أول شهيد مصري يرتقي دفاعا عن سوريا.. هذه آخر قصة كتبها !

أول شهيد مصري يرتقي دفاعا عن سوريا.. هذه آخر قصة كتبها !
الإثنين ١٢ فبراير ٢٠١٨ - ١١:١٩ بتوقيت غرينتش

كأجمل ما يكون الوفاء، رد محيي الدين الشاب المصري التحية لسوريا، البلد الذي لم يحمل جنسيته، لكنه حمل محبته في قلبه منذ لحظة مولده فيه حتى تاريخ استشهاده على ترابه مقاتلا إلى جانب الجيش العربي السوري.

العالم - مقالات وتحليلات

دمشق .. مهوى القلوب

دمشق مدينة السلام الأبدي، احتضنت أخوة في العروبة، لم يصمدوا يوما أمام فاكهة محبتها، عصام الدين أبو شبانة واحد من هؤلاء، الشاب المصري المتخرج من الجامعة، لم يكن يعلم بأن زيارة عمل عابرة لدمشق في تسعينيات القرن الماضي ستغير مسار حياته، بعدما تعرف الى فتاة سورية ملكت شغاف قلبه فتقدم طالبا يدها للزواج، بارك أهل الفتاة الزواج لعلمهم بأن عصام قد طاب له المقام في سوريا بعدما نجح في إيجاد وظيفة مدير إطعام في أحد فنادق دمشق.

ورغم الظروف المعيشية الصعبة التي رافقت الاسرة الحديثة التكوين فقد كان عصام سعيدا في حياته بعدما أثمر زواجه عن طفلة جميلة سماها منى وصبي صغير سماه محيي الدين، صبي سيكون له شأن في الذاكرة الجماعية للسوريين بعدما سجل اسمه لاحقا بمداد الدم والوفاء كأول مصري يرتقي دفاعا عن سوريا البلد الذي عاش فيه بمنزل متواضع في حي الشيخ خالد المتصل صعودا بجبل قاسيون، هنالك وفي تلك البقعة التي تتوسط المسافة بين الأرض والسماء، تعلم محيي الدين أبجدية عشق دمشق المدينة التي كان يمكن له أن يراها يوميا وهي تستحم بضوء الصباح.

جار الرضى والإيثار

في حيه المتواضع كبر “محيي الدين” بين اناس لم يشعروا يوما أنه غريب عنهم، فالشاب الجامح المروءة والمتفوق في القراءة وبرامج الفوتوشوب وتصليح الكهربائيات لم يجد غضاضة في تعليم أطفال الحي لمجمل هذه المواهب من دون أن يطلب لذلك أي مقابل، كانت محبة الناس له، أكبر أجر يمكن أن يتقاضاه ولا سيما أن هؤلاء برهنوا عن استعدادهم لمبادلته المحبة والوفاء والنصيحة في كل ما يمكن أن يقدم عليه، تجلى ذلك في المحاولات الحثيثة التي بذلوها في سبيل إقناعه بالعدول عن فكرة التطوع في صفوف الدفاع الوطني السوري عشية نشوب الأزمة، كونه وحيد والديه، ولا تحتاج وطنيته إلى دليل إثبات، لكن محيي الدين الذي كان قد ساير أهله على مضض حين تدخل خاله وبناءً على رغبة والدته في منعه من تقديم أوراقه إلى الكلية البحرية في طرطوس، بدا هذه المرة أكثر تصميما على التمسك بخياره بعدما بات سيد نفسه وقد بلغ سن التاسعة عشرة.

الوداع الأخير

مصدر في الدفاع الوطني بمنطقة ركن الدين أوضح لـ”موقع العهد الإخباري” أن “محيي الدين تقدم بأوراقه للانضمام إلى صفوف الدفاع الوطني أول مرة، حيث تم رفض الطلب لأسباب متعلقة بكونه “وحيد أمه” وكذلك الأمر بالنسبة للمرة الثانية، لكن وأمام إصراره الكبير لم يكن أمامنا غير الموافقة ولا سيما أن والده كان راضيا بذلك وأمه قد سلمت بالأمر”.

العقل المنفتح على التكنولوجيا والقدرة الباهرة على التعامل مع الآلة وتعقيداتها جعل محيي الدين يختار قسم “هندسة الألغام” ليكون مجال اختصاصه في المعارك، وهو الأمر الذي أبلى فيه البلاء الحسن مع نجاحه التام في تجنيب زملائه مخاطر العبوات الكامنة في طريق التحرير واستعادة الأرض.

في كل معركة يكون لمحيي الدين الدور البارز في تمهيد الطريق لقوات الإقتحام، كانت العودة المظفرة للمنزل تتأخر لساعات مع إصرار أهالي الحي على استيقافه والإطمئنان إليه. لم يمنعه ذلك من الإستمرار في تقديم المساعدات المجانية لهم في المجالات التي أتينا على ذكرها إلى أن جاء اليوم الذي شهد عودته المظفرة الاخيرة من المليحة في الغوطة الشرقية.. ملفوفا بالعلم السوري ومحمولا على أكتاف الأحبة إلى مثواه الأخير.

في الحي

في الحي الذي تتصدره صورة كبيرة لمحيي الدين وهو يتقلد سلاحه سيصبح ذكره على كل لسان وقد بات سيد الوفاء بلا منازع وستتردد في المجالس كلمات من قبيل “ما ضاع فيه الخبز والملح” و”شرب من مية الشام وما نسي هالأرض” و”هوي سوري القلب حتى لو ما حمل الجنسية”.. تلقائيا تحول الشاب الحالم إلى “أسطورة للوفاء” وبات ذكره عابراً أسرته إلى قلوب جميع الناس. “سأشتاقه كثيرا” تهمس أخته “منى” لـ “العهد” وهي تغالب دموعها فيما تعيد والدته التأكيد على “إصراره العجيب على التطوع للدفاع عن البلد” رغم أن أحدا لم يطلب ذلك منه.

القصة التي تحولت لملحمة

أما والده عصام فوجد في التطوع مكان ابنه محيي الدين في الدفاع الوطني وسيلة وحيدة للسير على النهج وتثبيت الرؤية الوطنية في بيت لم يكن يوما طارئا على المزاج الوطني السوري، لكنه وفي غمرة امتنانه “لسلوك محيي الدين الذي ألبسني ثوب المجد والوفاء”، آثر أن يسفر عن جانب آخر من حياة ولده الذي كشفت مذكراته “ميلا جميلا نحو كتابة القصص التي تحاكي الواقع”، كقصته الجميلة التي تحكي عن سكان الحي وتبرز الجانب الظريف في شخصية كل منهم، قصة كتبها محيي الدين ذات استراحة محارب وأجاد فيها الوصف والتنبؤ بسلوك البعض من دون أن ينزلق إلى أي إساءة.

قصة تحدثت عن حيه الصغير الذي اختصر محنة وطن وجعل أبناءه يترفعون عن خلافاتهم الصغيرة مقابل حمايته، قصة كان فيها محيي الدين صانع الحدث وراسم مساراته من دون أن يدري بأن يوما قريبا سيأتي ليكون فيه هو الحدث الذي سيتحول إلى ملحمة وقصة فريدة من الوفاء لولا وقوعها لحسبها الناس من بنات أفكار راوٍ متخم بالوطنية.

محمد عيد - العهد

2-10