الوحدة المصرية السورية بدأت بخطأ،...وانتهت بأخطاء

الوحدة المصرية السورية بدأت بخطأ،...وانتهت بأخطاء
الخميس ٠٨ فبراير ٢٠١٨ - ٠٤:٠٦ بتوقيت غرينتش

ايام تفصلنا عن الذكرى الـ60 للوحدة بين سوريا ومصر، الحلم العربي الكبير والذي تحقق واخيرا، المعلومة التي يصر عليها انصار الزعيم المصري الراحل جمال عبد الناصر، هي ان السوريين هم من طالبوه بالوحدة واحرجوه واصروا عليه ان يقبل بها .

العالم - مقالات وتحليلات 

ولكن كما اعتدنا ان للحقيقة اكثر من وجه والتاريخ يكتبه اكثر من شخص، فقد قال العقيد السوري عبد الكريم النحلاوي، وهو مهندس الانفصال فيما بعد، قال انه عندما غادر وفد عسكري من سوريا الى مصر، واجتمع مع عبد الناصر، قدم الاخير عرضه للقبول بالوحدة الاندماجية وهو حل الاحزاب وعدم تدخل الجيش بالحياة السياسية، وطبعا الوفد غادر الى القاهرة دون ان يعلم الرئيس السوري في ذلك الوقت شكري القوتلي او رئيس الحكومة السورية صبري العسلي، وهنا يتساءل النحلاوي في برنامج شاهد على العصر، بانه كيف لعبد الناصر ان يوافق على استقبال الضباط دون غطاء سياسي رسمي ويوافق على الوحدة الاندماجية ويطرح شروطه، اذا لم يكن متفق معهم اساسا على هذا الامر، وهذا الكلام يؤكد وجهة النظر التي تقول ان عبد الناصر لم يتفاجأ بالوحدة بل سعى لها عبر جعلها امر واقع على السوريين وذلك عبر حلفاء له في سوريا، وجعل الوحدة مع مصر اهون الشرور وذلك لان حلف بغداد يتربص لسوريا من جهة وفكرة سوريا الكبرى من جهة والهلال الخصيب من جهة اخرى، فباتت الوحدة مع القاهرة امر حتمي.

الزعيم السوفيتي في ذلك الوقت نيكيتا خروتشوف، حذر جمال عبد الناصر من الوحدة الاندماجية، وذلك للفوارق بين الشعبين، اضافة لعدم معرفة عبد الناصر والساسة المصريين بوضع الحياة والتركيبة السياسية في سوريا، وطرح عليه فكرة الاتحاد وليس الوحدة ولو لمدة 10 اعوام ومن بعدها يتم التحول الى الوحدة الكاملة، الا ان الاخير لم يستمع لهذه النصائح، وذلك على الرغم من ارسال الرئيس السوري القوتلي وفدا رسميا الى القاهرة في العشرين من كانون الثاني – يناير لعام 1958، يعرض على عبد الناصر فكرة الوحدة الفيدرالية الا ان الاخير رفضها ايضا واصر على الاندماج الكامل.

الوحدة تمت في الثاني والعشرين من شباط – فبراير لعام 1958، ولكن دون صورة واضحة ودون تخطيط دقيق ودون دستور حيث وضع دستور مؤقت وبقي كذلك حتى الانفصال، وينقل ان القوتلي قال لعبد الناصر بعد التوقيع على اتفاق الوحدة بانه سلم له 6 مليون نسمة 3 منهم يعتبرون انفسهم انبياء و3 اخرين يعتبرون انفسهم زعماء، لذلك عليك ان تجيد التصرف معهم، ويقال ايضا ان عبد الناصر رد عليه ممازحا، بانه لماذا لم تقل ذلك قبل التوقيع.

سوريا مع بداية الوحدة دخلت دوامة دولة المخابرات المتمثلة بعبد الحميد السراج او السلطان عبد الحميد حسب ما كان يسمى في ذلك الوقت سواء من كارهيه او محبيه، وتعطلت الحياة السياسية في البلد والتي كانت تعج بهذه الحركة منذ جلاء المستعمر الفرنسي وحتى ايام الوحدة، وللذكرى فقط، فان سوريا تعطلت فيها الحياة السياسية مرة واحدة قبل الوحدة وهي في عهد الرئيس حسني الزعيم، صاحب اول انقلاب عسكري في تاريخ العالم العربي، وفي ذلك الوقت لم يصبر عليه الشعب السوري غير 6 اشهر حتى قام سامي الحناوي بالانقلاب عليه واعادة الحياة الدستورية للبلاد.

عندما قامت الوحدة بدأت دمشق تفقد مكانتها شيئا فشيئا وهو ما لم يتحمله السوريون، والقرارات التي كانت تنفذ على مصر لا تنطبق على سوريا وهو امر لم تعرفه القيادة المصرية، مثل الاصلاح الزراعي او قرارات التأميم للمعامل والمصانع والبنوك وهو ما عجل بقتل الوحدة، حيث ان السوريين شعب يعتمد على الصناعة والتجارة بشكل كبير، اضافة الى ان الطبقة البرجوازية كانت اموالها خاصة بها، ولم تكن من ارزاق واموال الناس كما كان حادث في اثناء حكم الملك فاروق واسلافه. وهذه الامور سارعت الى انهاء الوحدة مع مصر، ولكن النتيجة كانت كارثية وهي ان شعبية عبد الناصر تراجعت بلا ادنى شك في سوريا، وصحيح ان فكرة الوحدة بقيت لدى السوريين ولكن هناك خوف كبير منها وتحولت الى مصدر رعب لهم.

تجربة الوحدة ليست فاشلة وليست كل وحدة فاشلة، ولكن يجب ان تكون وفق معايير ومقاييس الدول وشعوبها، فمثلا لولا الوحدة بين سوريا ومصر في عام 1971 لما حدث انتصار حرب تشرين 1973، اضافة الى ان في وقتنا الحالي سوريا لديها امثلة مهمة على الوحدة او الاتحاد نحو هدف معين، مثل تحالف محور المقاومة مع ايران، حيث ان طهران دولة اسلامية ودمشق علمانية، والجانبان لديهم عدو مشترك وهو  "الكيان الصهيوني"، وتوحدوا لقتال هذا العدو، ولكن كلاهما حافظا على خصوصية كل دولة.

بعد الربيع العربي تحتاج الدول العربية الى الاتحاد ولو سياسيا واقتصاديا لمواجهة الكوارث التي خلفها هذا الربيع، واعادة تكوين منظمة جديدة غير الجامعة العربية، التي شاركت بشكل مباشر وغير مباشر بالدماء التي سالت بهذا الربيع. ولولا هذا الاتحاد لن تقوم قائمة للدول العربية، ولنأخذ من اوروبا مثالا، حيث انها لم تنهض بعد الحرب العالمية الثانية بغير الاتحاد.

ابراهيم شير

كاتب واعلامي سوري 

109-1