقباله حسب الصور والفيديوهات المنشورة، الرئيس “الأسد” ورئيس الأركان العماد علي أيوب والقائد الميداني العميد سهيل الحسن، مع التأكيد على غياب وزير الدفاع السوري. نعود إلى الصور مجدداً، حيث تظهر صورة للرئيسين “الأسد” وبوتين والى جانبه مباشرة “شويغو”، وزير الدفاع الروسي ورجل بوتين المفضل، وكان الأسد وبوتين ومعظم الحضور، يركزان نظهرهما إلى جانب محدد من غرفة الإجتماعات، وكأن هناك من يقدم إيجازاً عسكريّاً للحضور…

وصورة أخرى تظهر “شويغو” وقد إنتقل إلى الطرف الثاني من الطاولة التي إلتأم حولها الرئيسان، وكان الحديث بمعظمه لضباط وجنود روس كان لهم “قصص” مميزة، مثل أحد ضباط الدعم الناري، وممرضة عملت في عدة مواقع ومدن سورية، وضابط مستشار ملحق بالعميد سهيل الحسن حمله بعد إصابته في أحد المعارك… وفي كل الفيديوهات والصور المنشورة عن أحداث غرفة الإجتماعات تلك، لوحظ أيضاً “إختفاء” رئيس الأركان السوري بعد مشاركته بفعاليات الإستقبال…

أين ذهب رئيس الأركان، هل غادر قاعدة حميميم؟ هل إلتحق بوزير الدفاع العماد فهد فريج حيث هو، وأين كان وزير الدفاع؟… إذا كان كلاً من العمادين فريج وأيوب موجودان في قاعدة حميميم ساعة عقد تلك الإجتماعات التي رأينا جميعاً صورها ولقطاتها، فمن كان بصحبتهما؟ ولأي شيء كانوا يعدون؟… .

* قمة خلف الأضواء:

أظن –وإن كان بعض الظن إثم- بأن وزير الدفاع السوري العماد فهد جاسم الفريج كان يجتمع بالسيد حسن نصر الله واللواء قاسم سليماني في إحد قاعات قاعدة حميميم بإنتظار الآخرين، إلتحق بهما رئيس الأركان العماد علي أيوب، ومن ثمّ الرئيسان الأسد وبوتين وشويغو وزير الدفاع الروسي. قد يبدو الأمر صادماً أو غير قابل للتصديق، ولكن متى كانت كل الأحداث في منطقتنا متوقعة وسهلة التصديق؟! لنتذكر مثلاً، ما جرى خلال زيارة الوزير المعلم سابقة الذكر، وزيارة السيد حسن نصر الله خلال العام الحالي إلى دمشق لمناقشة ترحيل إرهابيي داعش بعد هزيمتهم بالقلمون إلى البوكمال، وزيارته إلى طهران في ذروة الهجمة الإرهابية على سوريا لتقديم مطالعته للوضع السوري للسيد علي الخامنئي… .

يبرر إفتراض عقد هذه القمّة أنها أكثر من ضرورية؛ حيث سُحقت داعش في سوريا والعراق فظهر التدخل الأمريكي فجاً طامعاً متحدياً، ما يستوجب ضرورة التعامل مع هذا التدخل وأدواته المحليّة قبل أن يتحول لأمر واقع، وبدأت مساعي تصفية القضية الفلسطينية على حساب الشعب الفلسطيني ودول الطوق العربي تأخذ منحاً تصعيدياً، وإشتعال إنتفاضة الشعب الفلسطيني رداً على القرار الأمريكي الذي ستتبعه حتماً سلسلة طويلة من القرارات التي ستطال شكل المنطقة والتحالفات فيها، وتزايد مخاطر حرب إقليمية قد تشتعل في أي نقطة وفي أي لحظة، وتكشف الحملة التي تقوده مملكة آل سعود لتأمين قيادتها لحلف واشنطن في المنطقة بالمصالحة والتحالف المنتظر مع الكيان الصهيوني ولو أدى ذلك للتضحية بقضية فلسطين وشعبها وتفجير دول مثل الأردن ولبنان واليمن… .

* كلمة أخيرة:

كما هي بنود اتفاقية اوسلو بوابة صهيو-امريكية لتصفية القضية الفلسطينية، وإنفاذ الكيان الصهيوني في جسد المنطقة بعد إسقاط سبب الصراع، لإعادة تشكيل المنطقة العربية والعالم إستناداً إلى حقائق القوة والشكل الجيو-سياسي التي توضع عليه العالم عقب إنهيار الإتحاد السوفيتي وكل الكتلة الشرقية تقريباً، وإجتياح الجيوش الأمريكية وقواعده جزيرة العرب والعراق وأوربا الشرقية والكثير من النقاط الإستراتيجية في العالم منذ العام 1990… لكنّ ما فات العقل الغربي والأمريكي على شكل خاص، أن لحظة إنهيار الإتحاد السوفيتي ومجاله الحيوي لم تكن لحظة الإستقرار المنتظرة التي سيتشكل إستناداً إليها شكل العالم الجديد وعلاقاته الدولية؛ بل حالة من عدم الإستقرار والثبات بصرف النظر عن المدى الزمني الذي سيستغرقة بقاء هذه الحالة “طافية” على المشهد العالمي، ما يؤكد بأن هناك زمن قادم سيظهر فيه من يقاوم هذا الوضع الدولي “الشاذ” لمنع تحويله من مشروع إلى وقائع، ولبناء واقع دولي أكثر إتساقاً مع حقوق الدول والأمم ومصالحها حتى وإن تطلب ذلك بعض الصبر الإستراتيجي والتضحيات الكبرى لإيجاد اللحظة الأنسب للمواجهة وكسر إرادة واشنطن في فرض هيمنتها على العالم بكليته… النصر العسكري مهم جداً، والأهم المحافظة عليه وتحويله إلى وقائع للبناء عليها، وهذه هي وظيفة قمّة حميميم، خصوصاً وأن تحالف العدوان ما زال يرفض الإعتراف بالهزيمة، فكيف بإستسلامه للوقائع التي يجب أن نفرضها لإستعادة المنطقة من تحالف الصهيونية مع البترودولار برعاية أمريكية، وبناء عالم جديد لا يحكمه “البيت الأبيض”؟!.

سمير الفزاع - اوقات الشام

2-4