ما بين تركيا و "إسرائيل" !

ما بين تركيا و
الأحد ٠٧ يناير ٢٠١٨ - ٠١:٤٤ بتوقيت غرينتش

أقامت تركيا علاقات صريحة ومباشرة مع الكيان الصهيوني عام 1949م، وكان ذلك في عهد حزب الشعب الجمهوري الأتاتوركي، وبعد عام واحد فاز الحزب الديمقراطي، ذو التوجه الإسلامي، بقيادة عدنان مندريس في الانتخابات، وأبعد لأول مرة حزب الشعب الجمهوري، حزب أتاتورك، عن الحكومة.

العالم- مقالات 

فاز الحزب آنذاك بأغلبية ساحقة في البرلمان، وحصد 487 مقعداً من أصل 556 مقعداً. حزب عدنان مندريس (الإسلامي وممثّل "الأناضولية المهمّشة") انضمّ إلى الناتو وحلف بغداد المُعادي للمشروع القومي العربي آنذاك، ولم يأخذ أية خطوة لإلغاء العلاقات الصريحة والمباشرة مع الكيان الصهيوني، واستقبل بن غوريون في أنقرة عام 1958م، الذي علّق بدوره: " على الأطراف المعادية لعبد الناصر الوحدة في إطار المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة، كما أن على هذه الأطراف تعزيز علاقاتها السياسية والأمنية والاقتصادية".

تجربة الإسلام السياسي الأولى في تركيا، لم تأتِ بأيّ جديد، فهي لم تتراجع عن خطوة 1949م التي اتّخذها الحزب الأتاتوركي، بل وأكملت عليها بخطوات أوسع تمثّلت في ثالوث الناتو وحلف بغداد ولقاء بن غوريون. انتهت تجربة مندريس في تركيا بإعدامه وانقلاب الجيش عليه، ولم يكن للعلاقة ب"إسرائيل" أي فعل في هذه الخطوة، فقد كان ذلك محض صراع داخلي.

في السبعينات، حين لم يكن الإسلاميون في السلطة، توتّرت العلاقات التركية مع الغرب، ومع "إسرائيل"، ولم يكن لذلك سبب أوجه من العزلة التي فرضها الغرب على تركيا في سياق الأزمة مع قبرص، والأهمية الاقتصادية المتنامية للشرق، في ظل حقبة نفطية بامتياز. في السبعينات استقبلت تركيا بعثة دبلوماسية كاملة في أنقرة لمنظمة التحرير الفلسطينية، كان ذلك عام 1979م. وقبل ذلك بثلاثة أعوام، عام 1976م، أخذت تركيا موقفاً معادياً للصهيونية في الجمعية العامة للأمم المتحدة.

في ثمانينات القرن الماضي، تحوّل "مهمّشو الأناضول" إلى مقاولين ورجال أعمال، وبدأوا الحديث عن تجربة "النمور الأناضوليون"، وحلّ رجال الأعمال ذوو التوجه الإسلامي، القادمون من الأناضول،  حديثو العهد بالمدينة اسطنبول بدلاً من القاعدة الاقتصادية الأتاتوركية، التي تآكلت. ومع فشل مشروع الانضمام للغرب، كان لا بد من التوجّه شرقاً؛ الأسواق العربية والمسلمة. لقد كانت الثمانينات العقد الأسوأ في العلاقات التركية الإسرائيلية، على الرغم من أن رئيس الحكومة آنذاك، كان الليبرالي المنفتح على الغرب، تورغوت أوزال، والذي كان على صلة وثيقة بطبقة رجال الأعمال الجدد، القادمين من الأناضول.

تدهورت العلاقات الدبلوماسية التركية – "الإسرائيلية" عام 1980م، ولم تعد إلى مستوى تبادل السفراء إلا عام 1991م، فلماذا عام 1991م بالتحديد؟

في عقد التسعينات، تراجعت الأسواق العربية بسبب حرب الخليج (الفارسي)، فلم تعد تغذّي طموحات رجال الأعمال الجدد كما كانت الحال في السبعينات والثمانينات (تراجعت الصادرات التركية إلى الأسواق العربية المحيطة من 47% إلى 13%)، وأصبحت أسواق آسيا الوسطى تشكل أولوية أكبر، كأسواق وكمصدر بديل للنفط والغاز أيضاً.

انهيار الاتحاد السوفياتي، وارتفاع أولوية الأسواق الجديدة في آسيا الوسطى، وتراجع السوق العربية، كل ذلك كان يحمل الأتراك باتجاه الانفتاح على إسرائيل، وكان ذلك عبر رئيس حكومة "إسلامي"، وهو نجم الدين أربكان!

في التسعينات، انهارت المنظومة الاشتراكية، وارتأت تركيا حاجة لتنسيق عسكري مكثّف لتلبية طموحاتها في البحر الأسود وآسيا الوسطى بعد تفكّك الاتحاد السوفياتي، فكانت الاتفاقية العسكرية الكبرى مع "إسرائيل" عام 1996م. كانت اتفاقية التعاون والتدريب العسكري بمثابة "حلف بغداد 1996م"، اتفاقية تضمّنت تبادلاً عسكرياً، وتدريبات جوية وبحرية مشتركة، وصفقة ب 590 مليون دولار لتطوير الأسطول التركي عبر الصناعات العسكرية الإسرائيلية.

محمد فرج - الميادين

113